يوسف جعفر إدريس يكتب عن وفاة الراوي
عُرف الراوي بحبه للقرآن، فكان يدرس في قسم القرآن وعلومه بجامعة الإمام، وكتب عن القرآن، وكان له برنامج في إذاعة القران اسمه ' حديث القرآن عن القرآن ' وأحسبه والله حسيبة من أهل القرآن أهل الله وخاصته.. جعله الله له شفيعا وأنيسا..
الراوي..
صباح اليوم الجمعة وعلى باب المسجد الذي كان يؤمه الشيخ جاءني خبر وفاة أول خطيب لذلك المسجد، طاهر الظاهر نقي الباطن الشيخ محمد الراوي رحمه الله، الصديق الوفي، ورفيق الدعوة، وزميل هيئة التدريس، ونديم الحج للوالد جعفر شيخ إدريس حفظه الله..
ارتبط اسم الشيخ رحمه الله في أذهاننا أبناء الشيخ جعفر بالصداقة الصادقة والطرفة الحاضرة والطّهر وحب القرآن .. وإليك طرفا من كل صفة وخبر..
كان الوالد والراوي يرافقان الامام بن باز كل سنة في قافلة الحج التي يؤمها ذلك الإمام ويحيط به شيوخ أعلام.. في تلك الخيمة الإيمانية بمني تلمح الفوزان، وتصغي للدريعي، وتنهل من بن غصون، وترتوي من الراوي وتفكر مع جعفر إدريس.. وتحتكم لابن عثيمين إن لزم الأمر إذ إنه ليس ببعيد.. ويحاط الجميع بهالة نورانية لا تعرف الجنسيات ولا تلتفت للقوميات بل مقام العالم فيها بعلمه.. بركة ونور اسمه بن باز وكفى.
كان الراوي يبدأ صباحه في أيام الحج بمني بثوب نظيف قد صُفّ بعناية، ولفّ بأناقة، جهزته له زوجته.. فإذا لبسه تلألأ طهرا على طهره، وزاد بهاء على بهائه ثم بدأ يتدفق علما ورقة ودمعا سحّا غدقا مجللا..
عُرف الراوي بحبه للقرآن، فكان يدرس في قسم القرآن وعلومه بجامعة الإمام، وكتب عن القرآن، وكان له برنامج في إذاعة القران اسمه ' حديث القرآن عن القرآن ' وأحسبه والله حسيبة من أهل القرآن أهل الله وخاصته.. جعله الله له شفيعا وأنيسا..
كنت مع الوالد قبل عدة سنوات في محل أقمشة بالرياض، فاشترى الوالد قماشا من أغلى الأقمشة من متجر من أغلى المتاجر حتى أني استغربت من باهظة الثمن ثم قال لي 'هذا القماش للشيخ الراوي ليصنع منه جُبّة '.. فلما أرسل الوالد القماش لمصر التقاه الراوي بعدها وقال له ' أردت أن أحضر هذا المؤتمر معك بالعباية (الجبة) التي أرسلت لي يا جعفر '.. ولم أدر هل أعجب من كرم جعفر أم من الراوي وحسن المعشر...لكن هم العلماء وعالمَهم العلوي.. يبادلون بعضهم كرما بكرم وصفاء بصفاء دون كلفة أو تصنّع..
ألقى الوالد في موسم الحج كلمة عميقة ربما عن الفطرة وعلق عليها بن باز فأثنى عليها وأطنب.. أما الراوي وبطرفته وطريقته فقد عزى ذلك لأن الوالد قد تصبح بإفطار من صحن الفول.. وقد كان هذا الطبق مدار طرفة بينهما لعقود.. فكان الراوي يسمي الوالد أستاذا في الفول تارة ومعلما فيه أخرى.. حتى جاءه يوما لينزع منه اللقب قائلا له ' يا جعفر أنا اكتشفت أنك تلميذ صغير في الفول فقد أفطرت مع بن عثيمين فكان يأكله دون خبز فهو أحق باللقب منك..' وانفجر الجميع ضحكا..
اشتهر الراوي بحبه العميق لزوجته جبرها الله حبا لا يقوى على إخفائه.. ومن ذلك أن الوالد أخبره باسم قريته في السودان فإذا به اسم يوافق اسم زوجة الشيخ.. فتهلل الراوي وابتسم وأخذ يستحلف الوالد ' هل هذا حقا هو اسم قريتكم '.. يالله ويا لله ما أجمل طيبة ذلك العالم وما ألطف نفسه وأحسن عهده..
مما زاد من حب الوالد للشيخ الراوي اجتماعهم على حب القرآن.. فكانا يتحادثان في رحلة الحج عن الحفظ والدارسة وكان الوالد يقول ' الشيخ الراوي لا يجد فرصة للمراجعة الا اغتنمها قائلا لك ' سمّع لي '.. ودوما يقول للوالد ' لو تركت المراجعة تفلت منك القرآن ' .. وقص عليه رؤيا رآها جعلته يأخذ مراجعة القرآن مأخذ الجد..
اللهم ارحم عبدك محمد الراوي، فإنا نحسبه قد أحب كلامك بحبه لك، وعلم كتابك لعلمه بك، ونافح عن دينك نصرة لك، اللهم اجعله الان يقرأ القرآن ويرقى حتى تكون منزلته الفردوس الأعلى، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا..
يوسف جعفر إدريس
الجمعة ٢٥/ صفر/١٤٣٨
(كتبت هذه الكلمات يوم جمعة ظُنّ فيه انه توفي، وإذا بي أخرجها الْيَوْمَ وقد تحققت وفاته رحمه الله)
- التصنيف: