في ظلال رمضان.. (15) من (30)

منذ 2017-06-10

والغفلة والنسيان هي لوازم للنفس البشرية، ومن هنا فقد يأتي على القلب غين، وهو ما يصيب المقربين، ولهذا يستغفرون، وقال أكرم الخلق صلى الله عليه وسلم إ «نه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله»

(طلب اليقين)
خطر الذنوب أنها تضع غواشي على المعرفة، فإذا ما في القلوب من المعرفة المفطورة عليها، والمبنية على الميثاق العظيم  {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهوره ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا: بلى شهدنا} ، إذا بها تغيب عن العبد.
والغفلة والنسيان هي لوازم للنفس البشرية، ومن هنا فقد يأتي على القلب غين، وهو ما يصيب المقربين، ولهذا يستغفرون، وقال أكرم الخلق صلى الله عليه وسلم إ «نه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله»
وقد يصيب القلب غيم، وهو ما يصيب أصحاب اليمين المقتصدين.
وقد يقدح في القلب سهم الذنوب وجراحاته، يقول ابن القيم رحمه الله (الذنوب جراحات، ورُب جرح وقع في مقتل).
وقد تمد القلب مادة الإيمان بالطاعة ومادة النفاق، كما قال حذيفة رضي الله عنه، وحكمه أنه لأيهما غلب.
وتوالي الذنوب على القلب يضعف علم القلب، سواء المعرفة المفطور عليها، أو العلم المكتسب بالوحي، فيعود كما قال ابن تيمية (منكرا لما كان به عارفا، وجاهلا بما كان به عالما)، قال ابن مسعود: إني لأجد العبد ينسى العلم بالذنب يصيبه، ثم تلا {ونسوا حظا مما ذُكّروا به} .
وقد يجد العبد من الضعف ما يصبح الإيمان بالغيب، رغم وجوده، كأنه استدعاء لشيء غائب وبعيد، يتذكره صاحبه بصعوبة وضعف، فلا يتحقق للعبد من الإيمان بالغيب ما يصل به الى الواجب وهو (التصور التام) كما يقول شيخ الإسلام، و(التصور التام) لما أخبر به تعالى يصبح به الغيب الذي وعد الله تعالى حاضرا للعبد فيعطي موجبه من العمل على وفقه طلبا وهربا، ورغبا ورهبا.
ما الفارق بينك وبين حارثة الذي نور الله قلبه فأصبح وكأن عرش ربه بارز له، وكأنه يرى أهل الجنة يتنعمون وأهل الجنة فيها يتضاغون، وكأن الموت يطلبه وكأنه واقف على الصراط، ومن ثم أظمأ نهاره وأقحيا ليله.. وكلمة (كأن) هنا لا تعني التخيل، بل هي حقائق أكثر صحة ووجودا وحقيقة مما نعيشه في دنيانا.. قال له صلى الله عليه وسلم  «إنك امرؤ نور الله قلبه، عرفتَ فالْزم» ، ثم لم يلبث أن استشهد، ثم سألت أمه عنه في الجنة فتصبر أم في النار فتبكي؟ فقال لها صلى الله عليه وسلم: ويحك يا أم حارثة، أوَجنة هي؟! إنها جنان، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى!.
ما الفارق بيننا وبين حارثة إلا أن حارثة أزال عوائق الذنوب فتجلت الفطرة عما فيها من المعرفة والتصديق، ثم صدّق هذا نورُ الوحي المبارك، فبلغ للصديقية فعاش أياما مباركة ومات ميتة كريمة ونال المنازل العلا.
تسمع فلانا يقرأ الآية طوال الليل، وآخر لا يفارق ذكر الموت قلبه ساعة، وآخر لا يصل به طول الأمل أن يصلي الصلاة التالية، وآخر يمرض في بيته لسماعه آية، وآخر يغشى عليه وآخر يموت لهول آية وصحابي يشهق شهقة تخرج فيها روحه لما سمع وصف الجنة في سورة الإنسان.. ما الفارق؟ ولماذا عايشوا الغيب أكثر من الحاضر؟ إنهم امتنعوا عما يفسد الفطرة ويحورها ويغشى عليها، وصدق هذا نور الوحي {أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه} ، فكان اليقين والتصديق والمعايشة للحقائق الكبرى.
لمزيد بيان يتبع غدا إن شاء الله..

مدحت القصراوي

كاتب إسلامي

  • 0
  • 0
  • 1,686

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً