مع القرآن - قَالَ رَبِّ نَجِّنِي

منذ 2017-09-29

فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)

بين خروجه خائفاً و قوله (رب نجني) وبين طمئنة صاحب مدين له بقوله (لَا تَخَفْ نَجَوْتَ) كان التوكل على الله هو ربان قلبه .

توجه موسى إلى أرض مدين خائفاً موعوداً بالقتل , فما كان منه إلا أن وجه قلبه إلى الله و بلسان خاشع دعاه (عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) .

لم يخلع أخلاقه أو يتخل عن مبادئه و إنما كان ذا عزم و هو في أحلك المواقف , فلما رأى ما يجري من تخلي القوم عن فتاتين ضعيفتين تقدم مقدماً يد العون دون انتظار أجر أو حتى شكر .

و كانت طمئنة الوالد لزوج ابنته المستقبلي بالنجاة من أجمل اللحظات في تلك الساعات العصيبة .

قال تعالى :

{فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) } [ القصص]

قال السعدي في تفسيره :

{ {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ} } أي: قاصدا بوجهه مدين، وهو جنوبي فلسطين، حيث لا ملك لفرعون، { { قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ } } أي: وسط الطريق المختصر، الموصل إليها بسهولة ورفق، فهداه اللّه سواء السبيل، فوصل إلى مدين.

{ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ } مواشيهم، وكانوا أهل ماشية كثيرة { { وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ} } أي: دون تلك الأمة { { امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ} } غنمهما عن حياض الناس، لعجزهما عن مزاحمة الرجال وبخلهم، وعدم مروءتهم عن السقي لهما.

{ {قَالَ} } لهما موسى { {مَا خَطْبُكُمَا } } أي: ما شأنكما بهذه الحالة، { {قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} } أي: قد جرت العادة أنه لا يحصل لنا سقي حتى يصدر الرعاء مواشيهم، فإذا خلا لنا الجو سقينا، { { وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } } أي: لا قوة له على السقي، فليس فينا قوة، نقتدر بها، ولا لنا رجال يزاحمون الرعاء.

فرق لهما موسى عليه السلام ورحمهما { {فَسَقَى لَهُمَا} } غير طالب منهما الأجرة، ولا له قصد غير وجه اللّه تعالى، فلما سقى لهما، وكان ذلك وقت شدة حر، وسط النهار، بدليل قوله: { {ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} } مستريحا لذلك الظلال بعد التعب.

{ {فَقَالَ} } في تلك الحالة، مسترزقا ربه { {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } } أي: إني مفتقر للخير الذي تسوقه إليَّ وتيسره لي. وهذا سؤال منه بحاله، والسؤال بالحال أبلغ من السؤال بلسان المقال، فلم يزل في هذه الحالة داعيا ربه متملقا. وأما المرأتان، فذهبتا إلى أبيهما، وأخبرتاه بما جرى.

فأرسل أبوهما إحداهما إلى موسى، فجاءته { { تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} } وهذا يدل على كرم عنصرها، وخلقها الحسن، فإن الحياء من الأخلاق الفاضلة، وخصوصا في النساء.

ويدل على أن موسى عليه السلام، لم يكن فيما فعله من السقي بمنزلة الأجير والخادم الذي لا يستحى منه عادة، وإنما هو عزيز النفس، رأت من حسن خلقه ومكارم أخلاقه، ما أوجب لها الحياء منه، فـ { {قَالَتِ} } له: { { إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } } أي: لا لِيمُنَّ عليك، بل أنت الذي ابتدأتنا بالإحسان، وإنما قصده أن يكافئك على إحسانك، فأجابها موسى.

{ {فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ} } من ابتداء السبب الموجب لهربه، إلى أن وصل إليه { {قَالَ} } مسكنا روعه، جابرا قلبه: { { لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} } أي: ليذهب خوفك وروعك، فإن اللّه نجاك منهم، حيث وصلت إلى هذا المحل، الذي ليس لهم عليه سلطان.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 2
  • 0
  • 10,742
المقال السابق
أي الرجلين أنت ؟
المقال التالي
قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً