ذم البخل فى القرآن والسنة
البخل رزيله عواقبها وخيمة وآثاره سيئة على الإنسان فى حياته وبعد مماته فى آخرته. و قد أورد القرآن الكريم فى ذم البخل سبع آيات فى ست سور سيرد ذكرها فى سياق المقال منها خمس سور مدنية
البخل رزيله عواقبها وخيمة وآثاره سيئة على الإنسان فى حياته وبعد مماته فى آخرته. و قد أورد القرآن الكريم فى ذم البخل سبع آيات فى ست سور سيرد ذكرها فى سياق المقال منها خمس سور مدنية وهى:
آل عمران: [180]، النساء: [37]، التوبة: [76]، محمد: [37-38]، الحديد: [24]، وسورة مكية واحدة وهى الليل: [8].
وقد عبر القرآن الكريم عن البخل بستة ألفاظ مشتقة من الفعل الثلاثي "بخل" وهى كالتالي مع ذكر عدد مرات تكرارها وهى:
بخل [1]، بخلوا [2]، تبخلوا [1]، يبخل [3]، يبخلون [3]، البخل [2]، وقد ورد أيضًا فى القران الكريم لفظ الشح فى سورتين التغابن: [160]، والحشر: [9] بقوله: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
ويقول البعض إن كلمة الشح تعنى البخل لكن الشح أعم وأشد من البخل لأن البخل ينشأ عنها.
ويعرف البخل بإنه قبض اليد عن الإنفاق وهو عملية حركية تنشأ نتيجة مواجيد راسخة فى النفس الإنسانية هى مشاعر الشح التى تدعوا صاحبها لعدم الإنفاق. لذلك قال الله تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9]، [التغابن:16].
وينبغى أن نفرق بين البخل والشح:
البخل: أن يبخل الإنسان على غيره لكنه كريم على نفسه، أما الشح فيبخل الإنسان على نفسه وعلى غيره، والبخل معناه أيضًا مشقة الإعطاء ويتجاوز الحد بضن الشخص بالذى لا يضر بذله، ولا ينفع منعه لأنه لا يريد أن يعطى، وهذا البخل والشح يكون فى نفس البخيل لأنه أولًا قد بخل على نفسه، ومن بخل على نفسه لا يجود على الناس، وهناك فى اللغة أسماء للإمتناع عن العطاء وهى بخل وشح وكزازه، ولكن منازل العطاء والبخل تختلف فهناك ثلاثة مراحل للعطاء:
رجل يعطى من غير سؤال، ورجل يعطى بسؤال فيه أسباب مثيرة ومهيجة للعاطفة، ورجل يعطى بمجرد السؤال.
وأما الشح فهو أفظع درجة للبخل، وهو أن يبخل الرجل على من يسأله مسألة مسببة بإحداث تهييج العواطف، ومع هذا لا يرق قلبه، والبخيل هو الذى انصرف عن العامل الذى جاء يأخذ الصدقة وتولى وأعرض عنه.
وقد بينت آيات القرآن الكريم عما ينتظر البخيل من عنت فى الدنيا، وعذاب مهين فى الأخره، ومن هذه العواقب ما يلى:
- العسرى للبخيل
{وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى . وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [الليل:8-11]، فأما من بخل بماله، واستغنى عن ربه، وكذب بالجنة، أو بلا إله إلا الله {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}؛ أي يعسر الله عليه أسباب الخير والصلاح ولا ينفعه ماله إذا هلك وهو فى نار جهنم.
- البخل شر وليس خيرًا
يقول الله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران:180]، حيث يجعل الله للبخيل مما بخل به طوقًا حول عنقه، فكلما منع البخيل نفسه من العطاء إزداد الطوق ثقلًا.
- البخلاء
جعل الله عاقبتهم رسوخ النفاق فى قلوبهم الى يوم لقائه ( {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ . فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ . فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة:75-77]، أي فلما رزقهم الله - أي المنافقين - بخلوا به وتولوا وهم معرضون، أي بخلوا فى الإنفاق ونقضوا العهد وأعرضوا عن طاعة الله ورسوله {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ}.
- إخراج ما فى قلوب البخلاء من بخل وكراهية
ذلك لأن الإنسان جبل على محبة الأموال لقوله تعالى " {إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} [محمد:37].
- يعاقب الله من دعاهم للإنفاق فبخلوا بأن يخلف مكانهم قومًا آخرين
يكونون أطوع لله منهم، ثم لا يكونوا أمثالهم فى البخل عن الإنفاق، بل يكونوا كرماء أسخياء لقوله تعالى {هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} [محمد:38].
- العذاب الأليم مع الخزى والإذلال فى الآخرة
هيأ الله للجاحدين بنعمة الله ممن بخلوا، وأمروا الناس بالبخل، وأخفوا ما عندهم من المال والغنى {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} [النساء:37]، وقوله {وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحديد من الآية:24]، أي فإن الله مستغني عنه وعن انفاقه، محمود فى ذاته وصفاته لا يضره الإعراض عن شكره، ولا تنفعه طاعه الطائفين وفيه وعيد وتهديد {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ۗ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحديد:24].
أما قوله {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}: {الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9].
{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن:16]، أي من سلم من البخل والشح والطمع الذى تدعو إليه النفس، فقد فاز بكل مطلوب والمفلحون هم الفائزون بالدرجات العالية فى جنات النعيم.
ذم البخل فى السنة النبوية
- وقال صلى الله عليه وسلم: «وإِيَّاكُمْ والشُّحَّ ، فإنَّهُ دعا من كان قبلَكُمْ فَسَفَكُوا دِماءَهُمْ، ودعا مَنْ كان قبلَكُمْ فَقَطَّعُوا أَرْحامَهُمْ، ودعا مَنْ كان قبلَكُمْ فَاسْتَحَلُّوا حُرُماتِهمْ» (صحيح الترغيب [2603]).
- وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة بخيل ولا خب ولا خائن لا سيئ الملكة» (حسنه الترمذي [10/414])، وفي رواية «ولا جبار» وفي رواية " «ولا منان».
- وقال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث مهلكات...فشح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه» (صحيح الترغيب، حكم المحدث: حسن لغيره).
- وقال صلى الله عليه وسلم: «مثلُ البخيلِ والمنفقِ، كمثلِ رجلينِ عليهما جُبتانِ منْ حديدٍ، منْ لدنْ ثدييهمَا إلى تراقِيهما، فأَما المنفقُ: فلا ينفقُ شيئًا إلا مادتْ على جلدِهِ، حتى تُجِنَّ بَنانَهُ وتَعفُوَ أثرَهَ. أمَّا البخيلُ: فلا يريدُ إلا لزمتْ كلُّ حلقةٍ موضعَها، فهوَ يوسعُها فلا تتسعُ. ويشيرُ بإصبعهِ إلى حلقِهِ» (صحيح البخاري [1239]).
- وقال صلى الله عليه وسلم: «خصلتان لا يجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق» (صحيح الترغيب [2608]، حكم المحدث: صحيح لغيره).
- وقال صلى الله عليه وسلم: " «اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى ارذل العمر» (صحيح النسائي [5462]).
- وقال صلى الله عليه وسلم: «إيَّاكُم والظُّلمَ فإنَّ الظُّلمَ ظلُماتٌ يومَ القيامةِ، والشُّحَّ، فإنَّما أَهْلَكَ مَن كانَ قبلَكُم الشَّحُ أمرَهُم بالكذِبِ فكذَبوا وأمرَهُم بالظُّلمِ فظَلموا وأمرَهُم بالقطيعةِ فقَطَعوا» (تخريج الحنائيات [2/1197]، حكم المحدث: مشهور وهو حسن من حديث أبي حفص عمر بن عبد الرحمن).
- وقال صلى الله عليه وسلم: «شر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع » (صحيح ابن حبان [3250]).
أخيرًا نقول جعلنا الله من المفلحين ووقانا بفضله من البخل والشح والطمع، وهدانا إلى الصراط المستقيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين والحمد لله رب العالمين.
جلال عبد الله المنوفى
- التصنيف:
- المصدر: