شرح حديث: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس
هذا الحديث هو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام؛ إذ الزهد في الدنيا فيه محبة الله، والزهد فيما عند الناس فيه العزة والعفة ومحبة الناس.
عن أبي العباس سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، دلني على عملٍ إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال: «ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس»؛ حديث حسن، (رواه ابن ماجه وغيره بأسانيدَ حسنة).
ترجمة الراوي:
سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة، الإمام الفاضل المعمَّر، بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو العباس الخزرجي الأنصاري الساعدي، وكان أبوه من الصحابة الذين توفُّوا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، كان سهل يقول: شهدت المتلاعنين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة.
وقال ابن حبان: كان اسمه حزنًا، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلًا.
وقال عبيدالله بن عمر: تزوج سهل بن سعد خمس عشرة امرأة.
ويروى أنه حضر مرة وليمة، فكان فيها تسعٌ من مطلقاته، فلما خرج وقَفْنَ له وقلن: كيف الحال يا أبا العباس؟!
وهو آخر مَن مات بالمدينة من الصحابة، توفي سنة إحدى وتسعين، ومروياته مائة حديث وثمانية وثمانون حديثًا[1].
منزلة الحديث:
• هذا الحديث هو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام؛ إذ الزهد في الدنيا فيه محبة الله، والزهد فيما عند الناس فيه العزة والعفة ومحبة الناس.
• قال ابن رجب رحمه الله: قد اشتمل هذا الحديث على وصيتين: إحداهما: الزهد في الدنيا، وأنه مقتضٍ لمحبة الله عز وجل، والثانية: الزهد فيما في أيدي الناس؛ فإنه مقتضٍ لمحبة الناس[2].
غريب الحديث:
• ازهد: من الزهد، وهو الإعراض عن الشيء احتقارًا له.
شرح الحديث:
((يا رسول الله، دلني على عملٍ إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس))، وهذا الطلب لا شك أنه مطلب عالٍ يطلب فيه هذا السائل ما يجلب محبة الله له، وما يجلب محبة الناس له، ((فقال)) الرسول صلى الله عليه وسلم: «ازهد في الدنيا يحبك الله» الزهد: ترك ما لا يحتاج إليه من الدنيا، وإن كان حلالًا، والاقتصار على الكفاية، والورع ترك الشبهات، وقالوا: أعقل الناس: الزهاد؛ لأنهم أحبوا ما أحب الله، وكرهوا ما كره الله من جمع الدنيا، واستعملوا الراحة لأنفسهم، وقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة أن يكون بلاغ أحدهم من الدنيا كزاد الراكب، منهم سلمان وأبو عبيدة بن الجراح وأبو ذر وعائشة[3]، ووصى ابن عمر أن يكون في الدنيا كأنه غريب أو عابر سبيل، وأن يعد نفسه من أهل القبور[4].
وقال الشافعي رحمه الله في ذم الدنيا:
«وازهد فيما عند الناس»؛ أي: أعرض عما في أيديهم من الدنيا «يحبك الناس»؛ أي: لأنهم منهمكون على محبتها بالطبع، فمن زاحمهم عليها أبغضوه، ومن زهد فيها وتركها لهم أحبوه.
قال الحسن البصري رحمه الله: لا تزال كريمًا على الناس، ولا يزال الناس يكرمونك ما لم تعاط ما في أيديهم، فإذا فعلت ذلك استخفوا بك، وكرهوا حديثك، وأبغضوك.
وقال أبو أيوب السختياني: لا ينبل الرجل حتى تكون فيه خصلتان: العفة عما في أيدي الناس، والتجاوز عما يكون منهم.
ومن زهد فيما في أيدي الناس وعف عنهم، فإنهم يحبونه ويكرمونه لذلك، ويسود به عليهم، كما قال أعرابي لأهل البصرة: من سيد أهل هذه القرية؟ قالوا: الحسن، قال: بِمَ سادهم؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه، واستغنى هو عن دنياهم.
الفوائد من الحديث:
1- حرص الصحابة رضي الله عنهم على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عمَّا ينفعهم.
2- أن الإنسان بطبيعة الحال يحب أن يحبه الله، وأن يحبه الناس.
3- الزهد في الدنيا من أسباب محبة الله تعالى، ومن أسباب نيل محبة الناس الزهد فيما في أيديهم.
4- دل على أن الناس يكرهون من طلب منهم وسألهم ما في أيديهم.
- التصنيف:
- المصدر: