ترجمة الإمام ابن ماجه

منذ 2017-03-22

شبَّ محبًّا للعلم الشرعي عمومًا، وعلم الحديث خصوصًا؛ فحفظ القرآن الكريم، وتردد على حلقات المحدثين التي امتلأت بها مساجد قزوين، حتى حصَّل قدرًا كبيرًا من الحديث

نسب الإمام ابن ماجه وموطنه:

هو الإمام الحافظ الكبير أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه الربعي القَزْوِينِيُّ، وُلد بقزوين سنة تسعٍ ومائتين من الهجرة. قال ابن خَلِّكان: "ماجه بفتح الميم والجيم وبينهما ألف، وفي الآخر هاء ساكنة".

 

تربية الإمام ابن ماجه وحياته:

نشأ ابن ماجه في جو علمي، ومن ثَمَّ شبَّ محبًّا للعلم الشرعي عمومًا، وعلم الحديث خصوصًا؛ فحفظ القرآن الكريم، وتردد على حلقات المحدثين التي امتلأت بها مساجد قزوين، حتى حصَّل قدرًا كبيرًا من الحديث.

 

وقد هاجر سنة ثلاثين ومائتين من الهجرة في طلب الحديث ومشافهة الشيوخ والتلقي عليهم، فرحل إلى خراسان، والبصرة والكوفة، وبغداد ودمشق، ومكة والمدينة، ومصر، وغيرها من الأمصار، متعرفًا على العديد من مدارس الحديث النبوي الشريف؛ إذ أتاحت له هذه الفرصة أن يلتقي بعدد من الشيوخ في كل قطر، وفي كل بلد ارتحل إليها.

 

شيوخ الإمام ابن ماجه:

نظرًا لكثرة أسفاره ورحلاته، فكان له شيوخ في كل قطر وكل مصر ذهب إليه، فكان من شيوخه علي بن محمد الطنافسي الحافظ، وقد أكثر عنه، وإبراهيم بن المنذر الحزامي المُتوفَّى سنة ست وثلاثين ومائتين من الهجرة، وهو تلميذ البخاري، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وجبارة بن المغلس، وهو من قدماء شيوخه، وعبد الله بن معاوية، وهشام بن عمار، ومحمد بن رمح، وداود بن رشيد، وخلق كثير، وقد ذكرهم في سننه وتأليفه.

 

ثم بعد رحلة شاقة استغرقت أكثر من خمسة عشر عامًا عاد ابن ماجه إلى قزوين، واستقر بها، منصرفًا إلى التأليف والتصنيف، ورواية الحديث بعد أن طارت شهرته، وقصده الطلاب من كل مكان.

 

تلامذة الإمام ابن ماجه:

لم يكن ليقتصر النشاط العلمي لابن ماجه على التأليف فقط، بل تعداه إلى التعليم وإلقاء المحاضرات والدروس، وكان أشهر من روى عنه وتتلمذ على يده علي بن سعيد بن عبد الله الغداني، وإبراهيم بن دينار الجرشي الهمداني، وأحمد بن إبراهيم القزويني جَدّ الحافظ أبي يعلى الخليلي، وأبو الطيب أحمد بن روح المشعراني، وإسحاق بن محمد القزويني، وجعفر بن إدريس، ومحمد بن عيسى الصفار، وأبو الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة القزويني الحافظ، وغيرهم من مشاهير الرواة.

 

مؤلفات الإمام ابن ماجه:

لم يخلد الزمان من كتبه غير كتابه (سنن ابن ماجه) أحد الصحاح الستة؛ فقد ضاعت مصنفاته مع ما ضاع من ذخائر تراثنا العظيم، فكان له تفسير للقرآن وصفه ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية) بأنه "تفسير حافل"، وله أيضًا كتاب في التاريخ أرَّخ فيه من عصر الصحابة حتى عصره، وقال عنه ابن كثير بأنه "تاريخ كامل".

 

سنن ابن ماجه.. مكانته ومنهجه فيه:

طبقت شهرة كتاب (سنن ابن ماجه) الآفاق، وبه عُرف ابن ماجه واشتهر، واحتل مكانته المعروفة بين كبار الحفاظ والمحدثين، وهو من أَجَلِّ كتبه وأعظمها وأبقاها على الزمان، وقد عُدَّ الكتاب رابع كتب السنن المعروفة، وهي سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ومتمم للكتب الستة التي تشمل إلى ما سبق صحيح البخاري ومسلم، وهي المراجع الأصول للسنة النبوية الشريفة وينابيعها.

 

وكان منهج ابن ماجه في كتابه هذا هو أنه رتبه على كتب وأبواب، حيث يشتمل على مقدمة وسبعة وثلاثين كتابًا، وخمسمائة وألف باب، تضم أربعة آلاف وثلاثمائة وواحدًا وأربعين حديثًا، ومن هذه الأحاديث اثنان وثلاثة آلاف حديث اشترك معه في تخريجها أصحاب الكتب الخمسة، وانفرد هو بتخريج تسعة وعشرين وثلاثمائة وألف حديثٍ، وهي الزوائد على ما جاء في الكتب الخمسة، من بينها ثمانٍ وعشرون وأربعمائة حديثًا صحيح الإسناد، وتسعة عشر ومائة حديثًا حسن الإسناد، وهذا ما أشار إليه ابن حجر بقوله: "إنه انفرد بأحاديث كثيرة صحيحة".

وقد أحسن ابن ماجه وأجاد حينما بدأه بباب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساق فيه الأحاديث الدالة على حجية السنة، ووجوب اتباعها والعمل بها.

 

سنن ابن ماجه في ميزان النقد:

قال الذهبي: "سنن أبى عبد الله كتاب حسن لولا ما كَدَّرَهُ بأحاديث واهية ليست بالكثيرة". وقال الحافظ ابن حجر: "كتابه في السنن جامع جيد، كثير الأبواب والغرائب، وفيه أحاديث ضعيفة جدًّا حتى بلغني أن السَّرِيَّ كان يقول: مهما انفرد بخبر فيه هو ضعيف غالبًا. وليس الأمر في ذلك على إطلاقه باستقرائي، وفي الجملة ففيه أحاديث منكرة، والله تعالى المستعان".

 

شروح سنن ابن ماجه:

ولقيمة هذا الكتاب ومكانته، فقد أولاه كبار الحفاظ والمحدثين عناية خاصة، فراحوا يسهبون في شروحه ويضعون عليه من تعليقاتهم، ومن ذلك:

(شرح سنن ابن ماجه) للحافظ علاء الدين مغلطاي، المُتوفَّى سنة اثنتين وستين وسبعمائة من الهجرة.

(مصباح الزجاجة في شرح سنن ابن ماجه) للجلال الدين السيوطي، المتوفَّى سنة إحدى عشرة وتسعمائة من الهجرة.

(شرح سنن ابن ماجه) للمحدث محمد بن عبد الهادي السِّندي، المتوفَّى سنة ثمانٍ وثلاثين ومائة وألف من الهجرة.

وقد أفرد زوائد السنن العلامة المحدث شهاب الدين أحمد بن زين الدين البوصيري في كتابٍ وخرَّجها، وتكلم على أسانيدها بما يليق بحالها من صحة وحسن وضعف.

 

آراء العلماء في الإمام ابن ماجه:

نال ابن ماجه إعجاب معاصريه وثقتهم؛ إذ كان معدودًا في كبار الأئمة وفحول المحدثين، فقد قال عنه ابن خَلِّكان: "كان إمامًا في الحديث، عارفًا بعلومه وجميع ما يتعلق به". وقال الذهبي عنه: "كان ابن ماجه حافظًا، ناقدًا، صادقًا، واسع العلم".

 

وفاة الإمام ابن ماجه:

بعد عمر حافل بالعطاء في الحديث النبوي الشريف درايةً وروايةً، دارسًا ومدرسًا ومؤلفًا، تُوفِّي ابن ماجه (رحمه الله) سنة ثلاثٍ وسبعين ومائتين من الهجرة.

 

المراجع:

الذهبي: العبر في خبر من غبر - الذهبي: سير أعلام النبلاء - الذهبي: تذكرة الحفاظ - ابن خَلِّكان: وفيات الأعيان - ابن الجوزي: المنتظم - ابن حجر: تهذيب التهذيب - ابن كثير: البداية والنهاية. 

 

  • 23
  • 4
  • 44,307
  • منير الخالدي

      منذ
    ماذا يمنع العالم بالحقِّ من اتِّباعه؟! • لماذا لم يؤمن علماء أهل الكتاب بنبيِّنا محمَّد ﷺ؟ لماذا لم يكونوا أوَّل مؤمن به بدل أن يكونوا أوَّل كافر به؟ لماذا حار,بوه وصدَّوا النَّاس عنه، بدلا من أن يناصروه ويحاربوا أعداءه؟ الجواب الشافي عن كلّ تلك التَّساؤلات في كتاب الله عزَّ وجل، بيَّنه الله أحسن بيان، فضحهم الله، وكشف خبايا نفوسهم الخبيثة، وأعمالهم الضَّالة، كما قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: ٥٥] فأكبر أسباب ضلا.لهم • أولا: ما انطوت عليه نفوسهم، من الكبر الذي توعد الله صاحبه؛ بأن يصرفه عن أن ينتفع ويهتدي بآيات الله، قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف: ١٤٦]. • ثانيا: حسدهم لرسول الله ﷺ، لأن الله اجتباه واصطفاه لرسالته، ولم يجعل الرَّسول من بني إسرائيل، قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: ١٠٩]. • ثالثا: عدم الخوف، والرَّهبة من الله تعالى، يدلُّ على ذلك قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: ٤٠]. • رابعا: قسوة قلوبهم، كما أخبر الله عنهم في قوله: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: ١٦]. • خامسا: نقضهم الميثاق، والعهد الذي أخذه الله عليهم، قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة: ١٣]. إذاعة البيان - مقتطف من سلسلة "الطواغيت ومشايخ السوء".

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً