خط القلم في إثبات أنَّ تفجير كنيسة (القِدِّيْسَيْنِ) مُحَرَّم (2)

منذ 2011-01-20

إنَّ من التجافي عن الحق، ما يعتقده إخواننا من المسلمين أنَّ مثل هذه التفجيرات قد تكون سبباً للإفراج عن أخواتنا الأسيرات، وأنَّها جائزة شرعاً ..


جواب شبهة: (القول بأنَّ هذه العمليَّة سترعب النصارى وتجعلهم يخرجون أخواتنا الأسيرات):
لو أنَّ بعض المسلمين ذهبوا لإحدى الكنائس التي تيقنوا أنَّ الأخوات المسلمات المضطهدات محبوسات فيهن، وقاموا بإخراجهنَّ ولو كان ذلك باقتحام الكنيسة، وأخذوهنَّ إلى مكان آمن، لما كان ذلك سبباً في الطعن على المسلمين، ولو كان هنالك تشويه لما قاموا به، فإنَّ ذلك أخف وطئاً بكثير من القيام بمثل هذه العملية إن صحَّت نسبتها للمسلمين، ولكانت الأصوات الإعلامية تذكر السبب الحقيقي في ذلك، وهو أنَّ النصارى هم من بدأ الظلم فقاموا باختطاف هؤلاء النسوة وحبسهنَّ في أديرة الكنائس وقاموا بذلك على مرأى ومسمع من الناس ولم تقم الحكومة بحمايتهنَّ، فأتى بعض المسلمين وأخرجوهنَّ من الكنيسة، لكان الأمر في ذلك أقل ضرراً مِمَّا حصل من تفجيرات إن كان خلفها مجموعة إسلاميَّة مسلَّحة، فلربما يُعقل السبب الذي دعا أولئك الشباب للذهاب لتلك الكنيسة وإخراج الاخوات الأسيرات حفظاً لهنَّ وعرضهنَّ.

إنَّ من التجافي عن الحق، والوقوع في الخطأ، ما يعتقده إخواننا من المسلمين أنَّ مثل هذه التفجيرات قد تكون سبباً للإفراج عن أخواتنا الأسيرات، وأنَّها جائزة شرعاً بسبب تصريحات قساوسة النصارى في مصر المشينة للإسلام، وأنَّ سجن المسلمات سبباً لنقض العهد أو الأمان لهم جميعاً، والذي أراه والله أعلم في هذه القضيَّة الآتي ذكره:

حتَّى لو قلنا بانتقاض العهد أو الأمان بينهم وبين المسلمين، فإنَّ هنالك من الجوانب الشرعية الأخرى التي تدل على تحريم وقوع هذه التفجيرات وفي هذا الزمن والتوقيت والمكان مما سأذكره لاحقاً.
وأمَّا نقض بعضهم أو آحادهم للعهد أو الأمان فلا يعني ذلك أنَّ العهد والأمان يُنقض كاملاً على جميعهم، ولهذا يقول الإمام الماوردي: "وإذا نقض أهل الذمة عهدهم لم يستبح بذلك قتلهم ولا غنم أموالهم ولا سبي ذراريهم، ما لم يقاتلوا ووجب إخراجهم من بلاد المسلمين آمنين حتى يلحقوا مأمنهم من أدنى بلاد الشرك، فإن لم يخرجوا طوعاً أخرجوا كرهاً" (الأحكام السلطانية للماوردي).
ويقول كذلك: "وإذا تظاهر أهل العهد والذمة بقتال المسلمين كانوا حربا لوقتهم فيقتل مقاتلهم ويعتبر حال ما عدا المقاتلة بالرضا والإنكار" (الأحكام السلطانية للماوردي).
وقال أبو زكريا الأنصاري: "فنقضه من البعض ليس نقضا من الباقين بحال لقوته، والقول قول مُنْكِر النقض بيمينه لأن الأصل عدمه" (أسنى المطالب لأبي زكريا الأنصارى).
ويقول ابن قدامة: "وإن نقض بعضهم دون بعض اختص حكم النقض بالناقض دون غيره وإن لم ينقضوا لكن خاف النقض منهم لم يجز أن ينبذ إليهم عهدهم لأن عقد الذمة لحقهم‏،‏ بدليل أن الإمام تلزمه إجابتهم إليه بخلاف عقد الأمان والهدنة فإنه لمصلحة المسلمين ولأن عقد الذمة آكد لأنه مؤبد وهو معاوضة‏،‏ ولذلك إذا نقض بعض أهل الذمة العهد وسكت بعضهم لم يكن سكوتهم نقضا‏،‏ وفي عقد الهدنة يكون نقضا" (المغني لابن قدامة).
وجاء في الموسوعة الكويتية: "وَلاَ يَبْطُل أَمَانُ ذُرِّيَّتِهِمْ وَنِسَائِهِمْ بِنَقْضِ عَهْدِهِمْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) لأنَّ النَّقْضَ إِنَّمَا وُجِدَ مِنَ الرِّجَال الْبَالِغِينَ دُونَ الذُّرِّيَّةِ، فَيَجِبُ أَنْ يَخْتَصَّ حُكْمُهُ بِهِمْ. وَيُفْهَمُ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ تُسْتَرَقُّ ذُرِّيَّتُهُمْ".
وهنا يجدر التنبيه على أنَّ مثل هذه التفجيرات، لن تحقق الثمرة والنتيجة المرجوَّة، ومن الخطأ أن يظنَّ ذلك، لعدَّة أسباب:

1- أنَّ النصارى -وإن كانوا قد تأذوا بمثل هذه التفجيرات- فإنَّه قد جاءتهم هذه التفجيرات على طبق من ذهب؛ لكي يظهروا أمام الرأي العام بمنظر المظلوم والمضطهد.
2- أنَّ أسلوب التفجيرات قد يؤدي مفعولاً في إزعاج من يراد تنبيههم بالانصياع لمطالب المفجِّرين (هذا إن صحَّ أن يكون المفجِّرون من المسلمين)، ولكنَّه ليس الأسلوب الأمثل والأجدر لإخراج المسلمات من الكنائس، لأنَّ الأقباط النصارى خلفهم دول كبرى تنصرهم وترعى حقهم ونصيبهم.
3- أنَّ مثل هذه التفجيرات قد تكون لا قدَّر الله مصدر فتنة لأخواتنا المسلمات الأسيرات، لكي يحاول النصارى ثنيهم عن البقاء في دين الإسلام ولفت نظرهنَّ لما يحصل من بعض المسلمين (إن صحَّت نسبة التفجيرات لهم) بمثل هذه التفجيرات.
4- أنَّ أساليب التفجيرات في البلاد الإسلاميَّة قد استخدمت سابقاً والتجربة فيها موعظة وهي خير برهان، وما زادت تلك التفجيرات أولئك إلاَّ عتوا واستكباراً، ومن ذلك التفجيرات التي طالت الصليبيين في جزيرة العرب، ومع هذا لم يزدهم ذلك إلاَّ بقاء وانتشاراً.
فقه المقاصد الشرعيًَّة:

حينما نذكر المقاصد الشرعيَّة، والمرامي الإسلاميَّة، وأنَّها سبب من أسباب القول بتحريم ما جرى في أرض الكنانة مصر، وذلك لأنَّ طبيعة الشريعة الإسلاميَّة بمعانيها وأحكامها وحِكَمِها الملحوظة تجتمع ضمن تقرير عبوديَّة الله ومصلحة الإنسان في الدارين، وأنَّ هذه الشريعة جاءت بإقامة المصالح الدينية والأخروية وذلك بجلب المصالح ودفع المضرَّة عنهم.
وحينما نتفكَّر ونرى ما جرى من خلال هذا التفجير الذي جاء في هذا الوقت وبالذات، في داخل كنيسة، وفي أول يوم من أيام السنة الميلادية، وفي يوم عيدهم، ولربما يخرج النصارى بجمعهم وجميعهم رجالاً ونساء وأطفالاً ليمارسوا طقوسهم وصلواتهم الخاصَّة بهم، ثمَّ يعمد ذلك الشخص أيَّاً كان، ويُفرِّق جمعهم بمثل هذه العملية التفجيريًَّة العشوائيَّة والجبانة والتي ليس فيها مهارة في العمل، ولا احتراف ومهنيَّة، ويحاول أن يستأصل شأفتهم وجموعهم بمثل هذه الطريقة، فهل سيكون مؤدياً لهم حقوقهم الخاصَّة التي أمر الله بها بحفظ أماكن العبادات وعدم الاعتداء عليها؟!

إنه ليأخذني ويتملَّكني ذلك الشعور الرهيب وأنا أقرأ قوله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا} [الحج:40] فالله تعالى يُقدِّم الصوامع والبِيَع الخاصَّة بالكفار من اليهود والنصارى على المساجد، ومن مقاصد ذلك الانتباه لحمايتهنَّ ومن يقومون بعباداتهم الخاصَّة بهم فيهنَّ، بل كان الجهاد في سبيل الله حامياً لهنَّ من أن يأتي أحد يريد اقتحامها وقتل من فيها.
لقد ثبت في مسند أحمد ومعجم الطبراني: عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بعث جيوشه قال: «اخرجوا بسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع» (حسَّنه أحمد شاكر، وإن كان في إسناده إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة وهو ضعيف وقد ضعَّفه جماعة من العلماء وإن كان الإمام أحمد قد وثَّقه).
وذلك يدلُّ على أنَّ من مقاصد الشريعة حفظ حقوق الرهبان والعباد في صوامعهم وكنائسهم، وألاَّ يُتعرَّض إليهم بسوء، وحتَّى من كان منهم حربياً فلا يتعرض له في الكنيسة بل في مكان آخر وبالشروط الشرعية لقتله.

فقه اعتبار المآلات:
إنَّ اعتبار المآلات في شريعة الإسلام أمر وارد شرعاً، ومعروف قطعاً، وهو شيء أعطاه أهل العلم منزلة عالية، ومكانة سامقة، فالفقيه لا يكون فقيهاً إلاَّ إن أدرك قواعد الأصول، ومعاقد الفصول، واعتبار المآلات،... فسعة الأفق، وبعد النظر، واتَّضاح الرؤية وبصيرتها النافذة سبيل من سبل أهل العلم:


بصير بأعقاب الأمور برأيه *** كأنَّ له في اليوم عيناً على غدِ


ولقد جاءت الأدلَّة من كتاب الله وسنَّة رسوله على اعتباره والأخذ به، فالله تعالى يقول: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ فَيَسُبُّوا اللَّـهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108] فمنع الله تعالى من سب هؤلاء الكفار وآلهتهم؛ لكي لا يقوموا بسب الله تعالى.

وكذلك جاء ما يشهد له بالسنة النبوية المطهرَّة وهو حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «يا عائشة لولا أن قومك حديث عهدهم بكفر لنقضت الكعبة فجعلت لها بابين، باب يدخل الناس وباب يخرجون» ففعله ابن الزبير. (رواه البخاري).
قال الحافظ ابن حجر: "ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة، ومنه ترك إنكار المنكر خشية الوقوع في أنكر منه، وأن الإمام يسوس رعيته بما فيه صلاحهم، ولو كان مفضولاً ما لم يكن محرماً" (فتح الباري 1/225).

والسبب في ذلك اعتبار الرسول عليه الصلاة والسلام لمآلات أفعال من أسلم حديثاً خشية أن يظنوا أنَّ رسول الله يريد هدم الكعبة وما هو بهادم لها عليه الصلاة والسلام بل معيد لتأسيسها على قواعد إبراهيم، ومع هذا لم يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
وقد أفتى الامام مالك أميرَ مكة حين أراد أن يرد البيت على قواعد إبراهيم فقال له: لا تفعل لئلا يتلاعب الناس ببيت الله.
وحينما استشير رسول الله بقتل من ظهر نفاقه، قال عليه الصلاة والسلام: «لا يتحدث الناس أنَّ محمداً يقتل أصحابه» فنظر رسول الله صلَّى الله عليه وسلًَّم لعواقب هذا القتل؛ لكي لا يُظنَّ به من قِبَلِ الكفار، أنَّه يقتل صحابته؛ لأن عبد الله بن أبي بن سلول كان يعتقد الكفار أنَّه من صحابته، لأنه يظهر الإسلام، وإن كانت حقيقته أنه كافر منافق.

وهذا الفقه العظيم قد أفرده علماء الإسلام بحديث شائق، وكلام رائق، ومن أبرزهم الإمام الشاطبي رحمه الله حيث يقول: "النظر فى مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل مشروعا لمصلحة فيه تستجلب أو لمفسدة تدرأ ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به ولكن له مآل على خلاف ذلك فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوى المصلحة أو تزيد عليها فيكون هذا مانعا من إطلاق القول بالمشروعية وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم مشروعية ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب المذاق محمود الغب جار على مقاصد الشريعة" (انتهى من كتاب الموافقات).

ويقول رحمه الله في موضع آخر بعد أن يقرر أنه ليس كل حق ينشر، يقول: "فتنبه لهذا المعنى وضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة فإن صحت في ميزانها فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله، فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة فاعرضها في ذهنك على العقول، فإن قبلتها فلك أن تتكلم فيها إما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على العموم، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم، وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية، والعقلية".
وهذا الفقه الحيوي العميق والذي سمَّاه بعض العلماء المعاصرين بفقه التوقع، كان من المهم دراسته ومعرفة مآلات الأحكام التي لم يرد بها نص صريح لا يقبل التأويل، بأن يُنظرإلى مآلاتها وعاقبة أمرها؛ وذلك لأنَّ الفقه الإسلامي فقه قائم على النصوص وتنزيلها في الواقع بتحقيق مناطاتها، بعد تنقيحها ومعرفة الداخل منها من عدمه.

والعلماء عندما يبحثون في فقه المآلات، فإنَّهم يقصدون من وراء ذلك، معرفة عواقبه ونتائجه إن خيراً فخير وإن شراً فشر، مع العلم بأنَّ أصل هذا الفعل الذي يريدون فعله لربما يكون جائزاً شرعاً أو واجباً، ولكنَّهم يتفحَّصون مآلاته، خشية أن تكون مآلاته سيئة فيكون من ورائه ضرر كبير ومفسدة خطيرة، فلأجل ذلك حرَّموه، فماذا إذا كنَّا نتحدث في مسألة جاء الأصل في تحريم التعرض لها وهو الدخول للكنائس وإيذاء النصارى فيها بالقتل والتخويف والترويع جملة وتفصيلاً...


وحينما ننظر ونفكر في مآلات هذه التفجيرات التي حصلت في مصر وفي كنيسة القديسين تحديداً، فإنَّا وجدنا مآلات قريبة حدثت ومآلات بعيدة يخشى أن تحدث بل ظهرت علامتها، وستؤدي لا قدَّر الله لعدَّة جوانب خطرة ومنها:

1) إنَّ مثل هذه التفجيرات التي قُتِلَ فيها الكثير من المسلمين والنصارى على حد سواء، مسببة لوقوع فتنة كبيرة في البلد المصري، بين المسلمين وغيرهم من النصاري، ولعلَّ هذه الفتنة يكون مصيرها (لا قدَّر الله) تفجيرات من بعض النصارى في بعض مساجد المسلمين ودور العلم الخاصة بهم، وإحراقها وهو ما حدث بالفعل، حيث قام عدد من الأقباط النصارى بجريمة نكراء كذلك فحاولوا إحراق المسجد المقارب لهذه الكنيسة ومهاجمة أهله، وحينها تضيع أرض الكنانة في مثل هذه الأعمال العشوائية الطائشة التي لا تنصر ديناً ولا تقيم دنياً، والمجتمع الدولي قد ينكر مثل هذه الأفعال علناً، ولكنَّه قد يرغب بتشجيع بعضها لدعم بعض النصارى للقيام بأعمال إجرامية في بلاد المسلمين وخصوصاً مصر، واختراق بعض الأيادي الخارجية لبعض الناس وقيام أحدهم ببعض التفجيرات التي تطال كنائس وأديرة ومعابد النصارى.

2) تضييق الخناق على الإسلاميين، فهم لا حامي لهم إلاَّ الله، والدولة المصرية معروف تضييقها على الإسلاميين عموما، وسيطال كثيراً منهم الاعتقال والتعذيب والتهديد، وهذا ما حصل مؤخراً في قضية اعتقال الأخ السلفي (السيد بلال) والذي جرى تعذيبه على أيادي أجهزة الامن المصريَّة حتَّى قُتل تحت التعذيب (رحمه الله رحمة واسعة وعجَّل بهلاك من قتله وظلمه) وكان ذلك في يوم الخميس 6-1-2011م.

3) ولربما يكون المسلمون مجرد شمَّاعة أو مشجباً يلقى عليه تلك التهم ويثبت خلافها وعسكها، وخصوصاً حينما تستغل الحكومات تصريحات بعض الحركات الجهادية وتهديدها بالقيام بضرب هذه الكنائس، بعد اعتقال واختطاف بعض المسلمات ممن كنَّ سابقاً من النصرانيات فمنَّ الله عليهنَّ بالدخول للإسلام.

4) هذه التفجيرات مفتاح شر على البلاد المصرية برمَّتها، ويخشى أن تكون ذريعة لتدخلات أمريكية أو غربية في الأراضي المصرية، حينما تنتشر لا قدر الله مثل هذه التفجيرات، ويصعب على أجهزة الأمن المصرية تطويقها أو محاصرتها، بل لربما لا يُسمح لها بذلك، وهذا ما يخشى بالفعل، أن تكون بلاد الإسلام عموماً وفي مصر تحديداً مكاناً للاستراتيجيات الغربيَّة في المنطقة بوجود الفوضى الخلاَّقة أو البناءة للغربيين، والتي يسعون من خلالها ضرب النسيح الاجتماعي لأهل الوطن الواحد، وتأليب بعضهم على بعض وهدم ما يسمَّى بـ(الوحدة الوطنية)، فتكون بالفعل فوضى بناءة للغربيين، وفوضى خطيرة في واقع البلاد الإسلاميَّة، ما يؤدي لأن تنعق بعض الغربان الغربية والعسكرية، بضرورة التدخلات الغربية أو الأمريكية في تلك البلاد لحماية الأقباط، أو لضبط الأمن، وما شاكل ذلك، وتكون بلاد الإسلام مرتعاً خصباً لجيوش الكفر والإفساد.

وليس هنالك وجه غرابة فيما زعمته، فبعد وقوع تفجير كنيسة القديسين، نعق بابا الفتيكان (بنديكتيس السادس عشر) -فضَّ الله فاه- في قُدَّاس رأس السنة بكاتدرائيَّة (القدِّيس بطرس) مطالباً بكل سخف بالتدخـل في الشؤون الداخلية في مصر ومطالبته للتدخل الأجنبيِّ لحمايـة النصارى، وكان الأجدر به معالجة الفضائح المنتشرة بين القساوسة والرهبان وفضائحهم الجنسيَّة، بل ما بات معروفاً بفضائح الأطفال المغتصبين في كنائسه؛ لكي يتدخَّـل في شؤون مصـر الداخليـة بكلِّ وقاحـة، ومع ضعف المؤسسة الدينية في مصر المتمثِّلة بالأزهر إلاَّ أنَّ شيخ الأزهر (د. أحمد الطيب) راعه ذلك التصريح الذي قاله بابا الفاتيكان، وردَّ عليه رداً جيداً مستهجناً هذه الأفكار المسمومة التي نعق بها ذلك البابا، حيث قال د. أحمد الطيب: لماذا لم يطالب البابا بحماية المسلمين عندما تعرضوا لأعمال قتل فى العراق؟

إنَّ ذلك من الغرائب فعلاً، ترتفع أصواتهم حينما يرون قلَّة من النصارى يُقتلون، ولكنَّهم يرون دماء مئات الآلاف من المسلمين تسيل، ولا ينبس أحدهم ببنت شفة، وكان أولى بـ(باباهم الكبير) الذي استغل وقوع هذا الحادث، أن يأمر النصارى بالهدوء ويزرجهم عمَّا اقترفوه في حقِّ المسجد من محاولة حرقه وشتم وضرب الضبَّاط بالحجارة، فلم يثبت ذلك الفعل من المسلمين، لكنَّه يقوم بدعوته الخبيثة ويستغل وقوع التفجير وبعدها بساعات ويطلق هذه الأعيرة النارية من تصريحاته المشؤومة، {أَتَوَاصَوْا بِهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} و{وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}.

5) ومن مآلات هذه التفجيرات العبثية أنَّها فتنة لمن يريد الدخول للإسلام؛ ومن الإحصائيات التي جاءت من خلال الأزهر الشريف فقد ثبت أنَّه في خلال عام 2010 أسلم ما يُقارب (2500) نصراني من أهل مصر، وهم مسجَّلين في سجلات المسلمين الجدد في الأزهر من أهل البلد المصري، وهذا غير من يُسلم من الآخرين الغربيين أو غيرهم، فيُخشى أن تكون هذه التفجيرات عامل استفادة من النصارى والذين سيستغلون هذا الحدث الذي ركَّزت عليه وسائل الإعلام، وأظهرت اضطادهم أمام الكاميرات وجريمة الترويع لهم؛ لكي يستغل النصارى هذه الأحداث ويكونون المستفيدين الأول والأخير من جرَّائها ويقولون لعموم الأقباط النصارى أو من يحدِّث نفسه بالدخول للإسلام: هذا هو الدين الإسلامي بحقيقته حيث يجيز تفجير الكنائس فهو دين الإرهاب والعنف والتفجيرات.

6) ومن المآلات السيئة مطالبة النصارى بحريَّة بناء الكنائس أكثر من ذي قبل، والمطالبة بذلك من خلال مظاهرات واعتصامات ومطالبات جماهيريَّة منهم، وبالطبع فإنَّ أجهزة المخابرات الغربيَّة ستدعم موقفهم، وتبقى من ورائهم لتلبية طلباتهم، بسبب حقوق الأقليات، وضرورة الاعتناء بهم وبحقوقهم!

7) لا ريب أنَّ مثل هذه التفجيرات أدارت الكفَّة لصالح الأقباط النصارى، وصرفت النظر عمَّا تتعرَّض له أخواتنا المسلمات الأسيرات في كنائس النصارى وأديرتهم وسجونهم في كنائسهم، مع أنَّ هذا الأمر هو الأولى والله تعالى يقول: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} ففتنة هؤلاء الأخوات المسلمات عن دينهنَّ وسجنهنَّ وتعذيبهنَّ النفسي والبدني وحجبهن عن أهلهن، أمر كبير، وهو الذي سبَّب خروج الآلاف من المسلمين للمطالبة بخروجهن، ومطالبة أجهزة الأمن بذلك، حتَّى لا تتفاقم الأمور، وتخرج عن اليد، ولكن كما يقال: أنت تضرب في حديد بارد، فلا أجهزة الأمن انصاعت لمطالب الجماهير المسلمة، ولا الكافر (شنودة) استجاب لإخراجهنَّ من السجون، فحدث من وراء ذلك هذه التفجيرات، والتي سيستغلها النصارى ومن خلفهم أجهزة الإعلام العالمية لتبيين الظلم الذي جرى عليهم، ونسيان ما جرى على أخواتنا الأسيرات المسلمات من اعتقال واضطهاد.

8) مثل هذه التفجيرات قد تكون سبباً لاستعداء السلطات على الشعب المصري مما يؤجج مزيداً من الفتن والاقتتال بين أتباع الدين الإسلامي والنصارى.


فقه الواقع المعاصر في مصر:
(ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم، من الفتوى والحكم بالحق، إلا بنوعين من الفهم أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما والنوع.
الثاني: فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع ثم يطبق أحدهما على الآخر) هكذا قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه العظيم إعلام الموقعين.

وعلماء أصول الفقه يقولون: الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولأجل ذلك فلا ريب أنَّ قيام هذه التفجيرات إن وقعت من مسلمين، تحتاج لدقة التصور لمعرفة سبب فعل أصحابها، وذكر بعضهم لبعض الحقائق الصحيحة من قبيل سب الإسلام بأبشع الصفات، وإهانة القرآن واتهامه بالتحريف، وسب رسول الله محمد بن عبد الله صلَّى الله عليه وسلم داخل كنائسهم، وخطف من يُعلن إسلامه من النصارى، وتهريبهم وسجنهم داخل داخل الكنائس وأقباب الأديرة...


يدعي بعض الناس أنَّ هذه التفجيرات جاءت لأجل سجن الأسيرات المسلمات المقهورات في أديرة النصارى مثل الأخوات المسلمات: (كاميليا شحاتة، وفاء قسطنطين، عبير ناجح إبراهيم) وغيرهنَّ.

والواقع أنَّ مثل هذه التفجيرات لا تؤدي للمنفعة المرجوة من إطلاق سراحهنَّ، بل قد يسبب ذلك مزيداً من التنكيل بهن وتعذيبهن ورفض إخراجهن، تنكيلاً وإيذاء لمن أراد منهم إخراجهنَّ من سجنهنًّ بمثل هذه الطريقة، ولربما كانوا ينتظرون هذه الفرصة السانحة لذلك لكي يستأسدوا أكثر، وبمعاونة القوى العالمية الكبرى المساندة لهم، وإبقاء الأسيرات رهن القيد وخصوصاً في ظل ضعف بل تراخي أجهزة الامن المصري عن استردادهنَّ، فلن تكون هذه الطريقة بالتفجير سبب لإخراجهن.

وكلامي هنا لا يعني عياذاً بالله ما قد يفهمه قاصروا النظر، بتأييد الحبس الظالم لأخواتنا المسلمات الأسيرات فكَّ الله أسرهنَّ، أو عدم تحرق القلب عليهن، فالقلب معهن وندعو لهن ونسأل الله أن يخلصهُنَّ من شر وكيد الكفرة النصارى الذين آذوهنَّ، ونقول ما يقول الشاعر المسلم:

كيف القرار وكيف يهدأ مسلمٌ *** والمسلمات مع العدو المعتدي
القائلات إذا خشين فضيحة *** جهد المقالة: ليتنا لم نولّدِ
لا تستطيع وليس لها من حيلة *** إلا التستّر من أخيها باليدِ

إلاَّ أنَّ الهدوء في معالجة الأحداث لا يعني بالضرورة الركون أو السكون والكمون والركود، كما يحسبه بعضهم، فوسائل الإصلاح والتأثير على العقول والقلوب ونشر معاناتهن مهم جداً كما يقوم به إخواننا الكرام في موقع: (المرصد الإسلامي لمقاومة التنصير) وأهل العلم الكبار والمفكرين والدعاة وغيرهم جزاهم الله خيراً.

لكن هذا الأسلوب في التفجير والتدمير في الحقيقة ليس أسلوباً إصلاحياً بل هو أسلوب أقرب ما يكون للإفساد لانَّه يعكس طبيعة ما يريده الغربيون وما يسيل له لعابهم لأن تبقى المنطقة العربية متوترة، وحينما لايستطيع النظام السيطرة على الواقع، يحاولون الدخول بقواتهم الأجنبية في داخل البلاد الإسلامية، وتكون هذه التفجيرات سبباً في مجيئهم وليس ردعهم أو طردهم!!

ثم أين العقل والدين من هؤلاء إن كانوا مسلمين حينما يقومون بعملية تفجير في شارع يقع بين مسجد وكنيسة، وكان المتضرر بمثل هذه التفجيرات كذلك من المسلمين والنصارى، وسقوط الضحايا والقتلى من المسلمين والنصارى، ووقوع التفجير بين الكنيسة والمسجد، ما يدلَّ على أنَّ هذا الفعل له مؤشرات تدل على أيادٍ مجرمة خفيَّة تريد الفساد في أرضنا الحبيبة مصر، أو أنَّ القائم بذلك مسلم أحمق حيث لا يعرف اختيار المكان المناسب للتفجير لكي لا يضر بإخوانه، على أنَّه أي مكان في التفجير في الكنائس بمصر المتخذة للعبادة حرام شرعاً، لكنَّ الحديث منصب عن طبيعة هذا التفجير الغريب في توقيته ومكانه، وهذا ما يدل على منافاة هذا الفعل للأدلة الشرعية، وفقه الواقع، ومقاصد الشريعة الإسلامية، مما يجعله في حقيقته إفساداً في الأرض لا إصلاحاً، ولهذا نجد أنَّ مثل هذه الأعمال لا يكتب لها في الغالب القبول، وحَّتى لو حصدت أرواح الكثير من البشر، لأنَّها خالفت السنن الشرعية الدينية، وصادمت نواميس الكون، وجعلت الناس لا تثق بهذه التفجيرات، و{إِنَّ اللَّـهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}.


إنَّ الواقع يشهد كذلك بأنَّ أرض الكنانة مصر -حماها الله وسائر بلاد الإسلام- محطَّ أنظار العتاة الغزاة، ولعلَّ ما يشهد لطبيعة التحركات الآثمة فيها تلك الشهادة التي أدلاها الجنرال (عاموس يادلين)، الرئيس المنتهية ولايته لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، بتصريحات فى حفل أقيم بمناسبة تسليمه مهام منصبه لخلفه الجنرال (آفيف كوخفى) حيث قال السابق ذكره: "لقد تطور العمل فى مصر حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979، فقد أحدثنا اختراقات سياسية وأمنية واقتصادية فى أكثر من موقع، ونجحنا فى تصعيد التوتر والاحتقان الطائفى والاجتماعى لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً ومنقسمة إلى أكثر من شطر، لتعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، ولكى يعجز أى نظام يأتى بعد حسنى مبارك فى معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشى فى هذا البلد".

وبما أنَّ الحكومة المصريَّة قد وقعت اتفاقيات السلام مع اليهود، بل قامت بالتطبيع بينها وبين ما يسمى بدولة إسرائيل، فإنَّه يبقى من وصفهم الله تعالى: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} لا يفتؤون عن القيام بحالة الإفساد في الأرض، ومحاولة زعزعة الأمن والاستقرار الذي لا يريد اليهود أن يكون دائماً في مصر، بل يحاولون أن يخلقوا جواً من الانقسام وزرع الفتن بين المسلمين والأقباط وغيرهم، ومن هنا يأتي فقه الواقع للقضية التي نحن بصددها، مستدلين على ذلك بأنَّ هذه التفجيرات يسعى لها أو يستغلها أعداء الإسلام لمصالحهم الشخصيَّة والخاسر الوحيد في ذلك هو الشعب المصري برمَّته.
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 2
  • 0
  • 13,202

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً