مسجد النور .. ورمزية انتصار ثورة الشعب
منذ 2011-04-27
لقد كان كل دور وزارة الأوقاف وهمها أن تقطع أي لسان ينتقد الطاغية ، وأن تسكت أي صوت يعارض الحزب الفاسد ، وأن تؤمم مساجد الله بالكامل لكي تكون أبواقا للاستبداد ، ويتم اختيار الأئمة والخطباء عن طريق مباحث أمن الدولة...
عمليات إعادة تدوير مخلفات عصر مبارك تثبت كل يوم فشلها الكامل ، وتحولها إلى عبء على الدولة وعلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة المثقل أصلا بهموم دولة بحجم مصر في لحظة تحول تاريخية ، ولا أدل على ذلك مما حدث في مسألة اختيار المحافظين من بين مسؤولين سابقين كانوا في مواقع قيادية أخرى ، فيتم نقلهم من قيادة إلى قيادة ، وكأن مصر عقمت عن أن يوجد بها قيادات لم تلوث في ذلك العصر البائد .
أحد وجوه الأزمة التي يختلقها لنا هذه الأيام رجال ذلك العصر الكئيب هي تلك التي يفتعلها الدكتور عبد الله الحسيني رئيس جامعة الأزهر السابق والذي تمت عملية إعادة تدويره فعينوه وزيرا للأوقاف في مرحلة الثورة ، بينما هو يعمل بنفس العقلية الأمنية والقمعية والديكتاتورية التي تربى عليها في عصر مبارك ، ولا يترك يوما إلا ويوجه التهديد والوعيد إلى العلماء والدعاة والجمعيات الخيرية ويهدد بالصدام العنيف معهم لفرض خطباء المساجد يوم الجمعة رغما عن الناس وحتى عن أحكام القضاء ، وناهيك عن الأجواء الجديدة من الحرية التي ينعم بها المصريون هذه الأيام .
الحسيني الذي سبق ودافع عن رجال الأمن الذين انتهكوا أعراض فتيات جامعة الأزهر في الزقازيق في الواقعة المشهورة وأدان الفتيات واعتبر أنهن اللاتي يستفززن رجال الأمن ، يشن حملة إرهاب وتهديد هذه الأيام على المجاهد الكبير الشيخ حافظ سلامة ، قائد المقاومة الشعبية في حرب السويس ورئيس جمعية الهداية ، بسبب أن الشيخ حافظ سلامة عاد إلى مسجده الذي بناه وأسسه على تقوى من الله ـ مسجد النور ـ قبل أن تغتصبه وزارة أوقاف الحزب الوطني وتسيطر عليه وتطرد الحاج حافظ منه ، وتدوس أحكام القضاء بالأحذية وترفض تنفيذها جميعها وهي التي أنصفت حافظ سلامة وجمعية الهداية الإسلامية ، فعندما عادت جمعية الهداية لإدارة المسجد محررا من أسر الحزب الوطني ومؤسسته الأمنية ووزارته وتختار من علماء الأزهر من يؤم الناس ويخطب الجمعة ، اعتبر الحسيني ذلك خروجا على الشرع وعلى القانون ـ أي والله ـ ولا أعرف أي جرأة هذه التي جعلته متحدثا باسم الشرع أو أن الشرع أتى بتأييد جنابه للاستيلاء على مسجد النور .
ملايين المصريين ، وخاصة أبناء جيلي ، يعرفون قصة بناء مسجد النور ، والذي عكف الشيخ حافظ سلامة سنوات طويلة على جمع التبرعات لبنائه من داخل مصر وخارجها ، حتى أقام دعائمه ، ثم قرر مبارك الاستيلاء عليه وطرد المجاهد الكبير منه في العام 1986 بعد انزعاجه من المسيرة الخضراء التي كان يعتزم الشيخ تسييرها إلى قصر القبة فأفزعت مبارك حينها ، وقد لجأ الشيخ حافظ سلامة بوصفه رئيس جمعية الهداية مؤسسة المسجد وملحقاته باللجوء إلى القضاء لإنصافه ، فحكم له القضاء بأحكام عديدة ونهائية بأحقية جمعية الهداية في مسجد النور ، إلا أن وزارة الأوقاف رفضت بإصرار تنفيذ الأحكام واعتبرتها كأن لم تكن ، حتى قامت ثورة يناير ، فنفذت الجماهير أحكام القضاء وعاد مسجد النور إلى جمعية الهداية الإسلامية .
وزارة الأوقاف التي يتحدث عبد الله الحسيني عن مسؤولياتها الآن ورعايتها لمسجد النور لم تنشيء مسجدا واحدا لله منذ الستينات وحتى اليوم في المسافة ما بين ميدان رمسيس وحتى أطراف مصر الجديدة ، وكل ما فعلته أنها استولت على المساجد القائمة ، وخربتها بإخضاعها لإدارة أمنية ، فلجأ الناس إلى إقامة الزوايا فعملت على الاستيلاء عليها وخربتها أيضا ، وأذكر أني رأيت مسجد عين الحياة في الثمانينات بعد أن استولت عليه الأوقاف وعزلت خطيبه الأشهر الشيخ عبد الحميد كشك رحمة الله عليه ، وقد تحول إلى أثر مهجور لا يكاد يكتمل صف واحد في الصلاة خلف الإمام ، بعد أن كان المسجد والشوارع المحيطة به تكتظ بالمصلين والمستمعين لخطب الشيخ ودروسه ، وتذكرت حينها عبارة "وسعى في خرابها" التي أوردها القرآن الكريم في سياق الحديث عن الظلم الذي يرتكبه الطغاة على بيوت الله .
لقد كان كل دور وزارة الأوقاف وهمها أن تقطع أي لسان ينتقد الطاغية ، وأن تسكت أي صوت يعارض الحزب الفاسد ، وأن تؤمم مساجد الله بالكامل لكي تكون أبواقا للاستبداد ، ويتم اختيار الأئمة والخطباء عن طريق مباحث أمن الدولة ، ولا يدرك عبد الله الحسيني أن ذلك الزمن قد ولى ، وأن المساجد عادت للأمة ، وللمجتمع ، وللشعب ولمؤسساته الأهلية ، ولن تخضع بعد الآن لأي حاكم أيا كان صفته أو حزبه أو جماعته ، ولكن كيف يستوعب ذلك أحد رجال مبارك ، وكيف يدرك تلك الحقيقة من اعتاد على تلقي التوجيهات من مكاتب أمن الدولة .
[email protected]
27-04-2011 م
المصدر: جمال سلطان - جريدة المصريين
- التصنيف: