رحيل وجوه النظام الكئيبة أصبح ضرورة

منذ 2011-02-23

النظم القمعية المستبدة في العالم الثالث ، مثل نظام مبارك ، كانت تقوم على دعامتين أساسيتين، وهما : الأمن والإعلام ، فهو يوظف الأمن في إحكام السيطرة وإرهاب المعارضين لفساده، والإعلام يمارس القمع الفكري والتزوير والتستر على الفساد...


الملايين التي ثارت على مبارك ونظامه وطالبت برحيله ، لم تقم بتلك التضحيات وذلك الجهاد الكبير من أجل شخص مبارك كإنسان ، أو لأن دمه ثقيل مثلا ، وإنما لأن "نظامه فاسد" ، وأن هذا النظام الفاسد ورث مصر الفقر والتخلف والإهانة على المستوى الاقتصادي ، إضافة إلى مستويات من الفساد تحولت البلاد معها إلى "مافيا" ، إضافة إلى الإذلال والاستباحة والقمع بأجهزته الأمنية والإعلامية ، وبالتالي فإن مطالب الثورة ، بدون أن يشرحها شارح ، هي تغيير هذا النظام ، وليس فقط إبعاد مبارك عن رئاسة الجمهورية ، صحيح أن إسقاطه من "عرش" رئاسة الدولة يمثل زلزالا يسهل اقتلاع كل تشعبات نظامه الفاسد ، إلا أن إحساس الناس بالتغيير وثمار ثورتهم في الواقع يقتضي أن يكون هناك تغيير حقيقي وملموس في الوجوه التي مثلت أقطاب ذلك النظام .

والحقيقة أن النظم القمعية المستبدة في العالم الثالث ، مثل نظام مبارك ، كانت تقوم على دعامتين أساسيتين ، وكل ما عداهما هوامش ، وهما : الأمن والإعلام ، فهو يوظف الأمن في إحكام السيطرة وإرهاب المعارضين لفساده وفساد نظامه والتنكيل بمن يزعجه ، والإعلام يمارس القمع الفكري والتزوير والتستر على الفساد بل والتسويق لهذا الفساد بوصفه أزهى عصور الديمقراطية والنهضة والحرية ، وبالتالي يكون من البديهي عند الإطاحة بالديكتاتور أن تتم الإطاحة برموز القمع في تلك المؤسسات ، أما أن يظل تلك الوجوه الكئيبة متوسدة لقيادة المؤسسات الإعلامية والأمنية ، فهذا يعطي انطباعا للناس بأن الفساد ما زال باقيا ، والقمع ما زال محكما سيطرته على البلاد .

لا أفهم معنى لأن يبقى على قيادة المؤسسات الصحفية القومية مثلا تلك الوجوه الكئيبة التي ظلت تسبح بحمد الديكتاتور وزوجته وأبناءه لسنوات طويلة ، أو تسبح بحمد أحمد عز وعصابته ، وتشوه كل طاقة وطنية تحاول ممارسة حقها الوطني في معارضة سياسات الفساد والقمع والإذلال ، إن هؤلاء الأشخاص هم رجال النظام السابق بامتياز ، وهم كهنته ويده التي كان يبطش بها ، وساحته التي كان يزور بها الحقيقة ويضلل بها الناس ويحمي بها مؤسسة الفساد التي نهبت مصر وأفقرت شعبها على مدار ثلاثين عاما ، فما معنى أن يبقى هؤلاء على رأس المؤسسات الصحفية الرسمية في عهدها الجديد بعد الثورة ، هل خربت مصر أو عقمت عن أن يكون فيها صحفيون شرفاء يديرون تلك المؤسسات وفق رؤية عصر جديد وروح جديدة وأخلاقيات يحترمها الملايين ، إن هؤلاء جميعا وبلا استثناء ، لا يملكون أي مهارة استثنائية ، بل أجمع أهل المهنة على أنهم أسقطوا الصحف التي توسدوا أمرها وأضعفوها مهنيا وتراجعت أرقام التوزيع ، وتراكمت الخسائر والديون ، دون أن يعنيهم تلك الخسائر في شيء لأنهم ينفقون من المال العام وليس من جيوب أهلهم ، فلو كانوا عباقرة لتم عزلهم لثبوت تورطهم المشين في التستر على الفساد ودعم الاستبداد والترويج للقمع ، فكيف وهم لا يملكون أي كفاءة استثنائية ، ومؤسساتهم القومية تملك كوادر محترمة جدا ، وفقط تحتاج إلى أن تأخذ حقها في النهوض بمؤسساتها بعيدا عن النفاق والتزوير وحمل المباخر .

والأمر نفسه يمكن قوله في قيادة تليفزيون الدولة الذي مارس نفس الدور ، والوجوه الكئيبة التي قادت عمليات التزوير والتضليل والتستر على الفساد ، والتي وظفت إمكانيات الدولة وأهدرت ملياراتها لخدمة وتلميع الديكتاتور وأسرته والتمهيد لوراثة نجله ملك مصر ، ما معنى أن تظل نفس الوجوه الكئيبة تطل علينا وكأنها تخرج لسانها للملايين وتقول أننا باقون ، وعلى قلوبكم .

والحقيقة أن المؤسسة الإعلامية الرسمية بالكامل ، بشقيها الصحفي والتليفزيوني ، تحتاج إلى مراجعة شاملة لوضعها ضمن مؤسسات الدولة ولوجودها من حيث الأصل ، ووزارة الإعلام نفسها لم يعد لها أي مكان في مجتمع ديمقراطي سيتم تداول السلطة فيه سلميا بين قوى وتيارات سياسية وفكرية متباينة ، لأني لا أتصور أن يكون وزير الإعلام المصري المسؤول الأول عن التليفزيون الرسمي عضوا في حزب سياسي أو جماعة دينية مثلا إذا حدث وفازوا في الانتخابات وشكلوا الحكومة ، ولو أحسنا الصنع لعرضنا القنوات التليفزيونية الرسمية للبيع ، توفيرا لأحد عشر مليار جنيه سنويا خسائر تضيع في هذا الهراء الذي يقدمونه ، لو أقمنا بها مستشفيات أو مدارس لحققنا طفرة تنموية وعلمية وصحية ، ويمكن الإبقاء على قناة واحدة رسمية ، أشبه بالجريدة الرسمية ، ويكون لها استقلاليتها عن السلطة التنفيذية أيا كانت ، ويمكن أن تكون تابعة للبرلمان إشرافا وتمويلا ، الناس تريد أن تشعر بأن هناك تغييرا ، وبقاء نفس وجوه النظام السابق الكريهة والمستفزة يثير غضب الناس بكل تأكيد.


18-02-2011 م

 

المصدر: جمال سلطان - جريدة المصريين
  • 0
  • 0
  • 2,748

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً