إي وربي إنه لكبر..

منذ 2017-11-01

النصيحة كلمة حلوة وهدية ثمينة تأخذ موقعها ووقتها وظرفها المناسب.. حتى لو نهرته يعلم فيض الطيب وخالص المودة وشفقة الأخ الرحيم تبدو في غضبك محبة له، فلا يشك فيها لحظة.

إذا نصحك أخوك فتغيرت عليه من بعدها ونقصَت محبتك واحترامك له، وأضمرت له بغضاء أو عداوة! أو وجدت ذلك يتسلل الى قلبك..

أو ينصحك أخوك فتملأ الدنيا صخبا وضجيجا وتشتكي للناس بما نصحك به، حتى يقولون له: لماذا قلت لفلان كذا..؟ وماذا قلت له..؟ وما هي المشكلة بينك وبينه؟!!

ينصح آخر فتُخرج له عيبا مقابلا لعيبك حتى تتساويا فتَخرج من (مذلة!) النصح.. (هكذا يرى البعض أو يظن، بينما يُهديك أخوك هدية قد تنقذك من النار أو تمنع قبحا في شخصيتك وتصرفك..)

ينصحك شخص فتقاطعه..!

ينصحك شخص فيتورط! ويرى أنه وقع في مأزق، وعليه أن يأتيك بالأدلة، وتبادله دليلا بدليل وحجة بحجة وبرهانا بآخر، صياحا وجدالا، وتدخله في أزمة وحِجاج حتى يزهد في نصحك ويندم، ويرى أن من السلامة له ألا يتورط في نصحك ثانية..!

أو ينصحك ناصح فتحتفظ بنصيحته وتخبئها له؛ حتى إذا رأيت ما يتخايل لك أنه مخالفة فتقول له ـ فرحا مسرورا متشفياـ: هذه بتلك، أتذكر يوم نصحتني بكذا وكذا..؟!

ينصحك إنسان فتخسره، ويخسرك..!

أو ينصحك آخر فتمرر الموقف وتبقى كما أنت كأنه لم يقل شيئا..!

ينصحك عبد فتمرر الكلام كأن لم تسمعه وتغير الموضوع في أنفةٍ رافضا للإستجابة بل لفتح الأمر والاستجابة له..!

ينصحك أحد فتفلسف خطأك بأنه (غلبان) أو (محدود الفهم) ولا تقبل؛ بل تستعلي على الأمر وتفلسف أخطاءك في عليائك..!

على نفس المنوال.. وفي آخر المشوار: يُنصح طاغية فيقتل من نصحه..!!

إن سألت أكِبْر هذا، فنعم؛ إي وربي إنه لكِبْر مهما أنكروا..

كل هذا بعض تطبيقات كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عميقة العلم، قاعدة الفهم، واسعة المجالات ومتنوعة التطبيق في تعريف الكِبر أنه «بطَر الحق وغمط الناس». دفع الحق وعدم قبوله واحتقار الناس..

وفي المقابل..

فكل هذا مشروط بحسن النصيحة ومراعاة شروطها وموقع قبولها وعدم الإكثار على الشخص؛ فلا تعُدّ له (من واحد الى عشرة) من الأخطاء والمواقف تتتبّعها وتحفظ أخطاءه..! فهذا مقلق عليك أنت، لا عليه هو؛ وهو صخر يُرمى به لا نصيحة تُساق الى قطعة منك (أخيك)؛ فانتبه.

إنما النصيحة كلمة حلوة وهدية ثمينة تأخذ موقعها ووقتها وظرفها المناسب.. حتى لو نهرته يعلم فيض الطيب وخالص المودة وشفقة الأخ الرحيم تبدو في غضبك محبة له، فلا يشك فيها لحظة..

ولو رأيت الرجل الْتقط النصيحة وفهمها واستجاب لها فلا تضغط ولا تكرر ولا تتمادى بل من لمَح الحق ولحَظه وبادر الى القبول والموافقة فاصرف الكلام الى حديث آخر..

وإذا نصحت فلا تظن نفسك أعلى ولا أنه أقل؛ بل هي (هدية مردودة، يتبادلها أخَوان).

اعلم أنك دوما بين هذين الرجلين مرة تقدم النصيحة فالتزِم أدبها، ومرة تتوجه اليك النصيحة فالْزم أدب قبولها..

لا تتفلسف ولا تغضب، ولا تبطر الحق وتدفعه، ولا تغمط أخاك وتحتقره، بل قد تأتيك من صغير السن بل من فاسق، بل من غير مسلم! (نِعم القوم أنتم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشئت) وقد قبِلها رسول الله والمسلمون..

احذر أن تخطيء في توجيه النصيحة..

واحذر أن تتأخر في إدراك أن بك كِبرا قبيحا ومرذولا؛ يراه الجميع وتتأخر أنت كثيرا في رؤيته.. فالكِبْر قبيح دميم، وصورة الأخلاق غالبة لصورة محاسن الوجه..

فكن لله عبدا، ولعباده خافضا لجناح الرحمة والتواضع والقبول..

مدحت القصراوي

كاتب إسلامي

  • 0
  • 0
  • 2,748

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً