إجلال الله عز وجل (2)

منذ 2017-08-12

وإنما كان إجلال ذي السلطان المقسط لأنه يرى السلطة غرما لا غنما، فيبسط العدل بين الناس على تفاوت أقدارهم، فتنشأ الرعية على الولاء للأوطان، ويجتهد أفرادها في نهضتها

بسم الله الرحمن الرحيم

عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-:  «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ»  [رواه أبو داود]

إكرام ذي السلطان المقسط

(وإكرام ذي السلطان) أي سلطان لأنه ذي قهر وغلبة، من السلاطة وهي التمكن من القهر، قال اللّه تعالى: { {وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ} } [النساء:90] ومنه سمي السلطان، وقيل ذي حجة لأنه يقام به الحجج (المقسط) العادل في حكمه بين رعيته.

وإنما كان إجلال ذي السلطان المقسط لأنه يرى السلطة غرما لا غنما، فيبسط العدل بين الناس على تفاوت أقدارهم، فتنشأ الرعية على الولاء للأوطان، ويجتهد أفرادها في نهضتها، ولذلك تجد نهضة أي أمة في الماضي والحاضر معقودة على السلطان المقسط ابتداء، فالحضارات تبنى من أعلى .. من الرأس، وإنما يأتي دور الشعوب مكملا لتوجهات القيادة الراشدة.

أما السلطان الجائر فهو يعشق السلطة عشقا مرضيا يجعل كل تصرفاته من أجل ضمان كرسي الحكم لنفسه لا خدمة لأبناء شعبه، لذلك فهو يحابي كل من له شوكة يمكن أن تهدد سلطته، كالجيش والقضاء والإعلام، فتجد ميزانية الدولة مكرسة لمنح الامتيازات لهذه الفئات.

أما الشعوب فحظها ضحالة المعرفة وتغييب متعمد للوعي مع فقر ينسيها حقوقها ويجعل أيامها كد وتعب وراء لقمة العيش بما لا يتيح لها المطالبة بحقها في حرية التعبير وتداول السلطة والعدالة الاجتماعية.

والسلطان الجائر يرى أنه فوق النقد، { {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} } [غافر:29] ولذلك تراه هو كل شيء في الدولة «دولة الزعيم الفرد» .. هو الذي يرضى ويسخط، ويحب ويكره، ويعطي ويمنع، ويخفض ويرفع .. تراه ينزعج من كل ألمعي أو نابغ صاحب شعبيه جماهيرية ككبار علماء الدين والمصلحين والمفكرين الذين تحتم مكانتهم أن يبذلوا له النصح ويأخذوا على يديه إن شرد، أما التكتلات الشعبية كمجلس الأمة والنقابات وغيرها فهي شكلية أكثر منها عملية، وتواجدها لزوم رسم العدالة الظاهرية لا الحقيقية.

وبوجه عام فتوقير أهل الفضل من مكارم هذا الدين الحنيف وبه نطقت الكثير من النصوص النبوية المباركة:

فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:  «لِيلِني مِنكم أولو الأحلام والنهي، ثم الذين يلونهم [ثلاثا] وإياكم وهيشاتِ الأسواق»  [رواه مسلم] أي المنازعة، والخصومات واللغط، وارتفاع الأصوات التي توجد بالأسواق غالبا.

وعن أبي يحيى سهل بن أبي حثمة الأنصاري -رضي الله عنه- قال «انطلق عبد الله ابن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر وهي يومئذ صلح، فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دَمِهِ قتِيلاً، فدفنه، ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال -صلى الله عليه وسلم-: (كبر كبر) وهو أحدث القوم، فسكت، فتكلما فقال: (أتحلفون وتستحقون قاتلكم؟) وذكر تمام الحديث » [متفق عليه]

وقوله صلى الله عليه وسلمكبر كبر) معناه: يتكلم الأكبر.

وعن جابر -رضي الله عنه- «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد يعني في القبر، ثم يقول: (أيهما أكثر أخذاً للقرآن؟) فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد» [رواه البخاري]

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:  «أراني في المنام أتسوك بسواك، فجاءني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر، فقيل لي: كبر، فدفعته إلى الأكبر منهما» [رواه مسلم]

قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله-:

ومن ذلك إذا قدمت الطعام مثلاً أو القهوة أو الشاي فلا تبدأ باليمين، بل ابدأ بالأكبر الذي أمامك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يعطيه الأصغر قيل له كبّر، ومعلوم أنه لو كان الأصغر هو الأيسر لا يذهب الرسول صلى الله عليه وسلم يعطيه إياه، فالظاهر أنه أعطى الأيمن من أجل التيامن، لكن قيل له كبّر: يعني أعطه الأكبر، فهذا إذا كان الناس أمامك تبدأ بالكبير، لا تبدأ باليمين، أما إذا كانوا جالسين عن اليمين وعن الشمال فابدأ باليمين.

وبهذا يجمع بين الأدلة الدالة على اعتبار التكبير أي مراعاة الكبير، وعلى اعتبار الأيمن، أي مراعاة الأيمن، فنقول: إذا كانت القصة كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان معه إناء يشرب منه، وعلى يساره الأشياخ وعلى يمينه غلام وهو ابن عباس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للغلام )أتأذن لي أن أعطي هؤلاء) فقال الغلام: لا والله، لا أوثر بنصيبي منك أحداً. فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا كان هكذا فأعطه من على يمينك، أما الذين أمامك فابدأ بالكبير، كما تدل عليه السنة، وهذا هو وجه الجمع بينهما .

ثم إن الإنسان إذا أعطاه الكبير فمن يعطي بعده؟ هل يعطي الذي على يمين الكبير ويكون عن يسار الصاب، أم الذي عن يمين الصاب ؟ 

نقول: يبدأ بالذي عن يمين الصاب، وإن كان على يسار الكبير؛ لأننا إذا اعتبرنا التيامن بعد مراعاة الكبر، فالذي على يمينك هو الذي عن يسار مقابلك فتبدأ به، ما لم يسمح بعضهم لبعض، ويقول: أعطه فلاناً .. أعطه فلاناً ؛ فالحق لهم، ولهم أن يسقطوه، والله أعلم

 

المصادر

  • وما قدروا الله حق قدره   عبد الله بن محمد البصري / شبكة الألوكة
  • عون المعبود بشرح سنن أبي داود
  • شرح رياض الصالحين لابن عثيمين رحمه الله تعالى
  • فتاوى الشبكة الإسلامية، فتوى رقم 14141

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 0
  • 0
  • 1,636

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً