ثورة قرامطة البحرين ـ الإصدار الأخير
منذ 2011-04-07
على صانع القرار في البحرين الانتباه لخطورة المخطط الصفوي الإيراني الذي تجري فصوله علي أرض البحرين، لأنها مسألة مصير أكبر من كونها ثورة صغيرة في بلد صغير، فالبحرين في خطر حقيقي وانهيار السد البحريني سيعني في النهاية طوفان إيراني سيكتسح المنطقة كلها..
من أبجديات الثورات الناجحة أن تكون مطالبها عادلة ومحل اتفاق بين
جميع مكونات الشعب، بحيث يتسق المواطنون في أهداف واحدة ومحددة، لعل
هذا كان السبب وراء نجاح ثورتي تونس ومصر على التوالي، وعندما تنحرف
أجندة مطالب الثورة لتصبح أهداف فئوية وذات طابع خاص، أما طائفي أو
عرقي أو ديني، فإن الوطن عادة هو الضحية، وهو ما يجري الآن على أرض
البحرين من ثورة شيعة البحرين أو بالأدق قرامطة البحرين في ثوبها
الجديد .
ثورة طائفية بامتياز
هذا هو أدق وصف لما يجري الآن على أرض البحرين، إذ أن النفس
الطائفي في هذه الثورة قد أصبح مثالا للعيان، بحيث لا يختلف عليه
اثنان، حتى ممن كان يؤيد مطالب ثوار البحرين ويراها عادلة ومشروعة من
قبل ( مثل الدكتور طارق سويدان )، وإن كنا نؤيد الثورات العربية التي
قام بها الأحرار والشرفاء من أبناء مصر وتونس وليبيا ضد أنظمتهم
الديكتاتورية المستبدة، فإن الذي يجري الآن على أرض البحرين لا يمتد
من قريب أو بعيد لما جرى في مصر وتونس وليبيا، فهي ليس ثورة تحرير
وانتفاض على الظلم والاستبداد كما وصفها كتّاب إيران من جملة الأقلام
المأجورة والممولة إيرانيا، بل هي ثورة طائفية بامتياز الهدف منها نسف
الوطن وتذويبه ونقله بالكلية لصالح إيران، وبنظرة سريعة على الشعارات
التي رفعها المتظاهرون في دوار اللؤلؤة بالمنامة، يتضح لنا مدى صحة
ودقة هذا الوصف .
فعلى سبيل المثال وردت عدة شعارات دينية تتعلق بالمهدي لدى
المتظاهرين على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك والتويتر وفي
الأفلام المسجلة من موقع التظاهر وهي منشورة على اليوتيوب، وذلك مثل
قولهم : (يا صاحب الزمان العجل العجل، يا مولاي فقد طال الانتظار
..اظهر لتنصر الإسلام والمسلمين وتقضي على الظلم...)، ويقصدون بذلك
المهدي في عقيدتهم، وقول أحدهم ينادي المهدي : (مات التّصبّر بانتظارك
أيها المحيي للشريعة، إلى متى التّصبر وديننا هدمت قواعده الرفيعة، يا
رب عجل لوليك الفرج واجعلنا من أنصاره وأعوانه وانصر المؤمنين
والمؤمنات على الظالمين ) و في خلال الأيام الأولى بدأت معالم التظاهر
وطبيعته الطائفية تظهر بوضوح من خلال الشعارات التي رفعت، وبدأ الوجه
الطائفي يتجلى وذلك حينما أعلن المنظمون للتظاهرة أن اللبس الموحد لكل
المتظاهرين هو اللون الأسود، ومعروف لدى الجميع في البحرين أن لبس
السواد هو طقس شعائري يمارسه الشيعة في مآتمهم ولطمياتهم الجنائزية،
مع وضع عصابة على الرأس تحمل عبارة (يا حسين)، وكذلك رفعهم إلى جانب
أعلام البحرين الأعلام السوداء وهي أعلام لا ترفع إلا في مناسبتهم
الدينية.
وللأعلام السوداء هذه بعدٌ عقائديّ في التراث الشيعي فهي ترتبط بخروج أنصار المهدي من خراسان الذين يحملون رايات سوداء كما يقولون، ولهاجس فكرة المهدي في الذهنية الشيعية ارتباط وثيق في كل تحركاتهم ومن ضمنها التحرك السياسي فكل الأعمال والممارسات مصبوغة باللون الطائفي الشيعي عند رجل الشارع الشيعي العادي، فما بالك بالثوار والمتظاهرين ! .
أما في أدبيات الشيعة وعقائدهم، فإن البحرين تحتل مكانة بارزة في الإرث الطائفي للمعتقد الشيعي، ففي كتاب ( الجفر) المعظم عند الشيعة بكل طوائفها وفرقها الكثيرة، وهو كتاب ينسبه الرافضة زورا وكذبا لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه، ولا تكاد ترى منه نسخة تتطابق الأخرى، فهو يزاد فيه وينقص حسب الأهواء والحاجات المتجددة، نجد في هذا الكتاب المزور سياقات عديدة تخص البحرين منها : يا ويل لأهل البحرين من وقعات تترادف عليها من كل ناحية ومكان، فتؤخذ كبارها وتسبى صغارها، وفي هذا تهديد صريح وواضح لأهل البحرين بما سيقع لهم على يد ثوار الشيعة، لذلك فلا عجب أن نرى قرامطة البحرين يشتبكون مع أهل السنة بلا أدنى داعي في الجامعات والأماكن العامة ويعتدون حتى على النساء بصورة وحشية وغير مبررة، ولكنها الطائفية السوداء التي تعمي الأبصار وتغلق العقول.
لماذا الإصرار على استدعاء التاريخ ؟
وكما لا يمكننا أن نعزل ما يجري اليوم على أرض البحرين عن بعده
الطائفي، فإننا لا يمكننا أيضا أن نعزله عن سياقه التاريخي، فثمة مزج
متعمد بين الطرفين، وهذا المزج هو الذي أنتج لنا ثورة مطورة ونسخة
حديثة تمثل الإصدار الأخير لثورة قرامطة البحرين التي وقعت في نفس
المكان منذ أكثر من ألف ومائة سنة، وهذا المزج كان ظاهرا من أول يوم
لثورة قرامطة البحرين، فثمة استدعاء للتاريخ في شعارات هذه الثورة
الطائفية نقرأه على لافتة أحد الثوار القرامطة وعليها كتب :( يا علي
يا صاحب الزمان أدركنا بني أمية ذبحونا ) فما استدعاء ذكر بني أمية من
التاريخ في أحداث البحرين اليوم إلا استدعاء واستنفار للذاكرة الشيعية
المشحونة بكل قوة تجاه بني أمية الذين يمثلون رمزا للطغيان والمذابح
التي وقعت بحق آل البيت في اعتقاداتهم، ثم نقرأ شعار أشد منه إجراما
وخبثا، وفيه كتب أحد القرامطة المعاصرين : ( لعنة الله عليكم يا
صهاينة آل السقيفة ) وكما هو معلوم أن أل السقيفة هم خيار وكبار
الصحابة الذين اجتمعوا لاختيار خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
بعد موته، فانظر كيف ربط هؤلاء الأرذال الضّلال بين خير الناس وشرهم
وهم الصهاينة، في إشارة منهم لاستلابهم الأمر من آل البيت على حد
زعمهم، هذا الإصرار الشيعي من ثوار البحرين الطائفيين على استدعاء
التاريخ وربطه بالواقع يدفعنا للتنقيب في تاريخ البحرين لعلنا نخرج
بمسلمة تاريخية تفسر لنا كثير من الأحداث الدائرة علي أرض البحرين
والهدف الحقيقي منها.
قرامطة البحرين بين الماضي والحاضر
القرامطة حركة باطنية هدامة، اعتمدت التنظيم السري العسكري،
ظاهرها الرفض وباطنها الإلحاد والزندقة والإباحية، استغلت أحداث ثورة
الزنج في جنوبي العراق سنة 255 هـ للتمكين لنفسها في البحرين ( ولاحظ
تتطور ثورات شيعة البحرين بعد الغزو الأمريكي للعراق، وإقامة حكومة
شيعية موالية لإيران فيها )، من البحرين استطاع القرامطة أن ينتشروا
في ثلاث اتجاهات في العالم الإسلامي، في العراق، والشام، والبحرين،
وقد أبيدت القرامطة في العراق والشام، في حين استطاع القرامطة في
البحرين إقامة كيان قوي هدد العالم الإسلامي لفترة طويلة، وقد وصفهم
المؤرخون الشيعة ( الإسماعيلية تحديدا) مثل مصطفي غالب، وإسماعيل
الميرعلي بأنهم " رواد الإصلاح والتغيير الاجتماعي والاقتصادي في
العالم الإسلامي " وهو الوصف الذي يحب ثوار البحرين اليوم أن يطلقوه
على أنفسهم أنهم يبحثون عن العدالة الاجتماعية والتغيير السياسي،
فتأمل مدى الشبه بين اليوم والأمس.
القرامطة كانوا أكبر من مجرد حركة ثورية تريد نشر الانحلال
والإلحاد، فلقد كانت جزء من مخطط مدروس ومحكم بدقة من أجل نشر فوضى
اجتماعية وأخلاقية في العالم الإسلامي، والعجيب أن مؤسس فرقة القرامطة
في البحرين كان رجلا إيرانيا ولد في قلب الهضبة الإيرانية اسمه (أبي
سعيد الجنابي ) وكان رجلا ذكيا استفاد من طول إقامته بالبحرين في
توثيق علاقاته مع القبائل العربية هناك ( لا حظ ما فعله المرجع الشيعي
هادي المدرسي خلال أقامته بالبحرين بعد أن جاءها فارا من العراق سنة
1969، ورده لجميل الأسرة المالكة هناك والتي منحته الجنسية البحرينية
بمحاولة الانقلاب عليها سنة 1981)، استطاع أبو سعيد أن يشكل جيشا
حربيا من البدو، ومد سلطته إلي خارج البحرين حتى شملت الإحساء، وشكل
تهديد خطير للخلافة العباسية، وكان أبو سعيد يتمتع بإمكانات عسكرية
وإدارية كبيرة مكنته من توطيد نفوذه.
بعد وفاة أبي سعيد تولى مكانه ابنه أبو طاهر، وهو من أخطر
الشخصيات في تاريخ القرامطة، والمؤسس الحقيقي لدولة القرامطة التي
امتدت آثارهم حتى اليوم في البحرين والإحساء، وكان يهدم لهدم الإسلام
بالكلية وإزالة شعائره من الوجود، من أجل ذلك قاد حملة عسكرية سنة 317
هـ هجم بها على مكة يوم التروية وأحدث مجزرة بشعة قتل خلالها ثلاثين
ألفا من حجاج بيت الله، وردم بئر زمزم، وقلع الحجر الأسود من مكانه،
ونقله إلي بيت أعده في عاصمة دولته " هجر " ودعا الناس لزيارته
والطواف به، وظل ذلك الطاغية شوكة حادة في خاصرة العالم الإسلامي حتى
هلك .
القرامطة وإن كانوا قد انتهوا كدولة قائمة لها كيان عسكري واجتماعي وسياسي منتظم، وذلك في أواخر القرن الرابع الهجري، إلا أن الفكر و الإيدلوجية والمرجعية الثقافية والبنية العقائدية بكل ما تحمله من ضلالات وانحرافات ومخططات، ما زال موجودا ويسكن عقول الكثيرين من أبناء الطائفة الشيعية في هذه المنطقة تحديدا ( البحرين ـ الإحساء )، وهنا مكمن الخطر، فزوال الدول أهون بكثير من زوال الأفكار والعقائد التي عادة ما تستغرق قرونا حتى تندثر، فالعقائد والأفكار والمخططات تظل ساكنة في قلوب وعقول أصحابها حتى تحين اللحظة المناسبة لإنزالها لأرض الواقع أو للإعادة أمجاد الماضي، حتى ولو كان هذا الماضي بعيدا جدا لألف سنة و زيادة إلي الوراء .
من الولاء العقدي إلي الولاء السياسي
فالهدف الواضح لثورة قرامطة البحرين اليوم هو إحياء فكرة الدولة
الشيعية الكبرى التي بدأت كهلال شيعي يمتد من إيران إلي العراق وسوريا
ولبنان، وهو الهلال الذي أخذ في الاكتمال والوصول لمرحلة القمر ليلة
البدر، بفضل الدعم الإيراني الضخم لكافة الأقليات الشيعية في العالم
الإسلامي، ولكن على ما يبدو من تصاعد وتيرة الاحتجاجات وتنامي معدلات
العنف فيها أن قرامطة البحرين ينوون هذه المرة إشعال منطقة الخليج
كلها بحرب عارمة وفتن داخلية طاحنة يتحول خلالها كل شيعي في الخليج
لمشروع جاسوس لإيران، بحيث يتحول الولاء العقدي لإيران لولاء سياسي
أيضا، يعمل خلاله كل شيعي في البحرين خاصة والخليج عامة ضد المصالح
العليا لوطنه ودينه وهويته، لصالح أجندة إيرانية مفضوحة الأهداف
والنوايا .
فما الذي يدفع ثوار يطالبون بالعدالة الاجتماعية والمساواة والقضاء على البطالة والفساد، برفع شعارات تشتم العرب والعروبة، كأنها ليسوا من العروبة في شيء ؟ وفي الوقت نفسه وعلى نفس اللافتة ترفع عبارات تمجيد وإشادة بإيران مثل عبارة " لا للعربي الخوان تحيى تحى إيران "، ثم ما حاجة الثوار الذي يبحثون عن رقى بلادهم وتقدمهم وتخليصها من الظلم والاستبداد بزعمهم لئن يرفعوا أعلام إيران وأعلام حزب الله الشيعي اللبناني ؟ أليس هذا استعداء متعمد للنظام الحاكم لئن يبالغ في رد فعله وهو يرى بلاده تتعرض لعميلة استلاب منظمة تهدف تذويب هذا البلد لصالح دولة أخرى ؟!
لذلك أقول أن الثوار برفعهم لسقف المطالب ومجاهرتهم بولاية إيران ومساعدتها يريدون دخول أطراف أخرى في البحرين، وهو حدث مع دخول قوات دول التعاون الخليجي، مشّكلة في السعودية والإمارات، لأن هذا الدخول سيعطى المبررات لنشر حالة الفوضى العارمة ويفتح الطريق أمام كل الاحتمالات، ويجعل أمن الخليج كله في خطر، وهو عين ما تبحث عنه إيران في الوقت الحالي لرد على ثورات العرب في الشمال الأفريقي والتي بالنظر الدقيق تصب في غير صالح النفوذ الإيراني في المنطقة .
لذلك كان على صانع القرار في البحرين الانتباه لخطورة المخطط الصفوي الإيراني الذي تجري فصوله علي أرض البحرين، لأنها مسألة مصير أكبر من كونها ثورة صغيرة في بلد صغير، فالبحرين في خطر حقيقي وانهيار السد البحريني سيعني في النهاية طوفان إيراني سيكتسح المنطقة كلها، وإفشال ذلك المشروع الطائفي بات اليوم أمرا لا مناص منه، وعروبة واستقلال وسيادة وحرية الخليج العربي باتت مرتبطة جذريا اليوم بنتائج إدارة الصراع في البحرين، فأمن الخليج كله على المحك إذا لم يتم التعامل بقوة وحسم مع هؤلاء الثائرين، الذين يمثلون آخر إصدارات الفكر القرمطي الخبيث في بلاد الإسلام .
الخميس 17 مارس 2011 م
المصدر: موقع مفكرة الإسلام
- التصنيف:
طارق احمد زقزوق
منذ