بيان من الدكتور عبد الكريم بكار حول الأحداث في سوريا

منذ 2011-04-24

إن التاريخ يعلمنا أنه لا يمكن لأي نظام سياسي أن يتفوق على ذاته إلى درجة التمكن من إجراء عملية جراحية كبرى لهياكله ومنظوماته وأجهزته، ولهذا فإذا كان النظام متجهاً فعلاً نحو الإصلاح الحقيقي، فإنه ليس هناك سوى طريق واحد هو الدعوة إلى مؤتمر وطني جامع..



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فإني في البداية أسأل الله ـ تعالى ـ أن يتقبل ضحايا هذه الانتفاضة المباركة في عداد الشهداء، وأن يُلهم أهليهم وذويهم الصبر والسلوان، وأن يُخلفهم خيراً، كما أنني أتقدم بتحية إجلال وإكبار إلى كل رجل وامرأة وطفل خرجوا من بيوتهم منادين بالحرية والعدالة وبناء سورية الجديدة. إن سورية العزيزة تمر بلحظة تاريخية مضيئة وملهِمة، يعيد فيها الشعب الأبيُّ اكتشاف ذاته والتفاعل مع مبادئه وقيمه وتراثه الحضاري العريق بسرعة مذهلة ، وإني انطلاقاً من إحساسي بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية حيال أهلي وإخواني أود أن أوضِّح الأمور التالية:


1- إن التظاهر والاحتجاج والاعتصام بطريقة سلمية مظهر من المظاهر الحضارية المرموقة، اهتدت إليه البشرية بعد معاناة طويلة مع الرضوخ للظلم، وبعد ما تجرعته من آلام بسبب استخدام العنف وسيلةً للتغيير والإصلاح، وإن الدول الديموقراطية تنظر إلى التظاهرعلى أنه أداة من أدوات الحفاظ على الحقوق والحريات ، ولذلك أكدت عليه كل المواثيق الدولية، ومن هنا فإنه ليس لأحد أن يستغرب من خروج السوريين إلى الشوارع هاتفين للحرية والعزة ...فالمظالم التي يعاني منها الشعب السوري ليست أقل من المظالم التي كانت في مصر وتونس وليبيا ...كما أن الشعب السوري ليس أقل وعياً وإخلاصاً وإحساساً بالكرامة من شعوب تلك البلدان .


2- إني أحث المتظاهرين الشرفاء الذين يعرِّضون حياتهم للخطر، ويبذلون جهوداً هائلة من أجل مصلحة بلادهم أن يحافظوا على سلمية مظاهراتهم، حيث إن السِّلمية هي سر قوة تلك المظاهرات، وأن يبتعدوا عن كل شكل من أشكال التخريب، وأن يبتعدوا كذلك عن كل تصرف يمكن أن يستفز رجال الأمن، كما أنني أدعوهم إلى الارتقاء بالشعارات والأهازيج والهتافات التي يطلقونها في مسيراتهم المظفَّرة، وأؤكد في هذا السياق على الارتقاء بالحوار والنقاش على الشبكة العنكبوتية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، فنحن لا نريد التغيير فحسب ، وإنما نريد أن نقدِّم نموذجاً ملهِماً في الإصلاح، ولا يكون ملهماً إلا إذا ساده الرفق والسكينة والتهذيب .


3- أدعو رجال الشرطة والأمن والجيش إلى القيام بواجبهم في حماية المتظاهرين ومعاملتهم بطريقة لائقة، مادام التظاهر حقاً من حقوق المواطن بإقرار الجميع، ثم إن هؤلاء المتظاهرين هم أهلكم وأبناء بلدكم، وإن ما ستسفر عنه هذه الثورة العظيمة من خير سيعمُّ الجميع، وستنعمون به أنتم وأولادكم .


4- لدى كل السوريين اتفاق تام على رفض كل أشكال التدخل الخارجي في شؤونهم وعلى أي مستوى، ولأي هدف، ومن أي جهة، وذلك لاعتقادهم بأن لديهم من الحكمة والبصيرة والشعور بالمسؤولية ما يمكِّنهم من تصحيح أوضاعهم وإصلاح شؤونهم دون مساعدة أحد، واعتقادهم أن التدخل الخارجي سيؤذي الجميع دون استثناء.


5- أشدد وبكل البلاغة الممكنة على أن تظل الثورة السورية المباركة ثورة لكل أبناء سورية بكل طوائفهم وأعراقهم وانتماءاتهم ،فقد عاشت هذه المكوِّنات في تلاحم ووئام قروناً ، وهي قادرة على الاستمرار في ذلك بعون الله ـ تعالى ـ إلى آخرالمشوار، ولهذا فإني أدعو كل أبناء الشعب السوري إلى المشاركة في هذه الثورة، لاعتقادي بأن الحرية والعدالة والكرامة والتنمية أمور لا تقبل التجزئة، فهي إما أن تكون لجميع الناس،أولا تكون ، ومن هنا فينبغي أن تظل حقاً وهدفاً ثابتاً ومشروعاً لجميع أبناء البلد .


6- إن يوم السابع عشر من نيسان هو يوم جلاء الاستعمار الفرنسي عن وطننا الحبيب، وهو اليوم الذي وضع فيه الشعب السوري ثورته على سكة الثورات العربية الأخرى من حيث المشاركة والتصميم ، ونستطيع القول اليوم : إن الثورة السورية قد بلغت نقطة اللاعودة ، وصار من الصعب القضاء عليها دون ارتكاب مجازر كبيرة لا يمكن لأي نظام أن يتحمَّل نتائجها، فقد استعاد الناس ثقتهم بأنفسهم، واكتشفوا أنهم أقوى بكثير مما كانوا يظنون .


7- ليست سياسات النظام السوري الخارجية هي التي حركت الشارع في الأساس، وإنما السياسات الداخلية التي أرهقت الناس،وجعلتهم يشعرون بالهوان ، كما أنها كرست التخلف والعزلة عن العصر، وأنا أعتقد دائماً أن تأثير المؤامرات الخارجية في حياة الشعوب يظل دائماً هامشياً بشرط أن تكون الجبهة الداخلية سليمة،وفي الوضعية الصحيحة، وإن الإصرار على تفسير الثورة السورية بنظرية المؤامرة ينطوي على اتهام ضمني للناس بأنهم سُذَّج تحركهم الأيادي الخفية أو عملاء معدومو الضمير ، وفي هذا إهانة لشعب عريق و متعلم ومثقف. وإذا افترضنا أن هناك مؤامرة خارجية، فالمؤامرات الخارجية لا تقاوَم بسلب الناس حقوقهم، وإنما بتقويتهم وحفظ كراماتهم وبمساعدتهم على الإبداع والتعاون ، وآمل ألا يتكرر الخطأ الذي وقع فيه هتلر حين جعل ألمانيا كبيرة، وجعل الألمان صغاراً .


8- إن مطالب السوريين متواضعة، فهم يبحثون عن الكرامة والعدالة والحرية وتكافؤ الفرص والتعددية، وهي مطالب إن تحققت بالكامل، فلن نكون إلا كشعب من شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وهذه المطالب باتت واضحة على نحو ما رأينا في بيان علماء حمص وغيره.


9- إن التاريخ يعلمنا أنه لا يمكن لأي نظام سياسي أن يتفوق على ذاته إلى درجة التمكن من إجراء عملية جراحية كبرى لهياكله ومنظوماته وأجهزته، ولهذا فإذا كان النظام متجهاً فعلاً نحو الإصلاح الحقيقي، فإنه ليس هناك سوى طريق واحد هو الدعوة إلى مؤتمر وطني جامع يشارك فيه الثوار وقيادات مؤسسات المجتمع المدني و المعارضة، وذلك من أجل التفكير في كيفية إخراج سورية من وضعها الراهن والانطلاق بها نحو مستقبل واعد ومشرق، وإن هذا الحوار ممكن اليوم لكنه قد لا يكون ممكناً بعد شهر، ولهذا فإني أرجو أن تتبنى القيادة السورية هذه الدعوة وبالسرعة الممكنة قبل فوات الأوان، وإن التأخر في هذا قد يجرُّ البلاد ـ لا قدَّر الله ـ إلى كارثة يصعب تخيلها وقد يمنح الأطراف الخارجية الفرصة للتدخل، وهذا ما لا ينبغي أن نسمح به، مهما كلَّف الثمن.
حفظ الله سورية الأبية وشعبها المجيد من كل مكروه .


والحمد لله رب العالمين .
أ. د. عبد الكريم بكار
في 17 أبريل 2011



 

المصدر: موقع المسلم
  • 6
  • 0
  • 6,030
  • nada

      منذ
    لقدحان الوقت لتصير كل البلاد العربية دول يحكمهاحكام يريدون الاخرة حكام يخافون الله ورسوله يحبون الله ورسوله.حكام تجمعهم كلمة واحدة .لا اله الا الله محمد رسول الله.ثم بعدذالك الاتحاد بينهما يد في يد.ويد الله مع الجماعة فهذا هو نصر الله .فان تنصرالله ينصركم .
  • سوري

      منذ
    شيخنا وأخانا العزيز كيف يمكن أن نطلق كلمة حوار وطني والدبابات لاتزال محاصرة درعا وتلكلخ وغيرها وتمنع دخول الادوية وحليب الاطفال والكهرباء والماء كيف ندعوا لحوار والاعتقالات مستمرة ومن يتحاور مع السلطة يتم اعتقاله قبل عودته الى المنزل وقد جرت مع وفد حماة ووفد درعا وو ...الا ان يكونوا منافقين كيف ندعوا لحوار ومساجد درعا حولت الى دمار وتذاع فيها اغاني بدلا من الاذان
  • مسلموا الشام

      منذ
    جزاك الله خيرا استاذنا على هذا الإيجاز, كلكن اتسائل لماذا لم يتحرك المؤتمر الإسلامي على الرغم من ما يحدث للشعب السوري لم يحدث لاي شعب من الشعوب(قتل ودمار وتعذيب واغتصاب وتشويه للسمة والحقائق) لمذا لم نسمع ندائات من العلماء اصحاب النخوات مثل القطان والدويش والعوضي؟؟؟
  • خالد ميمون

      منذ
    بسم الله الرحمن الرحيم يعني مع احترامي لك يا أستاذ و لكن مقال طويل عريض كهذا تتحدث فيه عن ظرف صعب في تاريخ الأمة كنا ننتظر أن تهدينا إلى كتاب الله و سنة نبيه كما قال الله تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا . و بالمقابل تعطي أمثلة عن حضارات الكفار و كيفية تحقيق مطالبهم و كأننا لسنا مسلمين و ليس لنا نور من الله نتبعه حتى يعلمنا الغرب كيف نسير أمورنا . وتنزه الغرب من افتعالهم لمؤامرات تتطيح بالكيانات الاسلامية ... سبحان الله ... أين الله في كل ما تقول أين الله أحسن القول هو قول الله تعالى : إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا. أي مخرجا أسأل الله أن يهدينا جميعا و أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن
  • nada

      منذ
    نعم سلمت يداك يا شيخ .. إن كان الحوار ممكن الآن ، فقد لا يكون ممكنا بعد شهر..
  • nada

      منذ
    اللهم انصر إخواننا في سوريا وارزقهم القيادة الصالحة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً