هل رعيت التنشئة الاجتماعية لأولادك؟
لا يقتصر دور الأسرة، في التنشئة الاجتماعية لأولادها، على حراسة العقيدة الصحيحة وتعميقها، بل يتناول غرس الأخلاق القويمة، والقيم النبيلة، والعبادات الصحيحة، والسلوك النظيف، والمهارات المفيدة.
للتنشئة الاجتماعية تعريفات عدة لدى علماء النفس التربوي، لكنها تعريفات متقاربة، نختار منها تعريف بارسونز: "التنشئة الاجتماعية عملية تعليم تعتمد على التلقين والمحاكاة والتوحد مع الأنماط العقلية والعاطفية والأخلاقية، وهي عملية دمج مستمرة لعناصر الثقافة في نسق الشخصية".
وبتعبير آخر فإن التنشئة الاجتماعية هي عملية التطبيع الاجتماعي Socialization Process وهي عملية تشكيل شخصية الفرد كي يندمج في الإطار العام للجماعة ويصبح متكيفاً مع أنماطها وقيمها.
وأهم أطوار هذه التنشئة هو طور الطفولة، وهي تستمر حتى الشيخوخة، إذ يكتسب الإنسان في كل طور ومرحلة، أنماطاً من السلوك تتناسب مع الجماعات التي يتعايش بينها.
والتعريف المذكور للتنشئة يقودنا إلى تعريف "الثقافة" و"الشخصية":
فالثقافة هي منظومة القيم والمفاهيم والأخلاق والأعراف والتقاليد السائدة في مجتمع ما.
وقد يكون المجتمع في مراحل اضطراب وتداخل في القيم والمفاهيم فتظهر فيه ثقافات متباينة، بخلاف المجتمع المستقر الذي تتحد فيه مكوّنات الثقافة، ويُعَدّ الفرد شاذاً إذا خرج عن تلك المكونات!.
أما الشخصية فهي جملة الصفات المترابطة: العقلية والنفسية، الموروثة والمكتسبة، التي تؤثر في سلوك الإنسان ومواقفه. فيدخل في بنية الشخصيةِ الذكاءُ والذاكرة وقوة المحاكمة الهدوء والانسجام... وعكس ذلك من الصفات.
من ذلك كله نستطيع أن نستنتج:
1- أن التنشئة الاجتماعية تمارسها الأسرة والمدرسة والشارع والأقارب والنادي والتلفاز والإذاعة والمجلة والكتاب والإنترنت. أي إن هناك المحضن الأول وهو الأسرة، وهناك المحضن الثاني وهو المدرسة، وهناك مؤثرات جانبية كثيرة قد لا تخضع للسيطرة.
2- تحقّقُ التنشئة الاجتماعية مجموعة من الأهداف، منها:
تعليم اللغة.
تكوين العقائد والقيم والمفاهيم والعادات والتقاليد.
توجيه السلوك بما يتناسب مع قيم المجتمع ودور الفرد وفقاً لجنسه وبيئته الخاصة وطبقته الاجتماعية.
تعويد الفرد على الانتقال من مرحلة اعتماده على غيره، إلى مرحلة اعتماده على نفسه، مع تحقيق درجة من الاستقلال تتناسب مع قيم المجتمع.
إكساب الفرد المهارات المهنية والاجتماعية، وعادات الإنتاج والاستهلاك.
ترسيخ العادات الاجتماعية المرتبطة بالأفراح والأتراح والتعامل مع الوالدين والكبار والجيران...
من خلال ذلك نستطيع أن ندرك أهمية التنشئة الاجتماعية في تربية الطفل والمراهق والشاب والكهل... وفق قيم الإسلام.
فالإسلام يقرر أهمية المحضن التربوي الأول: الأسرة. فالوالدان يسهمان إسهاماً فعّالاً في الحفاظ على الفطرة سليمة نقية، أو في تشويه هذه الفطرة.
والإسلام كذلك يسمي أعمال الإيمان والخير والتقوى والبر والفضيلة... معروفاً، بما أنها تسود في المجتمع الإسلامي وتكون معروفة فيه شائعة. كما يسمي الفساد والفسق والمعصية... منكرات، لأن المجتمع المسلم ينكرها ويرفضها.
وإذا كان التقصير في القيام بالمعروف، والوقوع في المنكر، يَحدُثان في المجتمع المسلم، فإن حدوثهما يكون شذوذاً عن الأصل، فالمجتمع الذي آمن بهذا الدين، واتخذ قيم الدين جزءاً من ثقافته، لا شك أنه يفعل المعروف ويأمر به، ويجتنب المنكر وينهى عنه، ويمارس ضغطاً اجتماعياً على من يخالف ذلك.
ومن هنا أيضاً ندرك مدى الخطر الذي يتعرض له المسلم، لا سيما في مراحل الطفولة والمراهقة والشباب، حين يعيش في مجتمع غير مسلم، فإن هذا المجتمع كذلك يمارس عليه ضغطاً اجتماعياً كي يتمثّل قيمه ويلتزم بها!.
وندرك كذلك أهمية الأقران "وكل قرينٍ بالمقارن يقتدي" وخاصة في مرحلة الطفولة، فالطفل يتأثر بأقرانه وبالأطفال الذين هم أكبر منه، ويهتم بالحصول على حبهم وتقديرهم، ويتعلم منهم كثيراً من القيم، ويَظهر بينهم بشخصية تختلف عن الشخصية التي يظهر بها أمام أهله!. والأقران إذاً يسهمون إسهاماً مهماً في التنشئة الاجتماعية، باتجاه الخير أو باتجاه الشرّ، فإذا قيّض الله للطفل قرناء خير فهو ذو حظٍّ عظيم!. وعلى الأسرة أن تبذل الجهد وتتوخّى الحكمة في جعل قرناء أولادها من الخيّرين.
ولا يقتصر دور الأسرة، في التنشئة الاجتماعية لأولادها، على حراسة العقيدة الصحيحة وتعميقها، بل يتناول غرس الأخلاق القويمة، والقيم النبيلة، والعبادات الصحيحة، والسلوك النظيف، والمهارات المفيدة.
قال الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} [سورة التحريم: 6].
وروى أبو داود والحاكم بإسناد صحيح، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع» (سنن أبي داود: 495) .
وروى البخاري أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو يُنَصِّرانه، أو يُمَجِّسانه». (صحيح البخاري: 1385) وأحاديث أخرى كثيرة تبين اكتساب السلوك الصحيح من الأسرة.
فإذا قامت الأسرة بدورها جيداً فقلَّ أن يظهر فيها ولد منحرف، وإذا حدث هذا، نتيجة التأثر من مكونات المجتمع الأخرى، فغالباً ما يعود هذا الولد إلى الاستقامة التي نشأ عليها في صغره، وهو المعنى الذي لحظه الشاعر حين قال:
وينشـأ ناشئ الفتيـان منا *** على ما كان عوّده أبوه
وما دان الفتى بحجىً *** ولكنْ يعـوّده التـدينَ أقربوه
ونعلم أن المؤثرات في التنشئة الاجتماعية بدأت تتسلل إلى نفوس الناس منذ نعومة أظفارهم، عبر الفضائيات والإنترنت وغيرها... وفي هذه المؤثرات ما هو طيب نافع، وكثير منها فاسد ضارّ، وهذا لا يسوّغ لنا أن نستسلم لهذه المؤثرات، بل لابد من الحكمة في تحصين الولد، في مراحل عمره المختلفة، وتوجيهه، والعمل على رفده بالصحيح والسديد والنافع، من العلم والفكر والصحبة الطيبة والقدوة الحسنة...فإذا فعلنا هذا فالتوفيق في تربيته يكون حليفنا بإذن الله، ونكون معذورين أمام الله إن كانت الأخرى.
ولندعُ الله تعالى بمثل ما دعا به النبيّان العظيمان إبراهيم وإسماعيل عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام: {ربنا واجعلنا مسلمَيْن لك ومن ذريّتنا أمةً مسلمةً لك وأرنا مناسكنا وتبْ علينا إنّك أنت التواب الرحيم} [سورة البقرة:128].
الكاتب: محمد عادل فارس
- التصنيف:
- المصدر: