تعريف الإمامة : بين السنة و الشيعة
لكن القضية شغلت ولا زالت تشغل حيزاً كبيراً لدى الشِّيَعة على وجه العموم، وعند الشِّيَعة الإِمَامِيَّة الاثني عشرية على وجه الخصوص، فهي الأساس عندهم، وعليها تقوم بقية العقائد، ومن الواجب على كل شيعي الإيمان بإمامة اثني عشر إماماً في مقدمتهم سيدنا عليّ رضي الله عنه وآخرهم محمد بن الحسن العسكري.
إنَّ الإمامة قضية من أهمّ وأعظم القضايا التي دار حولها الجدل والخلاف بين المسلمين ومن أول لحظة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، حين اختلف صحابة رسول الله فيمن يخلف النبي صلى الله عليه وسلم سواء كان من قريش أم من الأنصار، ورأى بعض الصحابة رضي الله عنهم أن تكون الخلافة في أهل البيت، وحسمت الخلافة بالبيعة لسيدنا أبي بكر رضي الله عنه واجتمعوا عليه ومن بعده عمر ثم عثمان ثم عليّ رضي الله عنهم، وانتهي الأمر بالنسبة لأهل السنة.
لكن القضية شغلت ولا زالت تشغل حيزاً كبيراً لدى الشِّيَعة على وجه العموم، وعند الشِّيَعة الإِمَامِيَّة الاثني عشرية على وجه الخصوص، فهي الأساس عندهم، وعليها تقوم بقية العقائد، ومن الواجب على كل شيعي الإيمان بإمامة اثني عشر إماماً في مقدمتهم سيدنا عليّ رضي الله عنه وآخرهم محمد بن الحسن العسكري.
التعريف بالإمامة[1]:
لغة: جاء في كتب اللغة ما يدل على معنى الإمامة، وفيه:"الأَمّ، بالفتح: القصد، أمه يؤمه أماً إذا قصده، ويممته: قصدته، وتيممته: قصدته، ويحتمل أن يكون الأم أقيم مقام المأموم، أي هو على طريق ينبغي أن يقصد"[2]، فالواضح عند أهل اللغة أن كلمة الأم تدور حول القصد والتوجه.
اصطلاحاً: عندما تَعَرَّضَ أهلُ السُّنَّة لتعريف الإمامة في الاصطلاح، فكانت ثمة تعريفات، منها عرفها به صاحب الأحكام السلطانية، فقال: "الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به"[3]، ولإمام الحرمين–الجويني- تعريف يقول فيه: "الإمامة رياسة تامة، وزعامة تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا"[4].
يتضح من هذين التعريفين أن الإمامة عند أهل السنة ليست ركناً في الدين ولا أصلاً من أصوله، وإنما وضعت لرجل يخلف النبي ويحرس الدنيا بالدين.
أما تعريف الإمامة عند الشِّيَعة[5]، فقد قال صاحب كتاب (الإمامة): "الإمام في حقيقته هو تعبير عن مرجع متخصص في أمور الدين، وهو خبير حقيقي به بحيث لا يداخل معرفته الخطأ ولا يلابسها الاشتباه"[6].
وتعريف آخر يبرز أهمية الإمامة لدى الشِّيَعة، وفيه يقول: "نعتقد أن الإمامة أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها، ولا يجوز فيها تقليد الآباء والأهل والمربين مهما عظموا وكبروا، بل يجب النظر فيها كما يجب النظر في التوحيد والنبوة"[7].
وكما ذكر مُطَهَّرِي[8] قائلاً:"عندما نريد نحن الشِّيَعة أن نعد أصول الدين انطلاقاً من رؤيتنا
المذهبية، نقول: إنها التوحيد والنبوة والعدل والإمامة والمعاد، إي إننا ندخل الإمامة في نطاق أصول الدين"[9].
فالإمامة عند الشِّيَعة كما هو واضح في التعريفات السالفة أصل في الدين، والإمام يجب أن يكون متخصصاً في أمور الدين بل يكون معصوم لا يخطأ، بل جعلوها في منزلة التوحيد والنبوة.
وبالنظر إلى كتب القوم –المَهْدِيّين –أو –أتباع اليماني- نستطيع الوقوف على عقيدة الإمامة عندهم، وكيف نظروا إليها، وهل تختلف عن الإمامة عند الاثنا عشرية أم تتفق معها ؟ فعقيدة الإمامة من الأصول التي اعتمدت عليها كل فرق الشِّيَعة، وأصبحت عندهم محوراً أساسياً أصيلاً من أصول الدين.
-----------------
[1] لمزيد من البيان والتفصيل حول تعريف الإمامة عند أهل السنة، انظر: المواقف، لعضد الدين الإيجي، المُتَوَفَّى عام 756ه، تحقيق: عبدالرحمن عميرة، ج3/547، ط1/1417ه = 1997م، دار الجيل، بيروت-لبنان، وانظر: مقدمة ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون أبو زيد، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي، ص239، تحقيق: خليل شحادة، ط2/1408ه = 1988م، دار الفكر، بيروت، وانظر: نظرية الإمامة لدى الشِّيَعة الاثني عشرية، الدكتور أحمد محمود صبحي، ص19، تاريخ الطبعة: 1411ه = 1991م، بدون رقم، دار النهضة العربية، بيروت-لبنان.
[2] انظر: لسان العرب، لابن منظور، باب الهمزة، مادة (أمم)، ص132، تحقيق نخبة من العاملين بدار المعارف، وهم: عبدالله علي الكبير، محمد أحمد حسب الله، هاشم محمد الشاذلي، دار المعارف، كورنيش النيل، القاهرة-مصر.
[3] الأحكام السلطانية والولايات الدينية، لأبي الحسن الماوردي، تحقيق: الدكتور أحمد مبارك البغدادي، ص3، ط1/ 1409ه = 1989م، مكتبة دار ابن قتيبة، الكويت.
[4] غياث الأمم في التياث الظلم، لإمام الحرمين أبي المعالي الجويني، تحقيق: الدكتور مصطفى حلمي، الدكتور فؤاد عبدالمنعم أحمد، ص15، يُنشر لأول مرة عن أربعة مخطوطات، دار الدعوة بالأسكندرية- مصر.
[5] للمزيد عن التعريف بالإمامة عند الاثني عشرية، انظر: مع الشِّيَعة الإمامية في عقائدهم، جعفر السبحاني ص54، ط1/ 1413ه، نشر معاونية شؤون التعليم والبحوث الإسلامية، وانظر: الإمامة حتى ولاية الفقيه، عبدالحسين محمد علي بقّال ص33، ط1/1402ه، إصدار وزارة الإرشاد الإسلامي، قم-إيران. وانظر: الإمامة في جذورها القرآنية، عبدالله دشتي ص15، الطبعة الأولى سنة 1423ه، 2002م، الكويت، وانظر: تاريخ العقائد الشيعية وفرقها، الميرزا فضل الله بن الميرزا نصر الله، المعروف بشيخ الإسلام الزنجاني، تقديم وتحقيق: غلام علي غلام علي نور اليعقوبي، ص133، ط1/1428ه، مؤسسة الطبع والنشر التابعة للآستانة الرضوية المقدسة، إيران، وانظر: المهدي المنتظر عند الشِّيَعة الاثني عشرية، ص13.
[6] الإمامة، مرتضى المطهري، ترجمة: جواد علي كسار، ص99، دار الحوراء للطباعة والنشر والتوزيع.
[7] عقائد الإِمَامِيَّة، لمحمد رضا المظفر، ص73، تاريخ الطبعة:1422ه بدون رقم، مركز الأبحاث العقائدية بإيران.
[8] هو: مرتضى مطهري بن محمد حسين، ولد سنة 1338ه ، واغتيل سنة 1399ه، في طهران، درس على والده في مدينة مشهد، ثم انتقل إلى قم حيث أنهى دراسته في الفقه والأصول والفلسفة والمنطق، وبعد ذلك سكن طهران وتولى تدريس الفلسفة في جامعتها. انظر: مستدركات أعيان الشِّيَعة، المجلد الثامن، ص221 (بتصرف).
(2) الإمامة، لمرتضى المطهري، ص37 (مرجع سابق).
- التصنيف: