المطالبة بفصل الحزبى عن الدعوى
من رأى منا المشاركة في العمل الحزبي فليكن هذا هو سلوكه وهدفه وغايته، سياسة شرعية وليست ميكيافيللية، يعلم ان الدعوة هي الاصل والحزب هو الفرع...
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد...
فمن جملة تداعيات الأحداث المتسارعة التي تمر بأمتنا ارتفاع الأصوات المطالبة بفصل العمل الحزبي عن العمل الدعوى، وخصوصا في الأوساط الإسلامية - سلفية وإخوانية - هذا الفصل يصل عند البعض إلى قطع الصلة بينهما-إداريا وماديا وسياسيا بل حتى وشرعيا!!!!!!!
ويبررون ذلك بعدة تبريرات، فانجرار الأذى والتسلط تعدى الأحزاب الإسلامية إلى دعواتها وجماعاتها، والإحساس بالفشل والإخفاق والتردي انسحب من الحزب إلى الدعوة والجماعة، وكأننا أمام حالة انسيابية تحكى لنا نظرية الأواني المستطرقة، فإذا وقع الحزب في خطأ أو قصور تحملته الدعوة والجماعة، ومن المعلوم أن الجماعة أكبر من الحزب، والكوادر والأعضاء في الأحزاب الإسلامية إنما خرجوا من رحم الدعوة، وكلهم تقريبا أعضاء في جماعتها أو على الأقل عندهم الرضى بمبادئ الحزب وقناعاته التي ترتضيها الجماعة في الجملة، فإذا أضفنا السيف المسلط بحل الأحزاب على أساس ديني وحل بعض الجماعات بالفعل وتبرير ذلك بمخالفة قانون البلاد، علمنا لماذا تشتد المطالبة بفصل العمل الحزبى عن الدعوى، مع التأكيد على أن الحزب مرجعيته دينية، وأنه سيكون أشبه بالمؤسسات والكيانات الدعوية الموجودة داخل الجماعة مثل المؤسسة الطبية والاقتصادية والرياضية............. وأنهم لا يقرون فصل الدين عن السياسة، فهذا يساوى خسران كثير من أتباع الدعوة، بل خسران الدنيا والآخرة، ففصل الدين عن السياسة أقصر طريق إلى الكفر، ولا يصح عند الأحزاب الإسلامية في الجملة القول بفصل الدين عن الدولة، أو دع ما لقيصر لقيصر، أو الدين لله والوطن للجميع.
ولقد رأينا في الغرب أحزابا مسيحية وحتى الأحزاب اليمينية واليسارية فهي أحزاب قائمة على الدين عند أهلها، نعم الإسلام هو دين الحق وما عداه أديان باطلة، ولكنه التناقض وسياسة الكيل بمكيالين، فكثير من المسائل هي حلال لهم حرام على غيرهم، ورغم أن الأحزاب بدعة استعمارية في أصلها لا تتناسب خصوصا مع أمتنا الإسلامية، فهي تقطع ما أمر الله به أن يوصل وتعمق الخلاف والخصومة بين المسلمين، فبعد القوميات والوطنيات انتقلنا إلى الحزبيات، بل صار كل واحد منا أشبه بجزيرة مستقلة وكيان قائم بذاته تحرك الجبل ولا تستطيع تحريكه، فنعرة الأنا والانفرادية قد سيطرت على الكثيرين من الرجال والنساء والكبار والصغار، كل حزب له برنامج وأهداف يسعى لتحقيقها ويصرح الجميع بأن هدفهم الوصول للحكم!!!.
والأحزاب متفاوتة في الوطن الواحد: فهذا شيوعي وهذا ليبرالي والثالث علماني والرابع إسلامي..... ولن تعدم في دائرة الإسلاميين أن تجد الجهادي والسلفي والإخواني والصوفي والشيعي....... وكلهم يحب الوطن ويسعى لمصلحته!!!
لا تدرى كيف!
وما احتج صاحب بدعة على بدعته بدليل إلا وكان في الدليل ما يرد عليه ويدحض بدعته، فالميكيافيللية ظاهرة عند معظمهم والغاية تبرر الوسائل المنحرفة، وكثيرا منهم يدعى وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك.
لقد ازدادت بهم الدنيا انحرافا واعوجاجا وشرا وفسادا، فنحن قوم نريد أن نُحكم بالإسلام ونرضى بذلك حتى لو قام به عبد حبشي، ونرفض الشيوعية والليبرالية والعلمانية والديمقراطية............. وكل ما يخالف كتاب ربنا وسنة نبينا فنحن نرفضه بدر منا أو من غيرنا، نرفض منهج الخوارج والشيعة والمعتزلة والصوفية، وليس معنى حرية الرأي والتعبير إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، أو الترويج للكفر والضلال، فالحكم موضوع في الأمة الإسلامية لإقامة الدين وسياسة الدنيا به، والنصيحة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وإقامة الدول ومبدأ الحرية وانشاء المؤسسات والكيانات....كل ذلك على أساس من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
نريد إقامة واجب العبودية الذى خلقنا لأجله وبه وحده سعادة الدارين.
هدفنا ليس الوصول للحكم وإنما مرضاة الله، وما الحكم إلا وسيلة لنيل ذلك.
ونحن قبل التمكين وبعد التمكين عباد لله، ننصبغ بصبغة الإسلام في العسر واليسر والمنشط والمكره، نسعى لتحقيق الأخوة الإيمانية والوحدة الإسلامية ونستعصى على سياسات فرق تسد وعلى النعرات الحزبية المقيتة.
ومن رأى منا المشاركة في العمل الحزبي فليكن هذا هو سلوكه وهدفه وغايته، سياسة شرعية وليست ميكيافيللية، يعلم ان الدعوة هي الاصل والحزب هو الفرع، فلا يصح أن يجور أو يتعدى و يطمس الفرع أصله و إلا صار عديم الأصل.
الدعوة ماء يتعاطاه كل أحد، و منه كان كل شيء حي، أما العمل الحزبي فشراب قد يروق لهذا أو لذاك، فالحذر كل الحذر من أن تصبح المصلحة المتوهمة والمعلومات المشبوهة و المواءمات السياسية الميكيافيلليه منهج مسخ الدعوة و اضاعة قيمتها و هيبة رموزها، وقديما قالوا مصلحة الدعوة صنم يعبده بعض الدعاة الي الله، فما هي الا اهواء ضاله مضله، وصورة لتحليل الحرام و تحريم الحلال.
فالحذر كل الحذر من أن يصبح المتحدث الرسمي للحزب هو الموجه الفعلي للدعوة وشيوخها و علمائها، فليس من المؤسسية أن يعبر عن نفسه أو عن فرد في الدعوة، وليس من العمل الجماعي أن تفقه و تحب وتكره و تنظر بعين المتحدث الرسمي و تسمع بأذنه، فهذا خلط واضاعه لمبادئ الدعوة ذاتها، و أمر يتعارض مع قوله تعالي (كل امرئ بما كسب رهين)، ليس هو ولي الامر الذي تسمع و تطيع له فكيف اذا انفرد و خالف الحق!!!
عودوا الى مساجدكم يرحمكم الله، ركزوا على مسائل العقيدة و قضايا الايمان، اهتموا بمنهجكم الكتاب والسنة بفهم سلف الامه و أئمة الدين العدول، طالبوا بتحكيم شرع الله في جميع نواحي الحياة، من مارس منكم السياسة فليكن على علم بالشرع و الواقع بحيث يكثر الخير و الصلاح و يقلل الشر و الفساد، سياسة شرعية لا حزبية ميكيافيللية.
نريد متابعة العلم بالعمل و تربية الكبار و الصغار و تعاهد الرجال والنساء حتى تتواصل الأجيال، انت بإخوانك كثير و بنفسك قليل حتى و ان كنت عبقرياً تأبى الرماح اذا اجتمعن تكسراً و اذا افترقن تكسرت احادا وانما يأكل الذئب من الغنم القاصية، كونوا يداً واحدة على عدو الله و عدونا، مهامكم كبيرة، و التحديات كثيرة، فكونوا عباد الله اخوانا، وارتفعوا إلي مستوى اسلامكم، فالأمر ان لم يكن بكم فبغيركم {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38] واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.