ثورة المساجد
يوم أمس استبد الرعب بالطغاة في صنعاء ودمشق وطرابلس.. لأنه كان يوم الجمعة .. يوم المساجد في حشد الثوار..
يوم أمس استبد الرعب بالطغاة في صنعاء ودمشق وطرابلس.. لأنه كان يوم
الجمعة .. يوم المساجد في حشد الثوار.
في تونس ومصر ـ بعدهما ـ في اليمن وغيرها.. كان لا يُطلق شعار "يوم
الحسم" و"يوم الزحف".. "يوم الرحيل".. " يوم الصمود" إلا على يوم
الجمعة، لأنه اليوم الذي تتحول فيه المساجد إلى القائد الحقيقي للثورة
وللثوار.. ولتعيد إلى المواطن العربي المأثور النبوي الشهير " نُصرت
بالرعب مسيرة شهر".
هذه الأيام ما برح جهلة مدعو الثقافة، "يتأففون" من "تدخل" المساجد في
السياسة!.. يتكلمون عن الجوامع من "طراطيف" ألسنتهم.. وينظرون إليها
باستعلاء "مضحك" باعتبارها مؤسسة "ظلامية" فيما هم أحفاد "فولتير"
وسدنة الفكر التنويري الباريسي، الذي لا يمكنه ان يتعايش مع مؤسسة
"الدروشة" و" الموضة القديمة"!
كلما استمعت من هؤلاء الجهلة ومدعي الثقافية، تذكرت سجالات العلامة
الكبير الراحل محمود شاكر مع لويس عوض والتي نشرها في مجلة الرسالة في
ستنيات القرن الماضي، ثم جمعها في كتابه الشهير "أباطيل وأسمار" والذي
صدر في جزئين عام 1972.
أراد لويس عوض ان يتثاقف على الرأي العام، معتمدا على انه لا يقرأ
وليس على اطلاع جيد بالتراث الأدبي العربي.. فنقل في الأهرام بعض
أبيات شعرية كتبها الشاعر العربي الضرير "أبو العلاء المعري" في سياق
مقالة حاول من خلالها الايحاء بأن المعري تلقى دروسه وثقافته وعلومه
من "المسيحية" خلال الحروب الصليبية، ونقل عنه بيتا ذكر فيه
"الصلبان"! .. ما أصاب شاكر بالدهشة والاستغراب .. ولأنه واحد من
أساطين تحقيق التراث في التاريخ العربي الحديث توقع بأن لويس عوض إما
"زور" في النص وإما نقله عن جهل وذلك إذا افتراضنا حسن النيه:
لويس عوض نقل نص المعري واصفا الإبل.. على النحو التالي: صليت جمرة
الهجير نهاراً ثم باتت تَغَصُّ بالصِّلبانِ!
اكتشف شاكر أن الكلمة الأخيرة "الصلبان" لم ترد في هذا الشطر من البيت
المنسوب إلى المعري، وإنما كلمة "الصليان".. الفعل: تَغَصُّ، بمعنى
تمتلئ وتشرق، والصّلّيان ـ بالياء المثناة ـ نبات ترعاه الإبل، وتسيغه
إذا كان رطباً، وتشرق به " أي تغص" إذا كان يابساً، إذا "الصلّيان"
بالياء المثناة، وليست الصلبان بالباء المفردة كما ذهب لويس
أي أن "الصلبان" لم تكن موجودة في شعر المعري ولكنها كانت حاضرة في
عقل لويس عوض الطائفي.. فضلا عن فضائح علمية صارخة، عندما بنى عوض
دراسته على أن المعري عاش في عصر الحروب الصليبية بينما.. المعري ـ
رحمه الله ـ مات قبل بداية الحروب الصليبية بأربعين عاما!
مشكلة المتثاقفين المصريين أنهم ليسوا جهلة وحسب، وإنما أيضا مصابون
بالعمى.. ونكران الجميل وقلة الذوق وقلة الأدب وعدم حفظ الفضل لأهل
الفضل.. عندما يتأففون اليوم من "الجوامع".. ويعتبرونها رموزا
لـ"الظلامية" وينسون ان ثورة 25 يناير كانت ثورة المساجد بامتياز.. بل
إنها هي التي خلعت مبارك.. ويكفي أن يوم خلعه كان يوم "المساجد"
..
يوم الجمعة الموافق 11 فبراير عام 2011 .
[email protected]
25-03-2011 م
- التصنيف: