حفاظ عمر بن عبدالعزيز على أموال المسلمين
كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه شديد الحساسية والورع نحو كل ذرة تخص المسلمين.
أموال المسلمين بصفة عامة أمانة في أعناق من يستأمنهم الله عليها.
وقد كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه شديد الحساسية والورع نحو كل ذرة تخص المسلمين، ولو سار كل راع على نفس وتيرة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في الحفاظ على أموال المسلمين سينصلح بإذن الله حال الأمة الإسلامية وسيعمها الرخاء والازدهار بإذن ربها.
وعن هذا الأساس العقدي في الحساسية والورع نحو أموال المسلمين عند عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقول الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني، سمعت جدي: أبا شعيب عبد الله بن مسلم، عن أبيه قال دخلت على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وعنده كاتب يكتب قال: وشمعة تزدهر، وهو ينظر في أمور المسلمين، قال: فخرج الرجل، فأطفئت الشمعة وجيء بسراج إلى عمر فدنوت منه فرأيت عليه قميصاً فيه رقعة قد طيق ما بين كتفيه، قال فنظر في أمري".
وعن عمرو بن مهاجر أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كانت له الشمعة ما كان في حوائج المسلمين، فإذا فرغ من حوائجهم أطفأها، ثم أسرج عليه سراجه. وهكذا تحري حاكم المسلمين يمتد لضوء شمعة المسلمين، لأنه لو أشعلها في الحوائج الخاصة لن يجد الحجة التي سيواجه بها ربه إذا سأله عنها يوم الحساب يوم لا ينفع مال ولا بنون.
وأمر الشمعة ليس منفرداً فقد كان الورع في أموال المسلمين أساس عند عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وديدن لكل تصرفاته، وعلى قدر سخاؤه وكرمه في أعطيته للمسلمين وأصحاب الحاجات كان حرصه على أموالهم، فعن يحيى بن أبي غنية عن حفص بن عمر بن أبي الزبير قال كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى أبي بكر بن حزم "أن أدق قلمك وقارب بين أسطرك فإني أكره أن أخرج من أموال المسلمين ما لا ينتفعون به". رحمك الله يا أمير المؤمنين.
وعلي الرغم من الاختيارات الدقيقة لعمال أمير المؤمنين المتحرى فيها الدين والأمانة، فإن ذلك لم يمنعه من اتهام أحدهم بالتقصير إذا ضاع شئ من أموال المسلمين خطأً، فعن يحي بن حسان عن نعيم بن ميسرة النحوي، عن عنبسة بن غصن قال: كان وهب بن منبه على بيت مال اليمن، قال: فكتب إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:" إني فقدت من بيت مال المسلمين ديناراً" قال: فكتب إليه:" إني لا أتهم دينك ولا أمانتك، ولكن اتهم تضييعك وتفريطك، وأنا حجيج المسلمين في أموالهم، ولأخسهم عليك أن تحلف. والسلام "
وهناك قصة حدثت في بيت عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه تضيف إلى ما سبق من علو حسه وورعه المرهف نحو أموال المسلمين؛ فعن رياح بن عبيدة قال: كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يعجبه أن يتأدم بالعسل فطلب من أهله يوماً عسلاً فلم يكن عنده، فأتوه بعد ذلك بعسل فأكل منه فأعجبه فقال لأهله: من أين لكم هذا قالت امرأته: بعثت مولاي بدينارين على بغل البريد فاشتراه لي من بعلبك، فقال: أقسمت عليك لما أتيتني به، فأتته بعكة فيها عسل، فباعها بثمن يزيد ورد عليها رأس المال، وألقى بقيته في بيت مال المسلمين وقال: نصبت دواب المسلمين في شهوة عمر".
وفي رواية أخري: "أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أمر الرجل الذي اشتراه بأن ينطلق بالعسل إلى السوق، وقال له بعه واردد إلينا رأس مالنا وانظر إلى الفضل واجعله في بيت مال المسلمين علف دواب البريد، ولو ينفع المسلمين قيئي لتقيأت".
الأولويات في الصدقات عند عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:
الأولويات واضحة في السياسة الاجتماعية لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فالأكباد الجائعة عنده مقدمة على أي شئ حتى البيت الحرام، فعن ميسر بن أبي الفرات، قال: كتبت الحجبة إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يأمر للبيت الحرام بكسوة كما كان يفعل من كان قبله، فكتب إليهم: إني رأيت أن أجعل ذلك في أكباد جائعة فإنه أولى بذلك من البيت" .
الهيثم زعفان
كاتب وباحث متخصص في القضايا الاجتماعية والاستراتيجية؛ رئيس مركز الاستقامة للدراسات الاستراتيجية، جمهورية مصر العربية.
- التصنيف: