أساطير أزالتها الثورات العربيّة
الثورات العربية الأخيرة كشفت زيف هذه الادّعاءات كلها، وأسقطت تلك النظريات المضلّلة، بل إن المثير للدهشة أن البلاد العربية التي شهدت هذه الثورات المتتالية والتي عانت فيها الشعوب من القتل والترويع من قبل أجهزة الأمن والبلطجية ...
عندما فاجأت ثورة الشعب الليبي معمر القذافي، واهتزت الأرض تحت قدمه
هو وعصابة أبنائه، فأقدم على ارتكاب مذابح دموية اهتز لها ضمير
العالم، وقرر معاقبته بعد الحرج الذي سببه للجميع، راح القذافي يروّج
للعالم الخارجي أن الذين ثاروا عليه هم إرهابيون مدعومون من تنظيم
القاعدة، ثم بعد ذلك قال إن عناصر من تنظيم حزب الله اللبناني يدربون
الثوّار، وما زال يروّج هذه الأكاذيب حتى الآن، على الرغم من أن
العالم كشف الأسطورة، ولم يعد يعبأ بها.
وعندما فاجأت ثورة الشعب السوري بشار الأسد ونظام البعث الدموي،
وارتكب مذابح ما زالت مستمرة حتى الآن ضد شعبه، مستعينًا بالبلطجية
وقوات الأمن، مما جعل العالم يبدي غضبه وقلقه من هذه الوحشية، راح
يروّج أمام العالم الخارجي أن هؤلاء الذين يثورون عليه هم من التيارات
السلفية المتشدّدة، وأنهم مدفوعون من الخارج.
ومن قبل الاثنين عندما فاجأت ثورة الشعب المصري حسني مبارك، وبدأ
يطلق رجال أمنه على الشعب ليقتلوا المئات، وكان يعتزم ارتكاب مذابح
للآلاف لولا أن الشرفاء في المؤسسة العسكرية رفضوا الانصياع
لتوجيهاته، أراد أن يخدع العالم الخارجي بالحديث عن أن المتظاهرين في
ميدان التحرير وغيره هم من المتشدّدين، وأنهم مخترقون من منظمات
أجنبية مثل القاعدة وحماس وحزب الله اللبناني، وراحت أجهزة إعلامه
تروّج أساطير عن هذه الشخصيات الوهمية التي تمّ ضبطها في ميدان
التحرير.
وكذلك فعل زين العابدين بن علي في تونس قبل الإطاحة به ومحاولة
الترويج بأن من قاموا عليه هم المتطرفون الظلاميون الدينيون.
هذه الظواهر المتطابقة بين الطغاة والديكتاتوريات العربية التي زالت
والتي في طريقها إلى الزوال -بإذن الله- لتأذن بفجر الحرية أن يعود
إلى بلاد العرب والمسلمين، تكشف عن أن أحد أركان الدعاية السوداء التي
كانوا يستخدمونها للحصول على دعم ومساندة الغرب لأنظمتهم المستبدة، هو
الادّعاء بأن شعوبهم مخترَقة من المتطرفين والإرهابيين، وأنهم هم حائط
الصدّ الأساس ضد هذا الطوفان المتطرّف، حسب زعمهم.
الثورات العربية الأخيرة كشفت زيف هذه الادّعاءات كلها، وأسقطت تلك
النظريات المضلّلة، بل إن المثير للدهشة أن البلاد العربية التي شهدت
هذه الثورات المتتالية والتي عانت فيها الشعوب من القتل والترويع من
قبل أجهزة الأمن والبلطجية كما شهدت انفلاتًا أمنيًّا واسعًا، لم تشهد
هذه البلاد طوال تلك الأحداث الممتدة منذ خمسة أشهر تقريبًا حتى الآن،
أيّ عمليات إرهابية تُذكر، بل إن مستوى العنف والإرهاب في العالم كله
تقلّص طوال تلك الفترة إن لم نقل إنه انعدم، وهي الحقيقة التي ربما
تكشف لنا عن أن بعض الأعمال التي تُنسب إلى منظمات إرهابية مجهولة أو
معلومة كانت من صناعة تلك الديكتاتوريات الزائلة بالفعل، لتعزيز فزع
العالم الغربي من حرية الشعوب العربية وتعزيز الدعاية بأن
الديموقراطية ستأتي لهم بالإرهابيين والظلاميين والمتشدّدين.
وأتصور إن تصريحات وزير الخارجية الفرنسي الأخيرة التي قال فيها إن
بعض الحكومات العربية ضللتنا عن فهم شعوب المنطقة وأشواقها وحركاتها
الاجتماعية والدينية، يأتي في سياق هذا الكشف المهم، وأتصور أيضًا أن
تلك الحقيقة وذلك التحول يقتضي من التيار الإسلامي أن يكون أكثر
إحساسًا بالمسؤولية في مواقفه وتصريحاته، وأن يبذل المزيد من الجهد من
أجل الحوار والتواصل مع العالم الخارجي، ثقافيًّا وسياسيًّا
وإنسانيًّا أيضًا.
السبت 19 جمادى الأولى 1432 الموافق 23 إبريل 2011 م
- التصنيف:
كلثوم صلاح
منذ