دروس مستفادة من تجارب الإسلاميين في حكم مصر والسودان وتركيا وأفغانستان 2

منذ 2017-08-16

بشكل عام فإن الإسلاميين مدعوون لتجديد وتطوير فكرهم الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والدعوى والإعلامي بشأن الوصول للحكم وممارسة الحكم وتقديم رؤى ابداعية في كل هذه المجالات فهذه المجالات لا يصلح معها تقليد أي تجربة سابقة تقليدا نمطيا متطابقا بل تؤخذ تجارب التاريخ القريب والبعيد كنبراس يهتدى به في ابداع استراتيجيات جديدة ومناسبة في كل المجالات بحسب خصوصيات الجغرافيا والزمن اللذان سيجرى فيهما التطبيق.

تكلمنا في الحلقة السابقة عن أن الإسلاميين وصلوا لسدة الحكم بعدة دول هي أفغانستان والصومال وتركيا ومصر وتونس والسودان ومناطق واسعة في سوريا والعراق وأشرنا إلى الآليات التي وصلوا بها للحكم والأدوات التي استخدمت لإسقاطهم من الحكم ونكمل في هذه الحلقة لنوضح المراحل المعتادة في إسقاط الإسلاميين وبعض الدروس المستفادة من تجارب الإسلاميين في الحكم.

 

مراحل إسقاط الاسلاميين المعتادة

 

إن كانت هناك أداة واحدة لإسقاط الاسلاميين من الحكم وهي الأداة العسكرية فإن هناك مراحل متعددة تمر بها عملية الإسقاط هذه، ويمكن رصدها على النحو التالي:

 

1- التحريض الإعلامي داخليا ودوليا ضد سلوك الاسلاميين في الحكم وأخذ هذا التحريض عادة محاور محددة وهي موقفهم من المرأة ومن الأقليات الدينية ومن الأقليات العرقية ومن الفكر والحضارة الأوروبية خاصة ما يتعلق بحرية تعرى المرأة والحريات الجنسية خاصة للمرأة وللشواذ وكذا حرية تعاطى الخمور ونحو هذا مما تتعارض فيه تعاليم الاسلام قطعا مع الحضارة الغربية.

 

2- دفع أقليات دينية أو مذهبية أو عرقية للتمرد عسكريا وسياسيا على حكم الاسلاميين، ففي أفغانستان دعم الغرب ودول أخرى شرقية (كالهند وروسيا) الأقليتين الشيعيتبن الاسماعيلية والامامية لحمل السلاح ضد طالبان والتمرد عليها كما دعموا الطاجيك وغيرهم من الأقليات العرقية في افغانستان للتمرد على طالبان وشن حرب متواصلة عليها باعتبار أن أغلبية طالبان هي من الأغلبية التي تمثلها قبائل البشتون.

 

وفى السودان دعمت أوروبا والولايات المتحدة واسرائيل ودول عربية تمرد المسيحيين والوثنيين في جنوب السودان إلى أن انفصلوا بالجنوب باسم دولة جنوب السودان، كما دعموا قبائل أفريقية في دارفور ضد الأغلبية العربية التي تحكم في الخرطوم، واستخدمت الولايات المتحدة الأكراد في العراق وسوريا للهجوم على الدولة التي أنشأها تنظيم الدولة الاسلامية وقدمت لهم المال والسلاح والتدريب والمساندة الجوية والاستخباراتية بجانب مستشاريين عسكريين وأمنيين ليقوموا بهذه الحرب ضد حكم تنظيم الدولة.

 

3- اقامة تحالف دولي أو إقليمي لشن غزو على الدولة التي يحكمها اسلاميون، وحدث هذا قبى أفغانستان عام 2001 وفى سوريا والعراق منذ 2014 وفى الصومال في 2006، كما كان الضوء أخضر دائما لإسرائيل لشن حروبها على غزة فضلا عن الحصار الاقتصادي الإقليمي المضروب برا وجوا وبحرا على غزة.

 

4- إعطاء الضوء الأخضر من أوروبا والولايات المتحدة لإجراء انقلاب عسكري داخلي ضد حكم الاسلاميين وهذا حدث بمصر 2013 وقبلها في الجزائر عام 1992 عندما فازت جبهة الانقاذ الاسلامية بأغلبية مقاعد البرلمان في الانتخابات وذلك لمنعها من الوصول للحكم بالجزائر كما استخدمت آلية الانقلاب العسكري مرارا في تركيا للحفاظ على النمط العقيدي الذي رسخه أتاتورك في تركيا.

 

الدروس المستفادة

 

وبعد استقراء كل هذه التجارب للإسلاميين في الحكم فمن الواضح أن الإسلاميين ليس من الصعب أن يصلوا للحكم في دولة ما لأنهم سبق واستخدموا آليات الوصول للحكم الشائعة ونجحوا فيها كلها ولكنهم لن يتمكنوا من النجاح في الاحتفاظ بالحكم ما لم يستنسخوا التالي:

 

النجاح الأمني السوداني لإحباط الانقلابات العسكرية المضادة مع التعلم من سلبيات التجربة فيما يتعلق بحقوق الانسان، مع ملاحظة أن النظام السوداني ظل لفترة طويلة تحت ضغط تآمر معظم أجهزة المخابرات العالمية والإقليمية الكبرى ضده لخلعه من الحكم لكنه نجح ضدها كلها لسنوات طويلة.

 

النجاح الأمني والسياسي لحماس في غزة وحزب العدالة والتنمية في تركيا في التصدي للانقلاب العسكري المضاد بعيد انطلاقه.

 

النجاح الأمني والعسكري لطالبان ضد المعارضة الشمالية والأخرى الشيعية في أفغانستان.

 

النجاح الاقتصادي لحزب العدالة والتنمية في تركيا مع ملاحظة أنه لم يعمل ولم ينطلق من منطلقات إسلامية بسبب ظروفه المحلية والإقليمية بل والدولية وربما بسبب طبيعة التفكير الاقتصادي لقادته ولكن الدرس هنا هو النجاح الاقتصادي ولكن ليكن مختلفا فينطلق من مرجعية ومفاهيم إسلامية ويتقيد بتعاليم الإسلام الاقتصادية.

 

التعلم من الاخفاق السوداني في الحفاظ على وحدة السودان وهذا أمر لا يمكن حله أمنيا وعسكريا فقط بل يحتاج لاستراتيجية مناسبة لاحتواء الأقليات الدينية والعرقية واقناعها سياسيا واقتصاديا بالحفاظ على وحدة البلاد على أن تعتمد هذه الوحدة على العدل الإسلامي، فليس مناسبا أن تقوم هذه الاستراتيجية على استجداء رضا الأقليات على حساب تعاليم الإسلام أو المصالح العادلة للأغلبية ولكن لابد أن ترتكز هذه الاستراتيجية على إقامة العدل وإعطاء كل ذي حق حقه سواء كان أغلبية أم أقلية، كما ينبغي أن تواجه هذه الاستراتيجية الجانب التآمر من تمرد الأقليات بما يناسبه من العمل الأمني ونحوه بشرط ألا يكون ذلك على حساب الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في هذه الاستراتيجية بل ينبغي ان تتكامل جميع الجوانب مع بعضها البعض في هذه الاستراتيجية ولا يزيد أي جانب منها عن حده المناسب.

 

التعلم من فشل حكم الاخوان بمصر في إجراء تطهير للفساد الإداري المستشري في هياكل الدولة وإن قصرت فترة حكمهم لأنه معروف أن خصومك لن ينتظروك حتى تتأهب لهم على مهل منك وتراخى.

 

وكذلك التعلم من فشلهم في توسيع قاعدتهم الشعبية وكذا فشلهم في قيادة الشعب لتحقيق أهداف وشعارات ثورة 25 يناير بعد يوم تنحى مبارك عن الحكم في 11 فبراير 2011.

 

التعلم من نجاح حزب العدالة والتنمية في تركيا في قيادة الشعب والحفاظ على أغلبية مريحة في كافة الانتخابات منذ 2004 وحتى اليوم، وكذا التعلم من فشل حزب العدالة في استقطاب قوى مهمة من الشعب لتأييده إذ مازالت شعبية الحزب في تركيا تتراوح بين 42 % و 52 %، وهو أمر غير كافي ويستحب أن يكون أي حزب إسلامي أكثر قدرة على تحصيل تأييد شعبي أوسع بما في ذلك الحصول على رضا قطاع واسع من الأقليات الدينية والعرقية بجانب قطاع واسع من المختلفين فكريا من طوائف الشعب المختلفة عبر طرح فكرى مناسب لتحقيق هذا التأييد الشعبي بجانب ممارسات سياسية وقضائية واقتصادية واجتماعية وثقافية تقوم على العدل والتسامح وقبول التعدد وتحويل الخلاف لمجرد تنوع لا يقدح في وحدة المجتمع والدولة بل يفيد ويثرى الدولة والمجتمع بما يقنع الأكثر بتأييد الحزب أو الحركة الإسلامية.

 

التعلم من نجاح أردوغان في مداراة النظام الدولي والإقليمي لمدة امتدت لـ 14 عاما (منذ 2004 وحتى 2016 حيث اندلع ضده انقلاب عسكري محكم وضخم وكان مقبولا من أوروبا والولايات المتحدة لكنه فشل) ثم سيره في تجربة مداراة أخرى منذ فشل الانقلاب وحتى الآن ولكنها مداراة بأسلوب آخر وغير معلومة نتائجها حتى الآن مع ملاحظة أن كل ما فعله أردوغان بشأن النظام الدولي والإقليمي لم ينجح إلا في أمرين جوهريين:

 

1- منع غزو أجنبي لبلاده بغرض إسقاط حزب العدالة من الحكم بعكس ما حدث في أفغانستان والصومال وسوريا والعراق (مع تنظيم الدولة) حيث أُسقِطَ الاسلاميون في هذه الدول بغزو خارجي مكون من تحالف دولي وإقليمي.

 

2- إقامة تعاملات اقتصادية ضخمة مع القوى الإقليمية والدولية مكنته من رفع معدل التنمية الاقتصادية رغم عدم رضا هذه القوى عن العديد من مواقفه السياسية.

 

مع ملاحظة أن كل ما فعله أردوغان لم يمنع ولن يمنع محاولات الانقلاب العسكري المدعوم خارجيا ضده ولا محاولات تفجير حرب أهلية داخل تركيا بدعم خارجي كما أن السعي مستمر لتقسيم تركيا أو اقتطاع أجزاء منها لصالح الكرد ولكن حزب العدالة تمكن من خداع العالم وتأجيل إثارة عداوة قوى الهيمنة الدولية إلى أن أصبح متمكنا أمنيا وعسكريا من التصدي لهذا كله حتى الآن، ولا يمكننا التكهن بمدى استمرارية هذا الصمود في منع تقسيم تركيا أو إثارة حرب أهلية بها أو القيام بانقلاب عسكري آخر.

 

ومن هنا نلحظ الفرق بين حزب العدالة والتنمية في تركيا وبين دولة حركة الشباب في الصومال ودولة تنظيم الدولة في سوريا والعراق فحزب العدالة والتنمية كان ومازال يحاول خداع قوى الهيمنة الدولية حتى تتركه وشأنه كي يبنى قدراته الذاتية ليصل لمرحلة القدرة الكاملة بحيث لا يخشى أي قوة في العالم وحتى عندما انكشفت ميوله الإسلامية واتجاهه للإفلات من التبعية لقوى الهيمنة الدولية فإنه مازال يسعى لعدم استفزاز هذه القوى الدولية وحلفائها الإقليميين بقدر ما يستطيع ويقدم في سبيل ذلك الكثير من التنازلات والمهادنات والخداع، والعدالة والتنمية في هذا هو عكس الجهاديين كحركة الشباب في الصومال وتنظيم الدولة ونحوهما الذين دأبوا على استفزاز قوى الهيمنة الدولية بشكل لا يدع أمامها مجالا لتأجيل مواجهتها معهم، ولقد كانت طالبان تسير على خط عدم استفزاز القوى الدولية والإقليمية ولكن تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن رحمه الله ورطها بغير رغبة منها في مواجهة العالم كله عندما خطط وقاد هجمات 11 سبتمبر 2001 من خلال وجوده بأفغانستان وقد تفطنت السودان مبكرا لمثل هذا الخطر ورضخت للضغوط الدولية والإقليمية وأبعدت أغلب المنظمات الجهادية من أراضيها بمنتصف التسعينات من القرن العشرين وكان من ضمن من أبعدتهم تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن. 

 

وتقدم حماس نموذجا متميزا وعجيبا في هذا المجال فهي لا يمكنها وضعها السياسي والتاريخي أن ترضح لإسرائيل ولا لأمريكا ولا لذيولهما وفى نفس الوقت فإنها حافظت على شعرة تفصلها عن الاستفزاز وفى نفس الوقت تبقيها رافضة للرضوخ لإسرائيل والولايات المتحدة، كما أن حماس ضربت مثالا استراتيجيا مبدعا في استراتيجيتي الدفاع والردع، ففي الدفاع نلاحظ أن عدوها الخارجي لم يتمكن من اجتياحها واحتلالها في حربين 2008 ثم 2012 بعكس نجاح الاجتياح الخارجي ضد أفغانستان ودولة تنظيم الدولة بسوريا والعراق ودولة الشباب (وقبلهم المحاكم الاسلامية) في الصومال وبعدهم مناطق تنظيم القاعدة بشبوة في اليمن كل هذا رغم محدودية موارد حماس المحاصرة في غزة.

 

وفى مجال استراتيجية الردع نجحت حماس رغم الحصار وقلة الموارد في تطوير سلاح للردع وهو الصواريخ أرض-أرض والأنفاق التي تخفي الصواريخ وتحميها، وفى البداية جلبت الصواريخ بالتهريب ثم بعد ذلك صارت تهرب مستلزمات الانتاج وتنتجها بنفسها وهو أمر مهم لأنها ستنتج كميات أكثر بحسب حاجتها، وصحيح أن قدرتها على تحقيق ردع إسرائيل هو أسهل مما تحتاجه دول أخرى بسبب قرب المواقع الإسرائيلية المستهدفة من غزة بحيث يكفى حماس أن تحوز صاروخا قصير المدى لا يزيد مداه عن "80 كم" كي تتمكن من استهداف أقصى شمال اسرائيل، ولكن عندما تصنع هذا الصاروخ البسيط وأنت محاصر ولا تجد قوت يومك فهنا أنت فعلت ما يوازى صنع صاروخ مداه "ألف كم" وأنت تملك المال والموارد ولا يحاصرك أحد.

 

ومارست حماس الردع ضد إسرائيل بكل النضج في الفكر الاستراتيجي لدى قادتها فلم يتهوروا ويقصفوا اسرائيل بمجرد شعورهم بقوة حيازة مثل هذا السلاح الموجع لإسرائيل بل حتى وهم تحت القصف والعدوان الإسرائيلي مارسوا استخدام سلاح الردع هذا بحسب القواعد الاستراتيجية العلمية السليمة من التدرج والتكافؤ والاقتصاد، وهذا أمر معتاد في الفكر الاستراتيجي بالعالم كله لكنه غير معتاد عند قادة إسلاميين اعتادوا الاندفاع العسكري وإفراغ كل ما في الجعبة في أقرب وقت وممارسة الاستفزاز دون إعطاء العدو الفرصة لينسحب أو يتوقف عن العدوان وقد أشرنا لهذا فى مقال سابق مهم جدا هنا.

 

وبشكل عام فإن الإسلاميين مدعوون لتجديد وتطوير فكرهم الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والدعوى والإعلامي بشأن الوصول للحكم وممارسة الحكم وتقديم رؤى ابداعية في كل هذه المجالات فهذه المجالات لا يصلح معها تقليد أي تجربة سابقة تقليدا نمطيا متطابقا بل تؤخذ تجارب التاريخ القريب والبعيد كنبراس يهتدى به في ابداع استراتيجيات جديدة ومناسبة في كل المجالات بحسب خصوصيات الجغرافيا والزمن اللذان سيجرى فيهما التطبيق.

 

فضلا عن أن كثيرا من الاستراتيجيات لا يصلح تكرارها لأن خصمك قد كشفها عندما طبقت أول مرة وقد وضع خططا وتصورات تحصنه منها وتمكنه من التصدي لها وإحباطها إن حاول أحد تطبيقها مرة أخرى فكثير من الأمور لا تصلح للتطبيق سوى لمرة واحدة بلا تكرار.

عبد المنعم منيب

صحفي و كاتب إسلامي مصري

  • 15
  • 0
  • 8,260
  • دكتور محمد صبري ميدان

      منذ
    بسم الله الرحمن الرحيم - جزاك الله خيرا - الشيخ عبد المنعم لكتابة هذا المقال المنطقى و التحليل الصائب لفشل الحكم الإسلامي - أتمني أن يقرأوا هذا المقال و يعتبروا من أخطاء الماضي - اللهم أنصر الإسلام و أعز المسلمين

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً