الدلائل العشرة لنتيجة الاستفتاء المصري

منذ 2011-03-26

في دقائق قليلة أعلنت نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية، لكن تتابع رداتها الاهتزازية كشفت عن أكثر من دلالة وأوضحت العديد من المعاني والإشارات والدلالات...


في دقائق قليلة أعلنت نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية، لكن تتابع رداتها الاهتزازية كشفت عن أكثر من دلالة وأوضحت العديد من المعاني والإشارات والدلالات، أوجزها فيما يلي:

- أولاً: مثلما كان الإعلام الاستبدادي السابق يغرد خارج السرب الشعبي؛ فإن وريثه الحالي، وإن حاول أن يرتدي مسوح الحرية العمياء، إلا أنه برهن بجلاء على محدودية تعبيره عن تلك الجماهير التي يخاطبها، وبدا أكثر تعبيراً عن الجهات الممولة له ورجال الأعمال وغيرهم ممن يخاصمون أفكار وأحلام القطاعات العريضة من تلك الشعوب. وقد أفسح معظم هذا الإعلام برعونته الطريق أمام إعلام يطل ناشئاً سيبدو أكثر تعبيراً عن هذا الشعب وسيحظى حينئذ بأعلى نسب المشاهدة حالما يجسد الصورة الواقعية التي يريدها هذا الشعب العظيم.


- ثانياً: سقط العديد من مرشحي الرئاسة في مصر بأول اختبار لهم حين انحشروا جميعاً في زمرة الأقلية التي لا تمثل الرأي العام من الشعب المصري، فاصطفوا كلهم في ناحية تجمع خُمس الشعب، فهنيئاً لهم 22% يتقاسمون حظهم منها فيما بينهم. والآن يتبقى وقت قصير حتى إجراء الانتخابات الرئاسية ليحدد كل منهم مدى انحيازه إلى تطلعات الجماهير وخياراتهم الأصيلة.


- ثالثاً: ما يسري على المرشحين للرئاسة ينسحب بدوره على الأحزاب والقوى التي تنوع من أسمائها ولافتاتها لكنها في النهاية تستنسخ ذاتها ومواقفها، وتضع البيض كله في سلة خاسرة، يخفق راسمو سياساتها في قراءة الجماهير بشكل جيد، والتعرف إلى واقعيتها وبساطتها الفطرية الصائبة، وما يقال عن تلك القوى، يشمل رموزها ونخبتها الفكرية التي آلت على نفسها العزلة، والحياة السياسية المخملية التي تخفق -مثلما فشلت ماري أنطوانيت يوماً- في الاقتراب من أحلام الشعب بطبقاته الدنيا والمتوسطة، والمثقفة تحديداً بشكل مستقل.


- رابعاً: الحملة التي أطلقت ضد الإخوان والسلفيين في كل وسائل الإعلام المصرية على اختلاف تنوعاتها الظاهرية، نجحت كثيراً في نقلهم إلى صدارة المشهد على نحو لم يكونوا هم ذاتهم يحلمون به؛ والمفارقة أن الجهد الذي بذله هؤلاء من أجل الدعاية لـ: "نعم" لم تتمكن من بلوغ أهدافها إلا حالما روجها المتشنجون والإعلام المرئي واسع الانتشار عبر الهجوم عليها!! على هاتين الجماعتين واجب الشكر للمتشنجين وإعلامهم الصارخ لأنهم وفروا أكبر دعاية لهم لم يكونوا يتطلعون إليها!! إلى الحد الذي جعل النخبة العصبية وإعلامها يحشر ذاته في زاوية ضيقة مدلولها، إما أن الشعب المصري قد صار سلفياً وإخوانياً فقال نعم كله، أو أن هؤلاء يتمتعون بشعبية كاسحة تمكنهم من تعبئة الجماهير بلحظة واحدة وبدون إعلام ولا إعلان "لأ" سواء أكان شادي أم سادي.


- خامساً: كان من حسنات الاستفتاء أنه قد كشف وجوهاً قد كانت تخبئها المعارضة الصاخبة لنظام مبارك، رفضاً ظاهرياً لاستبداده؛ فيما بان أنها الأكثر استبداداً وضيقاً بالرأي الآخر وتسفيها له، بل وافتئاتاً على الشعب المصري كله بأنه مجرد قطيع من الأغنام يسوقها: "الإسلاميون" بعصاهم وخطبهم ومنشوراتهم.. وبدا أن مدحهم لهذه الملايين التي خرجت تتنسم الحرية وتفضل أريجها على الحياة ذاتها ودفعت أرواحها لأجلها، ولإطاحة الطغاة الذين يصادرون رأيها، لم يكن إلا نفاقاً لهذه الجماهير وتزلفاً لها لكي يرتقي هؤلاء على أكتافها فيما لا يحملون في دواخلهم التي فضحها الاستفتاء إلا كل تحقير وتهوين من قيمة هذا الشعب ووعيه وقدرته على تمحيص العملة الرديئة من الجيدة. الشعب القاصر السفيه الذي لا يستحق أن يضع بطاقته بنفسه في نظر هؤلاء، لم ينضج بعد ولم يزل بحاجة إلى شهور وربما سنين ليتم فطامه الديمقراطي. لا فرق إذن بين حديث عمر سليمان ونظيف من قبل عن عدم نضج الشعب المصري لتقبل الديمقراطية، وحديث: "النخبة" غير الواعية اليوم.


- سادساً: سياسة الكيل بمكيالين التي يتبعها كثير من "النخبة المثقفة" التي تدور بانتظام على الفضائيات والتي تغص بكتاباتها الصحف: "المستقلة" دفعتهم إلى تصيد أي خلل وقع فيه بعض المنتسبين التيارات الدينية وتصويره على أنه الأصل في سياستها ومواقفها، وتجاهل معظم أدبياتها المنشورة، والتي لا يمكن تصوير ما وقع فيه واعظ شعبي أسرف في تعبيراته وخطابه الحماسي غير المقبول مطلقاً على أنه توجه سائد لدى التيارات الدينية عموماً بما ينسف أصول الإعلام وقواعده المهنية المثلى.

إن الذين التمسوا حسن النية وسوء التعبير لدى فقيه دستوري خانته عباراته، وهو الجدير بقياسها بميزان الذهب والتعامل مع الألفاظ بدقة بالغة بحكم مهنته وخبرته وتاريخه الكبير، ورفضوا أن يحملوا الحكومة جميعها ما قاله، معنيون بأن يضعوا كل الأمور لدى كل الأطراف في حجمها الحقيقي؛ فلا الواعظ صاحب: "غزوة الصناديق" هذا من لاعبي السياسة المحترفين، ولا هو من صناعها، ولن يكون ممثلاً لقطاعات عريضة من السلفيين التي بدأ بعضهم الآن شن حملة عليه عبر صفحات الفيس بوك والمنتديات. وازدواجية المعايير التي يقيس بها هؤلاء حرية الرأي (وكلاهما: "أدخل الدين في السياسة" كما يقولون)، تجعلهم متشددين هنا، متسامحين هناك، خلافاً لما يبشرون به من مبادئ.

دعونا نستمع، ويصحح الخيار الشعبي والسياق العام الطريق ويتجاوز التطرف والغلو في اليمين واليسار بنفسه دون اصطياد في المياه العكرة؛ فلدى كل تيار من يشذون فيه عن سياقه العام، وفي كل طيف متطرفوه أو مغالوه، وإذا سحبنا مواقف هؤلاء على الجميع لصادرنا حقوق كل تيار وكل قوى سياسية بسبب عبارة غير مسؤولة هنا أو هناك.


- سابعاً: المكارثية التي يمارسها البعض من الضيوف الدائمين في الفضائيات على خصومهم في وقت تشير الأرقام إلى محدودية شعبيتهم وقبولهم الجماهيري، وهم (الضيوف) بعدُ في موقع المعارضة يثير المخاوف حقيقة عما ستؤول إليه الأمور إذا ما تمكن هؤلاء من الوصول إلى مناصب رسمية في الدولة يكون بوسعهم من خلالها إقصاء الآخرين، هذه المخاوف أصبحت لها مبرراتها الموضوعية بعد أن سل هؤلاء رصاص نقدهم الحي على الآخرين في حملة لم يسبق لها مثيل حتى في ظل حكم الطاغية مبارك، وإقصائهم الواضح لمخالفيهم في كثير من الندوات وحلقات النقاش، والتي كشف عن بعضها القيادي بحزب الوسط، عصام سلطان، فنحن نريد مصر الثورة زاخرة بالآراء المتنوعة، تخالف ولا تصادر، يمارس إعلامها دوره الوطني والمهني بأمانة، ويقف عند هذا الحد ليترك الجماهير بوعيها الذي جسدته الثورة تختار دون إملاء يتجاوز حدود الدعاية المشروعة.


- ثامناً: مثلما كشفت الثورة بملايينها المتظاهرة في كل ربوع مصر عن روح جديدة سرت في شعبها؛ فإن هذه الكثافة التي أظهرتها صور وإحصاءات عملية الاستفتاء أوضحت أن السلبية التي كان الشعب يعير بها نفسه قد تلاشت إلى حد بعيد، والذين وقفوا أمام طوابير الصناديق بالساعات في كثير من الدوائر ذات الإقبال العالي، هم أنفسهم الذين ضنوا بدقيقة يبذلونها لانتخابات البرلمان المزور السابق وأشباهه، وهو ما يعني أن المسألة تتعلق بالمناخ أكثر مما تتعلق بسلوك أصيل، وهو أنفسهم أيضاً الذين لم ينساقوا لحملة إعلامية منظمة أرادت أن تجيرهم باتجاه يريده مطلقوها، بما ينزع عنهم شبهة التبعية، إذ جسدوا بوضوح مقولة: "الجماهير تسبق النخبة".


- تاسعاً: دل الاستفتاء على رفع سقف احتمال أن تكون أي حكومة منتخبة قادمة ذات تمثيل شعبي جارف، وشعبية واسعة بالنظر إلى هذا العدد الهائل من الناخبين الذين تقاطروا على الدوائر الانتخابية للإدلاء بأصواتهم، وهو ما يعني أن أي نظام قادم إذا ما سارت الأمور في مجراها الطبيعي، لابد أن يتصالح مع طموحات هذا الشعب سواء منها ما يتعلق بالداخل أم بالخارج.


- عاشراً: لم تنظر "إسرائيل" للاستفتاء المصري بارتياح عبر عنه إعلامها الذي رفض: "نعم" بكل صراحة معتبراً إياها أنها تخدم الإخوان، وبالمثل عدد من الوكالات كرويتر وغيرها التي سوقت لـ: "لا" عبر التأكيد على انفراد الإخوان دون جميع القوى السياسية بـ: "نعم".. لا يعنينا كثيراً ما إذا كان الصهاينة والأمريكان يؤيدون لا أو نعم، إنما دلالة التناول الإعلامي: "الإسرائيلي" يبرهن على أن هذا الكيان يشعر بأن السياسة الخارجية المصرية قد تكون تحررت نوعاً ما من محادثات ما وراء الكواليس والغرف المغلقة، وباتت العلاقات مع مصر رهينة على الأقل في بعض تفاصيلها بالسند الشعبي، والحاجة إلى بذل جهد مضاعف لإقناع بعض القوى السياسية بالحاجة إلى "تطبيع" العلاقات مع تل أبيب.. صحيح أننا لن نغرق في التفاؤل في هذا الصدد لاسيما مع وجود تحسن طفيف فقط في السياسة الخارجية المصرية، لكن ما بدا من التعاطي الإعلامي مع الاستفتاء المصري سواء داخل الكيان أو أوروبا أو الولايات المتحدة يؤشر إلى أن الاستفتاء المصري قد كان تحت المجهر وجرى تشريح نتائجه ودلالاته بدقة بالغة.

تلك عشرة، ودلالات الاستفتاء لا تتوقف عندها، وأكثر من طرف ربما أدرك أن زخم 25 يناير لم ينته بعد، وأن: "الثورة المضادة" تحتاج إلى جهد مضاعف لإعادة عقارب الساعة للخلف.
 

24-03-2011 م
 

المصدر: موقع المسلم
  • 0
  • 1
  • 3,290

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً