"علمتني الحياة على الكوكب الأزرق (2)

منذ 2017-03-19

لا أفجر في خصومتي مع مسلمٍ، مهما استلّ عليّ من ألسنةٍ حداد وسيوفِ كلماتٍ، يملكُ زمامَها بقوة ويبرُع في رميها بدقة، أو مهما استفتح هو بالتخاصم الشرس ابتداءً

مع كامل تقديري لسنّة التدافع بين الحق والباطل وجنودهما، وآثارها الزكية على صلاح الأرض واستقامتها، إلا أني قد تعلمتُ مؤخرًا، من مشاهداتي على مواقع التواصل مجددًا:

1-أن لا أفجر في خصومتي مع مسلمٍ، مهما استلّ عليّ من ألسنةٍ حداد وسيوفِ كلماتٍ، يملكُ زمامَها بقوة ويبرُع في رميها بدقة، أو مهما استفتح هو بالتخاصم الشرس ابتداءً، أو مهما جَنّدَ من أتباعه لاحقًا-عمدًا أو تأييدًا- من يعاونه على همزي ولمزي والتشنيع عليّ والتنقّص مني، تصريحا أوتعريضا , فلا أفجرُ في الخصومة مهما كان من ذلك.. لماذا؟؟؟ لأن بعد هدوء الرُّعود، وخمود البُروق، وانطفاء جذوة الغضب، وسكونِ الأمواج المتعاركة، وأَوْبِ السفن إلى مرافيء النفس اللوامة، تلفحُ المرءَ رياحُ الندم الهادئة، فتعصفُ به أشدَّ من صَرصَرِ عاصفةِ معركةِ التَّقاتل آنفًا..! فتأمَّل وأدرِك..!

2-أن التصدُّر لكل شاردة وواردة في أمور العامة والحوادث والنوازل، لغرض عدم تفويت الإدلاء فيها بالرأي, لهُو قرينةٌ تَرقَى إلى الدليل الدامغ، على خللٍ في فقه المتصدّر ذاك... وقُل إن شئت:  خَرقٌ في ورعه..! وتفصيلُ ذلك في التالية..

3-أن المنافحة ضد كل كليمة -أو حتى كلمة!- و كل مخطوطةِ قلم، و كل خاطرةٍ سارحةٍ في الفضاء، تخالف رأيي بقسوة، أو تؤيد رأي مخالفيَّ في رأيهم، أقول: أن المنافحة الدائمة عن تلك أو تيك, لهُو برهانٌ على ضَعفِ التوكل على السميع البصير، ونقص الثقة في قدرته وعدله وبطشه وفصله عز وجل بين الناس بالحق –ولو بعد حين- ، وقليلِ همٍّ بالآخرة، وكثيرِ همّ بالنفس وشأنِها والدنيا وحظوظِها.. فاحترِسْ تحترِزْ..!

4-أن أعوذَ بالله ليل نهار من الآية {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} .. فتلك القاصمةُ للظهر والقلب..

5-أن ذوي الحياء الأنقى والحُجّةِ الأقوى، يترفع سن قلمهم عن التلاسن والتطاعن والتفاحش في القول مع أي مسلمٍ، مهما صغر شأنه أوعَظُمَ جُرمُه.. والتَّرفُّعُ أوثَقُ في حق إخوانهم في الله لا ريب.

6-أن في صيغة "ما بال أقوام" الراقية، مندوحةً عن "الردح" المتهتك، و"التلقيح" المبتذل، وفُحش القول الصفيق.. وأن التناصح أجدَى من التناطح، والتسامح أربَحُ من التَواقُح... ! إي و ربي.. 

7-أن أهل الحق يهدرون كثيرا من تضامن الآخرين مع حجية طرحهم، بالتشاتُم الصريح، والتلاعُن الفظّ، والتعايب الغليظ، والتخاصم بفجر..! فعلامَ..؟ ولِمَ..؟؟! 

8-أني ما رأيتُ أضرَّ على الأمة ولا أشأم، من التنابز والتنابذ في المعارك الكلامية، يتنابلُ كل من الطائفتين أيهم أشدُّ فتكًا وأكثرُ جمعًا وأشرسُ إفسادًا لذات البين..! يا إخوتي يا معلمي الناس الخير: أليس منكم رجل رشيد..! أما تعلمون أن تلك الحالقة ..! كما أخبرنا كريم الخُلُق ﷺ.. «تحلق الدين كما يحلق الموسى الشعر» ..! فإنا لله ..! ونعوذ به ونلوذ، من شر أنفسنا..!*هامش1

9-أن اطمئناني فقط إلى حكمة العلي القدير الحكيم، في عدم إجابة دعوة حبيبه ﷺ ألا يجعل بأس المؤمنين بينهم, هو ما يسكّن أنيني على ما حال إليه حال أمتي في الخصومة.. كنتُ دوما أتحسّر وأحدث نفسي "لمَ يا رحمن تركتَ بأسنا بيننا ولم تعافنا؟".. الآن فقط فقهتُ.. وتفصيل تلك في العاشرة والأخيرة.. **هامش2

10-أن من حكمته عز وجل في جعل بأسنا بيننا موجودًا، أنك حين يجهل عليك الخصوم، تتمرّس على الصبر والحكمة والحِلم، والتمسك بالحياء وعفة اللسان، وهجر الانتصار لذاتك، والزهد في حظوظ الدنيا، والترفع بالقلب عن مستنقعات الثأر والانتقام، فالآخرة تنادي، والزاد قليل، ولا وقت لمعارك في غير مواقعها..  وصدق من تدبّر قوله عز وجل فقال: المنشغلون بالآخرة لا وقت لديهم للعداوات: {وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيل} ..!

تلك عشرةٌ كاملة... 

وأعتذر إن كانت ألفاظ مخطوطتي مزعجة ومنهكة للفكر والروح، إنما هي بعضُ صدىً لما أزعج روحي وخواطري مؤخرا أنا كذلك، وبعضٌ من صداعِ قلبي المتحسّر على شقاق الأخوة، أصحاب العلم الغزير والمقام العالي والدين القويم والخلق الحسن والمنهج المستقيم.. أو كذلك نحسبهم والله حسيبهم وما نزكي بعدُ أحدًا على الخالق عز وجل..

الهوامش:
---------
1* «أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أقبلَ ذاتَ يومٍ من العاليةِ . حتى إذا مر بمسجدِ بني معاويةَ ، دخل فركع فيه ركعتَين . وصلَّينا معه . ودعا ربه طويلًا . ثم انصرف إلينا . فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ " سألتُ ربي ثلاثًا . فأعطاني ثنتَين ومنعني واحدةً . سألتُ ربي أن لا يُهلِك أمتي بالسَّنةِ فأعطانيها . وسألتُه أن لا يهلِك أمتي بالغرقِ فأعطانيها . وسألتُه أن لا يجعلَ بأسَهم بينهم فمنَعَنيها " . وفي رواية : أنه أقبل مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في طائفةٍ من أصحابِه . فمرَّ بمسجدِ بني معاويةَ » . [الراوي : سعد بن أبي وقاص | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2890 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | ح الحديث]

2** «ألا أُخبِرُكم بأفضلَ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ ؟ قالوا : بلى . قال : صلاحُ ذاتِ البَيْنِ ، فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالقةُ»
[الراوي : أبو الدرداء | المحدث : الترمذي | المصدر : سنن الترمذي الصفحة أو الرقم: 2509 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | انظر شرح الحديث رقم 29505 ]
    

أسماء محمد لبيب

كاتبة مصرية

  • 3
  • 0
  • 5,793

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً