توحيد الألوهية - (5) الولاء والبراء

منذ 2017-12-19

فالولاء لغةً: النُّصرة والمحبَّة؛ كما في لسان العرب.. والبَراء في اللغة: قال ابن الأعرابي: بَرِئ إذا تخلَّص، وبَرِئ إذا تنزَّه وتباعَد، وبَرِئ إذا أعذَر وأنذَر،

(5) الولاء والبراء

لقد مرَّ معنا أنَّ كلمة التوحيد بمعناها ومفهومها الشامل، قد غابَت عن واقع كثيرٍ من المسلمين - إلاَّ مَن رَحِم الله - ومن بين هذه المعاني والمفاهيم التي غابَت وتلاشَت - مع بُعد المسلمين عن معاني هذه الكلمة العظيمة - مفهومُ الولاء والبَراء، مع أنه لا يُمكن بحالٍ أن تتحقَّق كلمة التوحيد إلاَّ بتحقيق الولاء لله ورسوله والمؤمنين، والبراء من الشِّرك والمشركين؛ فإنه لا يُمكن أن يستقرَّ في قلب واحدٍ الإقرارُ بالتوحيد، وأنه دينُ الله، ثم يُعاديه، ويَعرف أن الشِّرك هو الكفر، ثم يُواليه ويَذبُّ عنه وعن أهله باللسان والمال والسِّنان، فهذا الفعل من أعظم الذنوب وأكبر الآثام.-تعالى-

 -تعالى-

إنه لا يَصِح للمؤمن دينٌ إلاَّ بمُوالاة أهل التوحيد، ومُعاداة أهل الكفر والضلال والبَراء منهم، إنها قضيَّة خطيرة، قضيَّة إيمانٍ وكفرٍ؛ كما قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 51].-تعالى-

 -تعالى-

وحتى تتَّضح الرؤية في هذه المسألة الخطيرة، فلا بدَّ من توضيح معنى الولاء والبَراء لغةً واصطلاحًا، فالولاء لغةً: النُّصرة والمحبَّة؛ كما في لسان العرب، والولي: الصديق والنصير، والمولى: الناصر والمحب والتابع، والوَلاية - بالفتح - في النَّسب والنُّصرة والعِتق، والمُوالاة -بالضم - من وَلِي القوم، قال الشافعي في قوله -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه أحمد والترمذي وصحَّحه الألباني: ((مَن كنتُ مولاه، فعليٌّ مولاه)): يعني بذلك ولاءَ الإسلام؛ كقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ﴾ [محمد: 11]. والموالاة ضد المُعاداة، والولي ضد العدو؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾ [مريم: 45].-تعالى-

 -تعالى-

وأمَّا تعريف الولاء بالمعنى الاصطلاحي، فقد ورَدت عدَّة تعاريف للولاء بمفهومه الشرعي، وكلها تدور حول المحبَّة والنصرة، والمعاونة والتقرُّب وإظهار الود، فموالاة الكفَّار تَعني التقرُّب إليهم، وإظهار الودِّ لهم، بالأقوال والأفعال والنيات.-تعالى-

 -تعالى-

والبَراء في اللغة: قال ابن الأعرابي: بَرِئ إذا تخلَّص، وبَرِئ إذا تنزَّه وتباعَد، وبَرِئ إذا أعذَر وأنذَر، ومنه قوله تعالى: ﴿ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [التوبة: 1]؛ أي: مما أعذَر وأنذَر، والبَراء والبَريء سواء.-تعالى-

 -تعالى-

وأمَّا البَراء بالمعنى الاصطلاحي، فهو البُعد والخلاص والعَداوة بعد الإعذار والإنذار، وبالجملة فإنَّ الولاء أصلُه الحب، والبَراء أصله البُغض، ومفهوم الولاء والبَراء هو الصورة الفعليَّة العمليَّة للتطبيق الواقعي لعقيدة التوحيد، فلا يَصِح للمؤمن دينٌ إلاَّ بموالاة أهل التوحيد، ومُعاداة أهل الضلال، وبُغضهم والبراءة منهم.-تعالى-

 -تعالى-

وكم يَعتصر القلب كمدًا وغيظًا على غياب هذا المفهوم الضخم في حياة كثيرٍ من المسلمين في هذا العصرِ الذي اختلَطت فيه المفاهيم، وتبدَّلت فيه المعايير، وانقلَبت فيه الموازين، وانتكسَت فيه القلوب، فصار الولاء والحبُّ لأعداء الله تعالى، ووضَع كثيرٌ من المسلمين أيديهم في أيدي الكافرين، ومَنحوهم غاية المحبَّة والمودَّة، والمُناصرة والموالاة، ودافَعوا عنهم وعن مناهجهم وأفكارهم وقوانينهم، في الوقت الذي خذَلوا فيه أهل التوحيد والإيمان، وأخيرًا زاد الطين بِلَّة ما يَهذي به الجاهلون الساذجون - ممن يَنتسبون إلى الإسلام - من دعوى التقريب بين الأديان الثلاثة: الإسلام، والنصرانيَّة، واليهودية، تحت شعار: "الدين لله، والوطن للجميع"، مع علْمهم أنَّ اليهود قد حرَّفوا التوراة، وأنَّ النصارى قد بدَّلوا الإنجيل، فلا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم.-تعالى-

 -تعالى-

وهل من الممكن - يا عبيد الفكر الغربي - أن يلتقي الحق بالباطل، والكفرُ مع الإيمان، والله تعالى يقول: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 120]؟!-تعالى-

 -تعالى-

قال ابن القيِّم - رحمه الله - في النونيَّة:-تعالى-

أَتُحِبُّ أَعْدَاءَ الْحَبِيبِ وَتَدَّعِي

حُبًّا لَهُ مَا ذَاكَ فِي الإِمْكَانِ!

وَكَذَا تُعَادِي جَاهِرًا أَحْبَابَهُ

أَيْنَ الْمَحَبَّةُ يَا أَخَا الشَّيْطَانِ؟!

شَرْطُ الْمَحَبَّةِ أَنْ تُوَافِقَ مَنْ تُحِبْ 

بُ عَلَى مَحَبَّتِهِ بِلاَ نُقْصَانِ

فَإِنِ ادَّعَيْتَ لَهُ الْمَحَبَّةَ مَعْ خِلا

فِكَ مَا يُحِبُّ فَأَنْتَ ذُو بُطْلاَنِ

 -تعالى-

إنَّ المسلم الحقيقي هو الذي يتحلَّى بالمفاصلة الكاملة بينه وبين مَن يَنهج غير منهج الإسلام، فالمفاصلة واجبة بين كلِّ مسلمٍ وبين كلِّ مَن يرفع غير راية الإسلام، والمسلم مأمورٌ بألاَّ يَخلط بين منهج الله وبين أي منهجٍ آخرَ وضعي، لا في تصوُّره الاعتقادي، ولا في نظامه الاجتماعي، ولا في كلِّ شأنٍ من شؤون حياته، وإنَّ الفوارق بين الإسلام والكفر لا يُمكن الالتقاء عليها بالمصالحة أو المُصانعة أو المُداهنة، وإنَّ الذين يحاولون تمييع هذه المفاصلة الحاسمة باسم التسامح أو التقريب بين الأديان، أو التعايش السلمي - يُخطئون في فَهْمهم للدين الإسلامي، وفَهْمهم لمعنى التسامح الذي يقرُّه الإسلام، وفَهْمهم للتعايش السلمي الذي يتَّفق مع منهج القرآن الكريم.-تعالى-

 -تعالى-

إنَّ التسامح الذي أقرَّه الإسلام ضمن حدود معيَّنة مع غير المسلمين، ينبغي ألاَّ يكون على حساب إضعاف تميُّز المسلم في تصوُّره الاعتقادي ونظامه الاجتماعي، ولكنَّ بعض الخارجين على الإسلام يُحاولون عن جهلٍ أو سوء نيَّة - في الغالب - تمييعَ اليقين الجازم في نفس كلِّ مسلمٍ بأنَّ الإسلام والكفر ضدَّان لا يَلتقيان.-تعالى-

 -تعالى-

وينبغي لنا أن نعلمَ أنَّ الموالاة عند علماء الاصطلاح شيء، والبِر شيءٌ آخر، فلفظ الموالاة ليس مرادفًا للبر؛ لا في مدلول اللغة، ولا في مدلول الشرع، فدعوة الإسلام إلى السماحة في معاملة بعض الكفار والبر بهم، لا يَعني الموالاة لهم، فبسماحة الإسلام يتعامَل المسلم مع الناس جميعًا على أساس العدل والاحترام المتبادَل، دون محبَّة القلب للكفار، أو مودَّة ما هم فيه من الكفر.-تعالى-

 -تعالى-

والقضية التي نَختلف فيها مع غيرنا، هي قضيَّة الإيمان بهذا الدين؛ فمَن آمَن، أحْبَبناه ووالَيْناه، ومَن كفَر وفسَق، أبغضناه وعادَيناه.-تعالى-

 -تعالى-

فإن انقطاع رابطة العقيدة الإسلاميَّة، وآصرة الإيمان بين المسلم والكافر - موجبٌ للمفاصلة الحاسمة الجازمة، التي لا تَستبقي شيئًا من أواصر المحبَّة ووشائج المودَّة والقُربى مع مَن كفَروا بالله.-تعالى-

 -تعالى-

وقد انقَسَم الناس في هذا الزمان في تعامُلهم مع الكفار إلى ثلاثة أقسام: قسمٌ ناصرٌ لدين الله، مجاهدٌ في سبيل الله، موالٍ لأوليائه، مُعادٍ لأعدائه، وهم القليلون عددًا، الأعظمون أجرًا عند الله تعالى، وقسم خاذلٌ لأهل الإسلام، تاركٌ لمعونتهم، مُعتزلٌ عن الكفار، وقسم خارج عن الإسلام بمُظاهرة الكفار ومُناصرتهم؛ بالقول والفعل والاعتقاد، ومُعاداة أهل الحق ومُحاربتهم.-تعالى-

 -تعالى-

إنَّ كلَّ أنواع الموافقة للكفار مُوجبةٌ للرِّدَّة عن الإسلام - عياذًا بالله - ما عدا حالة واحدة وهي الإكراه؛ كما يقول الشيخ محمد بن عتيق: إنَّ موافقة المشركين تَنقسم إلى ثلاث حالات:-تعالى-

الأولى: أن يُوافقهم في الظاهر والباطن، فيَنقاد لهم بظاهره، ويَميل إليهم ويوادهم بباطنه، فهذا النوع كفرٌ يُخرج من الإسلام.-تعالى-

 -تعالى-

الثانية: أن يُوافقهم ويَميل إليهم بباطنه، مع مخالفته لهم في الظاهر، فهذا أيضًا كفرٌ، ولكن إذا عَمِل بالإسلام ظاهرًا، عُصِمَ مالُه ودمُه، وعُومِل بحسب ظاهره، وهذا هو المنافق الذي يُظهر الإسلام، ويُبطن مودَّة الكفار ومُناصرتهم.-تعالى-

 -تعالى-

الثالثة: أن يُوافِقَهم في الظاهر مع مخالفته لهم في الباطن، وهو على وجهين:-تعالى-

1- أن يفعل ذلك وهو في سُلطانهم وتحت ولايتهم، مع ضَرْبهم له، وتهديده بالقتل والتعذيب، ومع مباشرة التعذيب فعلاً، فإنه - والحالة هذه - يجوز له موافقتُهم في الظاهر، مع كون قلبه مطمئنًّا بالإيمان؛ كما جرى لعمار بن ياسر - رضي الله عنه - حيث أنزَل الله تعالى: ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾ [النحل: 106].-تعالى-

 -تعالى-

2- أن يُوافقهم في الظاهر مع مخالفته لهم في الباطن، وهو ليس في سلطانهم؛ وإنما حمَله على ذلك؛ إما طمع في رياسة أو مالٍ، أو مَشحَّة بوطنٍ أو عيالٍ، أو خوف مما يحدث في المال، فإنه في هذه الحال يكون مرتدًّا، ولا تَنفعه كراهيته لهم في الباطن، وهو ممن قال الله تعالى فيهم: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [النحل: 107].-تعالى-

 -تعالى-

فأخبَر الله تعالى أنه لَم يَحملهم على الكفر الجهلُ بالدين أو بُغضه، ولا محبَّة الباطل وأهله، وإنما هو أنَّ لهم حظًّا من حظوظ الدنيا، فآثَروه على الدين المُنزَّل من عند الله تعالى.-تعالى-

 -تعالى-

ولَمَّا كانت قضية الولاء والبَراء رُكنًا من أركان التوحيد، ومقتضى كلمة "لا إله إلا الله"، فقد كَثُر بيانها في القرآن والسُّنة، شأنها في ذلك شأن كلِّ قضايا العقيدة، وكَثُر بيان أحكامها ولوازمها، وما يترتَّب عليها في الدنيا والآخرة.-تعالى-

 -تعالى-

ومن خلال ما سَبَق تتَّضح لنا خطورة هذه المسألة، وأنها من أساسيات مُقتضيات كلمة التوحيد الضخام، ولهذه الخطورة وهذه الضخامة؛ فقد تضافَرت الأدلة من القرآن والسُّنة، وفِعل الصحابة الكرام على تحريم موالاة الكفار، ووجوب موالاة المؤمنين، ومن بين هذه الأدلة ما يلي:-تعالى-

1- قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 51].-تعالى-

 -تعالى-

قال حذيفة - رضي الله عنه -: "ليتَّقِ أحدُكم أن يكون يهوديًّا أو نصرانيًّا، وهو لا يشعر؛ لهذه الآية".-تعالى-

 -تعالى-

قال القرطبي: "مَن يُعاضدهم ويُناصرهم على المسلمين، فحكمُه حُكمهم في الكفر والجزاء، وهذا الحكم باقٍ إلى يوم القيامة، وهو قطْع الموالاة بين المسلمين والكافرين".-تعالى-

 -تعالى-

وقال ابن جرير شيخ المُفسرين: "والصواب من القول في ذلك عندنا، أن يُقال: إن الله تعالى نَهى المؤمنين جميعًا أن يتَّخذوا اليهود والنصارى أنصارًا وحلفاءَ على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأخبَر أنه مَن اتَّخذهم نصيرًا وحليفًا ووليًّا من دون الله ورسوله والمؤمنين، فإنه منهم في التحزُّب على الله ورسوله والمؤمنين، وأنَّ الله ورسوله منه بريئان".-تعالى-

 -تعالى-

2- قوله تعالى: ﴿ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 80 - 81].-تعالى-

 -تعالى-

فبيَّن - سبحانه - أنَّ الإيمان الحقيقي بالله ونبيِّه محمد -صلى الله عليه وسلم- مرتبطٌ بعدم مُوالاة الكفار وتَولِّيهم، فثبوت مُوالاة الكفار موجبٌ لعدم الإيمان أو نقْصه؛ لأنَّ عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم، ومن جهة أخرى فقد رتَّب الله تعالى على موالاة الكافرين سخطَه والخلود في العذاب، وأخبَر أنَّ موالاة الكافرين لا تَحصل من مؤمنٍ، فإنَّ أهل الإيمان يُعادونهم ولا يُوالونهم كما هو الواجب شرعًا.-تعالى-

 -تعالى-

3- قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [الأنفال: 73]؛ أي: إن لَم تُجانبوا الكفار، وتُوالوا المؤمنين، وتتميَّزوا عن المشركين - تقع فتنةٌ في الناس، وهي الْتباس الأمر واختلاط المؤمنين بالكافرين، فيقع الناس في حَيْرة التمييز بين الحق والباطل، فمن باب الوقاية والحماية وعدم التفريط في دين الأُمة، أن يُفصَل المجتمع المسلم فصلاً تامًّا عن أهل الكفر وعن مناهجهم، وأنْظِمتهم وأوضاعهم الشاذَّة، وأن يُبنى المجتمع الإسلامي على أساس الإسلام بناءً صحيحًا قويًّا، وبأيدٍ مسلمة مؤمنة قادرة، ذات اعتزازٍ بدينها، قادرة على التأثير دون التأثُّر في تعامُلها مع غير المسلمين.-تعالى-

 -تعالى-

4- قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ﴾ [آل عمران: 149 - 150].-تعالى-

 -تعالى-

ففي هذه الآية تحذير للمؤمنين من طاعة الذين كفَروا، فالمؤمن إمَّا أن يكون مستمرًّا على طريق الإيمان في جهاد الكفر والكفار، وعداوتهم وبُغضهم، وإمَّا أن يكون مرتدًّا على عَقِبيه كافرًا - والعياذ بالله - ومحالٌ أن يقفَ المسلم سلبيًّا بين الإسلام والكفر، فيحافظ على إسلامه، وينال رضا الكفَّار والسلامة من أذاهم.-تعالى-

 -تعالى-

إنه قد يُخيَّل إلى البعض أنه يستطيع أن يَنسحب من المعركة بين الإسلام والكفر، وأن ينضمَّ إلى القوي المنتصر في النهاية، فإن كان المنتصر كافرًا، سالَمه وأطاعَه، وخضَع له، وهو مع هذا كله يعتقد أنه محتفظٌ بدينه وعقيدته، وهو وهْمٌ وضلالٌ كبيرٌ.-تعالى-

 -تعالى-

5- قوله تعالى: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 120].-تعالى-

 -تعالى-

في هذه الآية يُخبرنا الله تعالى - على جهة التأكيد والدوام - أنَّ اليهود والنصارى لن يَصطلحوا معنا، ولن يُسالمونا أو يرضوا عنا؛ حتى نتَّبع باطلهم، ونَحذو حَذْوهم في شِركهم وكفرهم وانحلالهم، فمن الغباء والجهل - بل من الكفر - أن يشكَّ الإنسان في إخبار الله تعالى في طبيعة العلاقة لكلٍّ من اليهود والنصارى معنا.-تعالى-

 -تعالى-

إنَّ مَن يظن أنه من المُمكن أن يقعَ خلافُ ما أخبَر الله تعالى به في شأن اليهود والنصارى، يكون غيرَ مسلمٍ، إن اليهود والنصارى في معركة مستمرة مع المسلمين؛ كما أخبَر الله تعالى، ونحن نرى الدليل عليها في كلِّ زمان ومكان.-تعالى-

 -تعالى-

6- قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 217].-تعالى-

 -تعالى-

ففي هذه الآية تقريرٌ صادق من العليم الخبير، يَكشف عن الإصرار الخبيث، والعداوة المتأصِّلة في نفوس أعداء الإسلام لهذا الدين وأهله في كلِّ جيلٍ وفي كلِّ أرضٍ.-تعالى-

 -تعالى-

وإنَّ مجرَّد وجود الإسلام بذاته، هو غيظٌ وكمدٌ، ورُعب لأعداء الله تعالى؛ ولهذا فهم ما يزالون يُقاتلون المسلمين؛ حتى يردُّوهم عن دينهم إن استطاعوا، ولَم يُرخِّص الله تعالى في موافقتهم؛ خوفًا على النفس والمال، بل أخبَر أنَّ مَن وافَقهم - بعد أن قاتَلوه؛ ليدفع شرَّهم - أنه مُرتدٌّ، فإن مات على دينه بعد أن قاتَله المشركون، فإنه من أهل النار الخالدين فيها، فكيف حال مَن وافَقهم من غير قتالٍ؟! ألا يكون أوْلى بعدم العذر، وأَوْلى بحُكم الرِّدة والكفر؟!-تعالى-

 -تعالى-

7- قوله تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾ [آل عمران: 28].-تعالى-

 -تعالى-

فنهى - سبحانه - عن اتخاذ الكافرين أولياءَ وأصدقاءَ وأصحابًا من دون المؤمنين، وأخبَر أنَّ مَن فعَل ذلك، فليس من الله في شيءٍ؛ يعني: قد بَرِئ من الله، وبَرِئ الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر، ثم استثنَى الله تعالى من ذلك الحكم العامَّ، حالة كون المسلم مقهورًا معهم، لا يَقدر على إظهار عَداوتهم؛ لتعذيبهم له، فيُظهر لهم الرضا بلسانه، وقلبه مُطمئنٌّ بالإيمان بالله تعالى، مُمتلئ بالعداوة والبَغضاء لأعداء الله تعالى.-تعالى-

 -تعالى-

8- قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [التوبة: 23].-تعالى-

 -تعالى-

وهذه الآية تؤكِّد بكلِّ قوَّة انقطاعَ أواصر الدم والنَّسب، إذا انقطَعت رابطة الإيمان بهذا الدين، وتُبطل ولاية القرابة في الأسرة إذا بطَلت ولاية القرابة في الله، فلله الولاية الأولى، وفيها تَرتبط البشرية كلها، فرابطة العقيدة مَتبوعة لا تابعة لغيرها من الروابط؛ ولذلك إذا فُقِدَتْ رابطةُ العقيدة، أو ضَعُفت، فلا اعتبار ولا قيمة للروابط الأخرى، فالحبل مقطوع، والعُروة منقوضة مع مَن يتولَّى الكفار؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [التوبة: 23]. والظالمون هنا تَعني المشركين، فولاية الأهل والقوم - إن استحبُّوا الكفر على الإيمان - شرْكٌ لا يتَّفق مع الإيمان ومقتضى الإيمان بالله.-تعالى-

 -تعالى-

وما زالت الأدلة القرآنيَّة كثيرة ولله الحمد والمنَّة، لكنني أكتفي بما ذكرتُ من أدلة قرآنيَّة، والتعليق عليها من أقوال أهل العلم والتفسير، ومن خلال هذه الأدلة يتَّضح ويتقرَّر - بما لا يدَع مجالاً للشك - أنه لا يَصِح إسلام المسلم، إلاَّ إذا تولَّى الله ورسوله والمؤمنين قولاً وعملاً واعتقادًا، وعادى الكفار والمشركين قولاً وعملاً واعتقادًا، ما داموا على كُفرهم وشِركهم، ويَظل على هذا المعتقد حتى يلقى اللهَ تعالى على ذلك.-تعالى-

 -تعالى-

وأنتقل الآن إلى الأدلة النبويَّة الشريفة، فهي كثيرة أيضًا في هذه المسألة، لكنني أكتفي بذِكر بعضها كما فعلتُ في الأدلة القرآنيَّة - إن شاء الله - فمنها:-تعالى-

1- ما رواه النسائي وأحمد والبيهقي أنَّ جريرًا قال: أتيتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يُبايع، فقلت: يا رسول الله، ابسُط يدك؛ حتى أُبايعك، واشْتَرط عليَّ؛ فأنت أعلم، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((أُبايعك على أن تعبدَ الله، وتُقيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتُناصح المسلمين، وتُفارق المشركين))، وهذا الحديث صحَّحه الألباني.-تعالى-

 -تعالى-

2- ما رواه أبو داود وصحَّح الألباني إسناده عن بُريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقولوا للمنافق: سيِّد؛ فإنه إن يكُ سيِّدًا، فقد أسْخَطتُم ربَّكم - عزَّ وجلَّ)).-تعالى-

 -تعالى-

3- ما رواه أبو داود والترمذي - وقال: حديثٌ حسن - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الرجل على دين خليله، فليَنظر أحدُكم مَن يُخالل)).-تعالى-

 -تعالى-

4- ما رواه الطبراني وحسَّنه الألباني عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((أوثقُ عُرى الإيمان الحبُّ في الله والبُغض في الله)).-تعالى-

 -تعالى-

5- ما رواه أبو داود وصحَّحه الألباني عن أبي أُمامة مرفوعًا: ((مَن أحبَّ في الله، وأبغَض في الله، وأعطى لله، ومنَع لله، فقد استكمَل الإيمان)).-تعالى-

 -تعالى-

6- ما رواه أبو داود والترمذي وصحَّحه الألباني عن جرير أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: ((أنا بريءٌ من كلِّ مسلم أقامَ بين أظهُر المشركين))، قالوا: يا رسول الله، لِمَ؟ قال: ((لا تَراءَى ناراهما)).-تعالى-

 -تعالى-

ومن الأدلة العمليَّة الواقعية الفعليَّة لمفهوم الولاء والبَراء، ما كان من أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم، ورضي الله عنهم جميعًا - بصورة لا مثيلَ لها في العظمة والجلال، ولن أستطيعَ أن أتحدَّث عن كلِّ هذه الحالات؛ ولهذا فسأقف - إن شاء الله - وقفةً يسيرة مع بعضها؛ لنرى كيف طبَّق هؤلاء الذين ربَّاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا المبدأَ الضخم والمفهوم الكبير الذي غاب عن واقع الأُمَّة في هذه الأيام - إلاَّ مَن رَحِم الله تعالى.-تعالى-

 -تعالى-

من تلك الصور الرائعة ما حصَل من المغيرة بن شُعبة - رضي الله عنه - وذلك عندما نزَل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحُديبية، أتاه عروة بن مسعود الثقفي - رضي الله عنه -قبل أن يُسلِم، وكان سيِّدَ ثقيف، وكان عروة خلالَ حديثه مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتناولُ لحيةَ رسول الله وهو يُكلِّمه؛ جريًا على عادة العرب في ذلك عند المُلاطفة والرغبة في التواصُل والتراحُم، وكان المغيرة - وهو ابن أخي عروة - واقفًا على رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما مدَّ عروة يده إلى لِحية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرَع المغيرة يدَ ابن عمِّه بكعب السيف وهو يقول: اكْفُف يدك عن وجْه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل ألاَّ تَصِل إليك، فيقول عروة: وَيْحك، ما أفظَّك وما أغلظَك! فيَبتسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في "أُسد الغابة".-تعالى-

 -تعالى-

وانصرَف عروة وهو مأخوذ بما رأى مِن فعْل ابن أخيه فيه، وحِرصه على سلامة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجَع إلى قريش وهو يقول لهم: "يا معشر قريش، إني جئتُ كسرى في مُلكه، وقيصر في ملكه، والنجاشي في ملكه، وإني والله ما رأيتُ مَلِكًا في قومه قطُّ مثل محمد في أصحابه، والله ما يُحدُّون إليه النظر، وما يرفعون عنده الصوت، وما عليه إلاَّ أن يُشير إلى امرئ، فيَفعل"؛ وهذا الحديث رواه البخاري - رحمه الله.-تعالى-

 -تعالى-

وأخرَج البزَّار - برجال ثقاتٍ كما قال الهيثمي - عن أبي هريرة قال: مرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعبدالله بن أُبَيّ ابن سلول وهو في ظلِّ أُطُمٍ - بناء مرتفع - فقال ابن سلول: غبَّر علينا ابنُ أبي كبشة - وأبو كبشة هذا هو زوج حليمة السعدية مُرضعة الرسول، وذلك من باب التنقُّص - فقال ابنه عبدالله: يا رسول الله، والذي أكرَمك، لئن شِئتَ، لآتِينَّك برأسه! فقال: ((لا، ولكن برَّ أباك، وأحسِن صُحبته)).-تعالى-

 -تعالى-

ولا ننسى موقف عبدالله - رضي الله عنه - من أبيه المنافق يوم أن قال قولته الخطيرة: "لئن رجَعنا إلى المدينة، ليُخرجنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ".-تعالى-

 -تعالى-

ولا يَنبغي لنا أن ننسى موقف سعد بن أبي وقَّاص من أمِّه، وموقف مصعب بن عمير من أخيه عزيز، وموقف الصِّديق من ولده عبدالرحمن قبل أن يُسلم، وموقف أبي عبيدة بن الجرَّاح من أبيه، وغير هذه المواقف الكثير والكثير والتي تَذخر بها كُتب السيرة.-تعالى-

 -تعالى-

ومَن طالَع سيرةَ هؤلاء الرجال الذين ربَّاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- لوقَف مذهولاً مَبهوتًا أمام هذه النماذج التي سيظلُّ التاريخ يروي سِيَرهم بإجلال وإعظامٍ، فاستحقُّوا من الله تعالى العزةَ والنُّصرة، والقيادة والسيادة والرِّيادة.-تعالى-

 -تعالى-

ويومَ أن ضاعَ هذا المفهومُ الضخم، وهذه القاعدةُ الكبيرة - قاعدة الولاء والبَراء - ضاع المسلمون، وضاعَت هُويَّتهم، وذهَبت كرامتهم، وانحطَّت مكانتهم، بل وذلُّوا لِمَن كتَب الله عليهم الذِّلة والمَسكنة وباؤُوا بغضبٍ من الله، فهل رأيتُم - عباد الله - أذلَّ ممن أذلَّه الله تعالى للأذِلاَّء؟!-تعالى-

 -تعالى-

وكم يَعتصر القلب كمدًا وحزنًا على غياب هذا المفهوم الكبير في واقع المسلمين، وارتباطهم وتعلُّقهم بحبال هي أوْهى من بيوت العنكبوت، ولقد جرَّبَت البشرية - في الماضي المعهود، والحاضر المشهود - روابطَ عديدة؛ من قوميَّة ووطنيَّة، ومنظَّمات حزبيَّة كافرة، وقد باءَت كلها بالفشل الذريع؛ فهي لَم تستطع أن تجمعَ المُتفرقين، أو توحِّد المختلفين، أو تَنصُر المهزومين، ولَم تُنصف المظلومين من الظالمين.-تعالى-

 -تعالى-

إنَّ مفتاح القلوب للمحبَّة والنُّصرة والرحمة، يَكمُن في الانتماء لهذا الدين، وفَهْمه فهمًا سليمًا صحيحًا، وتطبيق مفهوم الولاء والبَراء تطبيقًا عمليًّا في حياة الأُمة؛ لتتحقَّق المفاصلة التي لا بدَّ منها؛ لتبقى للأمة المسلمة هُويَّتها ومكانتها وشخصيَّتها.-تعالى-

 -تعالى-

وإني أعترفُ أنَّ معالجة هذا المفهوم الضخم في حياة الأُمة - من خلال هذه الصفحات - أمرٌ قاصر، ولكن يَجبر هذا النقصَ أني متضرِّع إلى الله تعالى أن يُيسِّر لي أن أُفرده في بحث مستقلٍّ؛ لأنه ضخم بضخامة عقيدة التوحيد، بل هو أصْل من أصول الإسلام التي ينبغي أن تُفهَم، خاصة مع هذا الواقع المُر الأليم للمسلمين في هذه الأيام وفي كلِّ مكانٍ، فما من بقعة من بقاع الأرض، إلاَّ وفيها صوت من أصوات المسلمين المُعذَّبين والمقهورين تحت وطْأة الكفار، أو مَن يُوالون الكفار من عُملائهم وأذنابهم!-تعالى-

 -تعالى-

فأسأل الله تعالى أن يردَّ المسلمين إلى دينهم ردًّا جميلاً، وأن يَجعلنا ممن يستمعون القول، فيتَّبعون أحسنه، إن ربي على ما يشاء قدير.-تعالى-

 -تعالى-

معاني المُوالاة وصُوَرها:-تعالى-

1- الحب والمودة؛ لآية سورة المجادلة، ولقوله -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين: ((المَرء مع مَن أحبَّ))، ولا شكَّ أنَّ مَن أحبَّ الكافرين على كفرهم، أو حتى رَضِي بكفرهم - وإن لَم يُحبَّهم - فهو كافرٌ مثلهم؛ فإن الرِّضا بالكفر كفرٌ؛ لأنه ردٌّ لكتاب الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]، ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19].-تعالى-

 -تعالى-

فالمؤمن كاملُ الإيمان يُحَبُّ من كلِّ وجه، والكافر يُبغَض من كلِّ وجهٍ، والفاسق العاصي الذي عنده أصلُ الإيمان، يُحَبُّ لإيمانه، ويُبغَض لفِسْقه.-تعالى-

 -تعالى-

وبما تقدَّم يتبيَّن لك بُطلان الدعاوى المعاصرة التي تُنادي بالمحبة لأهل الأديان، والمُساواة معهم، وتَعانُق الهلال والصليب، وعبارة: الدين لله والوطن للجميع، وقد يُسمي بعضهم أتْباع المِلل المختلفة بالنسبة إلى الرُّسل: المؤمنين من أهل الأديان السماوية، وسعى بعضهم إلى بناء مَجمع الأديان، وكل هذه الدعاوى إنما نبعَت من الكفر والزندقة والنفاق، غرضُها هدْمُ هذه العقيدة لدى المؤمنين - أسألُ الله أن يكفَّ شرَّ هذه الدعاوى عن المسلمين وشرَّ أصحابها.-تعالى-

 -تعالى-

2- الموالاة والنُّصرة: ومنها قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ﴾ [محمد: 11]؛ أي: لا ناصرَ لهم، والموالاة والمُحاباة والنصرة واجبةٌ على كلِّ مسلمٍ لإخوانه؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ﴾ [الأنفال: 72].-تعالى-

 -تعالى-

وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- عند البخاري والترمذي وأحمد: ((انصُر أخاك ظالِمًا أو مظلومًا...))؛ الحديث.-تعالى-

 -تعالى-

ومن أخطر صُوَر موالاة الكافرين: نصرُهم على المؤمنين، بل ذلك الفعل يُوجب لصاحبه النار، وتَنطبق عليه - بسبب فعْله هذا - أحكامُ المشركين مهما زعَم الإيمان بكلامه، أو اعتذَر بمعذرته؛ قال تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ﴾ [آل عمران: 28]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 97].-تعالى-

 -تعالى-

قال ابن حزم - رحمه الله -: "مَن لَحِق بدار الكفر والحرب، مختارًا مُحاربًا لِمَن يَليه من المسلمين، فهو بهذا الفعل مرتدٌّ، له أحكام المرتد كلها؛ من وجوب القتْل عليه متى قُدِر عليه، وإباحة ماله، وانفساخ نكاحه، وغير ذلك..."، وقال أيضًا: "وكذلك مَن سكَن بأرض الهند والسند، والصين والترك، والسودان والروم من المسلمين، فإن كان لا يَقدر على الخروج من هنالك؛ لثِقَل ظهرٍ، أو لقلَّة مالٍ، أو لضَعْف جسمٍ، أو لامتناع طريقٍ، فهو معذور، فإن كان هناك محاربًا للمسلمين، مُعينًا للكفار بخدمة أو كتابةٍ، فهو كافر، وإن كان إنما يُقيم هنالك لدنيا يُصيبها، وهو كالذمي لهم، وهو قادرٌ على اللحاق بجمهرة المسلمين وأرضهم، فما يَبعد عن الكفر، وما نرى له عُذرًا، ونسأل الله العافية".-تعالى-

 -تعالى-

ومما تقدَّم تَعرف حُكم مَن يَخرج في جيوش الكافرين المُعلنين كفرَهم في قتال المسلمين؛ لأجل إسلامهم؛ كالشيوعيين المُلحدين ونحوهم، وما يجب على المسلمين أن يُعاملوهم به، وبالله التوفيق.-تعالى-

 -تعالى-

ولا بدَّ هنا من التنبيه على أنَّ النُّصرة الواجبة للمؤمنين، إنما تجب في الدين كما أمَر الله تعالى بها: ﴿ وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ﴾ [الأنفال: 72].-تعالى-

 -تعالى-

وأمَّا إن كانت انتصارًا لعصبيَّة أو قوميَّة أو وطنيَّة، دون معرفة الحق من الباطل، وإنما هي الطاعة العمياء لِمَن يرفع رايات الجاهليَّة، فهذه التي قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- كما عند مسلم والنسائي، وابن ماجه وأحمد، من حديث أبي هريرة: ((مَن قاتَل تحت راية عِمِّيَّة؛ يَغضب لعصَبة؛ أو يدعو إلى عصبة؛ أو يَنصر عصبة، فقُتِل، فقِتْلَةٌ جاهليَّة)).-تعالى-

 -تعالى-

وقال - كما عند مسلم -: ((والذي نفسي بيده، ليَأتِينَّ على الناس زمانٌ لا يدري القاتل في أي شيءٍ قَتَل، ولا يدري المقتول في أي شيءٍ قُتِل)).-تعالى-

 -تعالى-

3- الطاعة والمتابعة: وقد أمَر الله تعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله، وأُولي الأمر منهم، وهم العلماء والأُمراء الذين يقودونهم بكتاب الله، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59].-تعالى-

 -تعالى-

وطاعة أُولي الأمر مُقيَّدة بألاَّ يَأمروا بمعصية، فإن أمَروا بمعصية، فلا سمْعَ ولا طاعة؛ كما استفاضت الأحاديث: ((إنما الطاعة في المعروف))؛ متَّفق عليه.-تعالى-

 -تعالى-

وأمَرنا تعالى باتِّباع ما أنزل من الكتاب والحكمة - القرآن والسُّنة - وأوجَب اتِّباع سبيل المؤمنين ومنهجهم؛ ولذلك كان من أهم مميزات أهل السُّنة: اتِّباعهم لسلف الأُمة من الصحابة، فمَن بعدهم من الأئمَّة؛ لأن هذا المعنى من أُسس الموالاة الإيمانيَّة التي تَجمعهم، فبهذا تَعلم لِمَن تكون الطاعة، ولِمَن يكون الاتِّباع، وممن تُتَلقَّى الأوامر، وبأي مقياس تُوزَن، فما أنزَله الله في كتابه، وما صحَّ عن رسوله، وما أجمَع عليه السلف - هو ذلك الميزان الحق الذي لا يُخطئ من اتَّبعه وأطاعه.-تعالى-

 -تعالى-

وأمَّا طاعة الكافرين والمنافقين، ومُتابعتهم على الكفر والضلال والمعاصي، فهذه مُوالاةٌ لهم، حذَّرنا الله منها، مُبيِّنًا عقوبة مَن يُطيعهم في بعض الأوامر: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد: 25 - 28].-تعالى-

 -تعالى-

فإذا كان هذا حال مَن يُطيعهم في بعض الأمر، فكيف بمَن يكون طوعَ أمرهم ورَهْنَ إشارتهم؟! نعوذ بالله من الخِذلان.-تعالى-

 -تعالى-

وقال تعالى مخاطبًا نبيَّه -صلى الله عليه وسلم- والخطاب لأُمته: ﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 24]، والآثِم هو الفاجر في أفعاله، والكفور هو الكافر قلبُه، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 1 - 2].-تعالى-

 -تعالى-

قال ابن كثير: "هذا تنبيهٌ بالأعلى على الأدنى، فإنه تعالى إذا كان يأْمر عبدَه ورسوله بهذا، فلأن يأتَمِرَ من دونه بذلك بطريق الأَوْلى والأحرى".-تعالى-

 -تعالى-

وقد وقَع في زماننا تحقيق خبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصبَحنا لا نرى عجبًا أن نسمع ونقرأ مَن يدعو لطاعة أهل الكفر شرقًا وغربًا، ويُزيِّن للمسلمين اتِّباعهم في القليل والكثير، والكفر والفسوق والعصيان، والمظهر والجوهر، ويُصرِّح أنْ لا تَقدُّمَ للعرب وللمسلمين، إلاَّ بأخْذ ما هم عليه كله، لا يُترَك منه شيءٌ، فصدَق الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- واعْلَم أنَّ طاعتهم في الكفر كفرٌ، وفى المعصية معصية، بشرط اعتقاد أنها معصية وذنبٌ.-تعالى-

 -تعالى-

واعْلم أنَّ مِن أخطر مظاهر الطاعة والمتابعة: أن يَنخرط الإنسان تحت رياساتهم في الأحزاب العلمانيَّة أو الإلحادية؛ كالشيوعية والاشتراكيَّة، والقومية الماسونيَّة، ويَبذل لها الولاء والحب والنُّصرة.-تعالى-

 -تعالى-

وكيف يتسنَّى لمسلم يَفهم قضيَّة الولاء والبَراء، أن يرضى باتِّباع الكفار والمنافقين، مع تصريحهم في أحزابهم وهيئاتهم، بأنها لا تقوم على أساس الدين، ولا تُفرِّق بين الناس على أساس الدين، وأنَّ المساواة بين الأديان شرطٌ، والمساواة بين أصحابها أيضًا في مشروعيَّة قيامها أصلٌ؟! ويُمعنون في الغي والضلال، حين يرفعون شعارات تدلُّ على وَحْدة الكفر والإيمان تحت راية حزبهم، ويَفتخرون بهذا الخزي والخِذلان!-تعالى-

 -تعالى-

أفيَرضى مسلم غيورٌ على إسلامه أن يقفَ تحت هذه الراية التي مُزِّقت من أجْلها عقيدةُ التوحيد والإيمان، مُمثَّلة في قضية الولاء والبَراء، والحب والبُغض؟! أفيَقبل تحت أيِّ ظرفٍ من الظروف، ولأيِّ مصلحة يظنُّها من المصالح، أن يقولَ لأمثال هؤلاء: أنا منكم، وأنتم مني، بدلاً من أن يقول: إني بريء مما تعملون، ويتوكَّل على العزيز الرحيم كما أمَر الله تعالى؟!-تعالى-

 -تعالى-

وهل هانَ عليه إسلامُه لدرجة أن يرضى أن يُقدِّم - قربانًا لأوثانهم المعاصرة - رايتَه الإسلاميَّة وانتسابَه للإسلام؟! فعندهم لا يجوز ولا يمرُّ إلى مجالسهم وهيئاتهم، إلاَّ أن يتخلَّى عن رايته الإسلاميَّة، ويرفع أخرى - أيًّا كانتْ؛ يسارًا، أو يمينًا، أو وسطًا - إلاَّ راية الإسلام، اللهمَّ إنَّا جميعًا نَبرأ إليك من هذا كله.-تعالى-

 -تعالى-

ولكن هنا مسألة يجب التنبيه عليها؛ حتى لا نقَع في خلْطٍ بين الحق والباطل، وهذه المسألة هي أنَّ الإجابة إلى الحق ليستْ من الموالاة للكافرين في شيء، وليستْ مُتابعةً لهم ولا طاعة، بل هي متابعة للحقِّ وطاعة لله؛ قال الإمام ابن القيِّم - في عرْضه لفوائد غزوة الحديبية - في "زاد المعاد": "إنَّ المشركين وأهل البِدَع والفجور، والبُغاة والظَّلَمة، إذا طلبوا أمرًا يُعظِّمون فيه حُرمة من حُرمات الله تعالى - أُجيبوا إليه، وأُعطُوه، وأُعينوا عليه وإن منَعوا غيرَه، فيُعاوَنون على ما فيه تعظيم حُرمات الله تعالى، لا على كفرهم وبَغيهم، ويُمنعون مما سوى ذلك، فكلُّ مَن الْتمَس المعاونة على محبوب لله، مُرضٍ له، أُجيب إلى ذلك - كائنًا مَن كان - ما لَم يترتَّب على إعانته - على ذلك المحبوب - مَبغوضٌ لله أعظمُ منه، وهذا من أدقِّ المواضع وأشقِّها على النفس".-تعالى-

 -تعالى-

4- المعونة والقيام بالأمر والنُّصح: وهذا المعنى يجب أن يكون للمؤمنين، فعند مسلم وأبي داود والنسائي وأحمد أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الدين النصيحة))، قيل: لِمَن؟ قال: ((لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين، وعامَّتهم))، وفي الصحيحين وسُنن الترمذي والنسائي، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((المؤمن للمؤمن كالبُنيان يشدُّ بعضه بعضًا)).-تعالى-

 -تعالى-

ومن موالاة الكافرين: مُعاونتهم على ظُلمهم، ونُصرتهم على باطلهم؛ قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2].-تعالى-

 -تعالى-

وقد جعَل الله تعالى مصيرَ امرأة نوح وامرأة لوطٍ مصيرَ قومهما؛ لأجْل معاونتهما لقومهما، ورضاهما بما هم عليه؛ كما في سورة التحريم.-تعالى-

 -تعالى-

ومن معاني ذلك: الثناء على الكافرين، ونشْر فضائلهم ومحاسنهم، وإضفاء الأوصاف الفاتنة في المدح والثناء؛ مثل: أنهم أصحاب الحضارة، والتقدُّم، والعلم، والرُّقي، مع وصْف المسلمين بالأوصاف المناقضة، ولا شكَّ أنه لا يجوز وصْف الكفار بالعلم مُطلقًا، بل لا بدَّ من التقييد، بل يُوصفون بعدم العلم على الإطلاق، ويُستثنى بعض العلم الدنيوي؛ لقول الله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [الروم: 6 - 7].-تعالى-

 -تعالى-

فلا بدَّ من الحذَر من طريقة العلمانيين الذين يأمرون المسلمين باتِّباع الغرب في خيره وشرِّه، زاعمين أنه لا سبيلَ للنهوض إلاَّ من خلال اتِّباع المنهج الغربي في كلِّ ما جاء به، وأنه لا يجوز الفصل بين العلوم الحديثة ومناهج الحياة الأخرى؛ في الاجتماع والاقتصاد، والسياسة والآداب والفنون وغيرها، مما كان له أخطر الآثار في حياة المسلمين، وازدواج المقاييس فيها، والسعي الحثيث للفصل بين الدين والحياة، وليس فقط بين الدين والدولة.-تعالى-

 -تعالى-

5- التشبُّه بهم والركون إليهم: وهذه من أخطر صُوَر الموالاة، وللأسف الشديد فهي أكثر الصور انتشارًا؛ قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو داود وأحمد، وصحَّحه الألباني: ((مَن تشبَّه بقومٍ، فهو منهم))، والمسلم يتشبَّه بالرسول -صلى الله عليه وسلم- في هدْيه الظاهر والباطن، وكذا بصحابته الكرام - رضوان الله تعالى عليهم - وبما عليه جماعة المؤمنين.-تعالى-

 -تعالى-

فأمَّا التشبُّه بالكفار في الظاهر والباطن، فمن أخطر أمور الدين، وقد تناوَل شيخ الإسلام - رحمه الله - هذه المسألة في مؤلَّف كاملٍ، وأوضَح فيها الحقَّ بدليله، وأعني بذلك كتابه المبارك: "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم"، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرَ الجزاء، فارجِع إليه، تتجلَّ لك شموسُ الحقِّ - بإذن الله تعالى.-تعالى-

 -تعالى-

ثم اعلَم أنَّ أعمال المشركين ثلاثة أقسام: قسم مشروع في ديننا، مع كونه مشروعًا لهم، أو لا نعلم أنه كان مشروعًا لهم، لكنَّهم يَفعلونه الآن، وقسم كان مشروعًا، ثم نسَخه شرع القرآن، وقسم لَم يكن مشروعًا بحالٍ، وإنما هم أحْدَثوه.-تعالى-

 -تعالى-

وهذه الأقسام الثلاثة؛ إمَّا أن تكون في العبادات المَحضة، وإمَّا أن تكون في العادات المَحضة -وهي الآداب - وإمَّا أن تجمع العبادات والعادات، فهذه تسعة أقسام، فأمَّا القسم الأوَّل - وهو ما كان مشروعًا في الشريعتين، أو ما كان مشروعًا لنا، وهم يفعلونه - فهذا كصوم عاشوراء، أو كأصل الصلاة والصيام، فهنا تقع المخالفة في صفة ذلك العمل، كما سُنَّ لنا صومُ تاسوعاء وعاشوراء، وكما أُمِرنا بتعجيل الفطر والمغرب، وبتأخير السُّحور؛ مخالفةً لأهل الكتاب، وكما أُمِرنا بالصلاة في النَّعلين؛ مخالفةً لليهود، وهذا كثيرٌ في العبادات، وكذلك في العادات.-تعالى-

 -تعالى-

القسم الثاني: ما كان مشروعًا، ثم نُسِخ بالكلية؛ كالسبت، أو إيجاب صلاة أو صومٍ، ولا يخفى أنَّ النهي عن موافقتهم في ذلك أبلغُ؛ سواء كان واجبًا عليهم، فيكون عبادة، أو مُحرَّمًا عليهم، فيتعلَّق بالعادات، فليس للرجل أن يَمتنع من أكْل الشحوم لكلِّ ذي ظُفر تديُّنًا بذلك، وكذلك ما كان مركَّبًا منهما، وهي الأعياد التي كانت مشروعةً لهم، فإن العيد يَجمع عبادة، وهي ما فيه من صلاةٍ أو ذِكرٍ، أو صدقةٍ أو نُسكٍ، ويَجمع عادة، وهي ما فيه من التَّوسعة في الطعام واللباس، واللعب المأذون فيه في الأعياد لِمَن يَنتفع باللعب، ونحو ذلك.-تعالى-

 -تعالى-

فموافقتهم في هذا القسم المنسوخ من العبادات أو العادات أو كليهما - أقبحُ من موافقتهم فيما هو مشروع الأصل؛ ولهذا كانت الموافقة في هذا مُحرَّمة، وفي الأوَّل قد لا تكون إلاَّ مكروهة.-تعالى-

 -تعالى-

وأمَّا القسم الثالث، وهو ما أحدَثوه من العبادات أو المعاملات أو كليهما - فهو أقبحُ وأقبح، فإنه لو أحدَثه المسلمون قد يكون قبيحًا، فكيف إذا كان مما لَم يَشرعه نبيٌّ قطُّ؟ بل قد أحدَثه الكافرون، فالموافقة فيه ظاهرة القُبح.-تعالى-

 -تعالى-

ومن أخطر مظاهر التشبُّه: التشبه بهم في أعيادهم؛ قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو داود والنسائي وأحمد، وصحَّحه الألباني: ((إن الله - عزَّ وجلَّ - قد أبدَلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر))، وقال مجاهد والربيع بن أنس والضحَّاك في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾ [الفرقان: 72]، قالوا: أعياد المشركين؛ كما في تفسير ابن كثير، وقال عمر فيما رواه البيهقي: "لا تَعلَّموا رَطانة الأعاجم، ولا تَدخلوا على المشركين كنائسَهم يوم عيدهم؛ فإنَّ السخطة تَنزل عليهم".-تعالى-

 -تعالى-

وأمَّا الركون إليهم، فقد قال تعالى: ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [هود: 113].-تعالى-

 -تعالى-

قال القرطبي: "الركون حقيقته الاستناد والاعتماد، والسكون إلى الشيء، والرضا به، وقال قتادة: معناه: لا تَوَدُّوهم، ولا تُطيعوهم، وقال ابن جُريج: لا تَميلوا إليهم"، ثم قال: "وهذا هو الصحيح في معنى الآية، وأنها دالة على هِجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم؛ فإنَّ صُحبتهم كفرٌ أو معصية؛ إذ الصحبة لا تكون إلاَّ عن مودَّة، وقد قال حكيم:-تعالى-

عَنِ الْمَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ

فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي"

 -تعالى-

وقال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 74 - 75].-تعالى-

 -تعالى-

وإذا كان الخطاب هنا لأشرف مخلوقٍ -صلى الله عليه وسلم- فكيف بغيره؟!-تعالى-

 -تعالى-

6- المُداهنة على حساب الدين: قال تعالى: ﴿ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾ [القلم: 9].-تعالى-

 -تعالى-

والمقصود بذلك موافقتهم على شيءٍ من باطلهم على سبيل المُجاملة، وكذا تقديمهم وتعظيمُهم، والمدح والثناء لأكابرهم، ومن ذلك تسمية قتْلاهم بالشهداء، ووضْع أكاليل الزهور على قبورهم، والترحُّم عليهم، وأعظم من ذلك خطرًا التصريح بأنهم على الحقِّ، وأنهم لا فرْقَ بينهم وبين المسلمين؛ قال تعالى: ﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ [القلم: 35 - 36].-تعالى-

 -تعالى-

7- تَولية الكفار أمورَ المسلمين: كالإمارة والكتابة ونحوها، مما فيه سلطان على مسلمٍ؛ قال ابن القيِّم: ولَمَّا كانت التولية شقيقةَ الولاية، كانت تَوْليتُهم نوعًا من تَوَلِّيهم، وقد حكَم تعالى بأنَّ مَن تولاَّهم، فإنه منهم، ولا يتم الإيمان إلاَّ بالبراءة منهم، والولاية تُنافي البراءة، فلا تَجتمع البراءة والولاية أبدًا، والولاية إعزازٌ، فلا تَجتمع هي وإذلال الكفر أبدًا، والولاية صِلة، فلا تُجامع مُعاداة الكافر أبدًا.-تعالى-

 -تعالى-

8- السُّكنى معهم في ديارهم، وتكثير سوادهم: قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو داود وصحَّحه الألباني: ((مَن جامَع المُشرك وسكَن معه، فإنه مثله))، وقال: ((لا تُساكنوا المُشركين، ولا تُجامعوهم، فمَن ساكَنهم أو جامَعهم، فليس منَّا)).-تعالى-

 -تعالى-

ويتَّصل بهذه المسألة الحديث عن الهجرة، والمقصود بها هنا: الهجرة من دار الكفر أو الفِسق إلى دار الإسلام؛ قال ابن قدامة: فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب:-تعالى-

أحدهم: مَن تجب عليه، وهو مَن يَقدر عليها، ولا يُمكنه إظهار دينه، ولا تُمكنه إقامة واجبات دينه مع القيام بين الكفار، فهذا تجب عليه الهجرة؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 97].-تعالى-

 -تعالى-

وهذا وعيد شديدٌ يدلُّ على الوجوب، ولأنَّ القيام بواجب دينه واجبٌ على مَن قدَر عليه، والهجرة من ضرورة الواجب، وما لا يتمُّ الواجب إلاَّ به فهو واجبٌ.-تعالى-

 -تعالى-

الثاني: مَن لا هجرةَ عليه، وهو يَعجِز عنها؛ إمَّا لمرضٍ، أو إكراهٍ على الإقامة، أو ضَعْف من النساء والولدان وشبههم، فهذا لا هجرةَ عليه؛ لقوله تعالى: ﴿ إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ [النساء: 98 - 99].-تعالى-

 -تعالى-

ولا تُوصف باستحباب؛ لأنها غير مَقدورٍ عليها.-تعالى-

 -تعالى-

الثالث: مَن تُستحب له، ولا تجب عليه، وهو مَن يَقدر عليها، لكنَّه يتمكَّن من إظهار دينه، وإقامته في دار الكفر، فتُستحب له؛ ليتمكَّن من جهادهم، وتكثير المسلمين ومَعونتهم، ويتخلَّص من تكثير الكفار ومُخالطتهم، ورؤية المنكر بينهم، ولا تجب عليه؛ لإمكان إقامة واجب دينه بدون هجرةٍ، وقد كان العباس عمُّ النبي -صلى الله عليه وسلم- مُقيمًا بمكَّةَ مع إسلامه؛ ا.هـ.-تعالى-

 -تعالى-

وقال الشوكاني في "السيل الجرَّار": "واعْلَم أنَّ التعرُّض لذكر دار الإسلام ودار الكفر، قليلُ الفائدة جدًّا؛ لِما قدَّمنا لك الكلام على دار الحرب، وأنَّ الكافر الحربي مباحُ الدم والمال على كلِّ حال، ما لَم يُؤَمَّن من المسلمين، وأنَّ مال المسلم ودمه معصومان بعِصمة الإسلام في دار الحرب وغيرها، وإن كانت الفائدة هي ما تقدَّم من كونهم يَملكون علينا ما دخَل دارهم قهرًا، فقد أوضَحنا هنالك أنهم لا يَملكون علينا شيئًا، وإن كانت الفائدة وجوب الهجرة عن دار الكفر، فليس هذا الوجوب مختصًّا بدار الكفر، بل هو شريعة قائمة، وسُنة ثابتة عند استعلاء المُنكر، وعدم الاستطاعة للقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم وجود من يأخُذ على المُنتهكين لمحارم الله تعالى، فحقٌّ على العبد المؤمن أن ينجوَ بنفسه، ويفرَّ بدينه إن تمكَّن من ذلك، ووجَد أرضًا خالية من التظاهر لمعاصي الله، وعدم التنكُّر على فاعلها، فإن لَم يجد، فليس في الإمكان أحسنُ مما كان، وعليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بيده، فإن لَم يستطع فبلسانه، فإن لَم يَستطع فبقلبه؛ كما أرشَد إلى ذلك الصادق المصدوق فيما صحَّ عنه، وإذا قدَر أن يُغلق على نفسه بابه، ويَضرب بينه وبين العُصاة حجابه، كان ذلك من أقلِّ ما يجب عليه".-تعالى-

 -تعالى-

ثم قال تعليقًا على قول صاحب المتن: "إلى خليٍّ عمَّا هاجَر لأجله": فوجهه ظاهر؛ لأن الانتقال من شرٍّ إلى شرٍّ، ومن دار عُصاة إلى دار عصاة، ليس فيه إلاَّ إتعاب النفس بقطْع المفاوز، فإن كان التظاهر بالمعاصي في غير بلده أقلَّ مما هو ببلده، كان ذلك وجهًا للهجرة، وفي الشر خيار، ثم قال - رحمه الله -: إن كانت المصلحة العائدة على طائفة من المسلمين ظاهرة - كأن يكون له مدخلٌ في بعض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو في تعليمه معالِمَ الخير؛ بحيث يكون ذلك راجحًا على هجرته، وفِراره بدينه - فإنه يجب عليه ترْك الهجرة؛ رعايةً لهذه المصلحة الراجحة؛ لأن هذه المصلحة الحاصلة له بالهجرة، تصير مَفسدةً بالنسبة إلى المصلحة المرجوَّة بترْكه للهجرة؛ ا.هـ.-تعالى-

 -تعالى-

وقد سبَق في النُّصرة كلام ابن حزم فيمَن يُقيم بدار الحرب، فراجِعْه.-تعالى-

 -تعالى-

استثناءات لا تنقض أصل البَراء:-تعالى-

أوَدُّ أن أختمَ هذه المسألة في هذه العجالة ببعض الاستثناءات التي لا تنقض أصل البراء؛ حتى لا يقع أحبابُنا في أي تعامُلٍ خاطئ مع النصوص التي ذكَرتها آنفًا، أو غيرها مما هو على شاكِلتها، فيَلزمني في هذا المقام أن أُبيِّن ما يجوز من المعاملة مع الكفار والمشركين؛ وذلك لأنَّ كثيرًا من الناس قد يُسيء الفَهم فيما ورَد من الأدلة من معاملات أجازَها الشرع مع الكفار، فيظنُّ أنها دليلٌ على جواز مُوالاتهم ومَودَّتهم، وما أكثر ما نسمع ذلك ونراه فيمَن يُوالي الكافرين مُوالاة محرَّمة، وأحيانًا كُفريَّة، وهو يَحتجُّ بأنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد باع واشتَرى ووهَب، وقَبِل الهَديَّة، وعاد مرضى الكفار، ونحو ذلك، فلا بدَّ من التفريق بين ما يجوز وما لا يجوز من معاملة الكفار، وأيضًا فكثير من أهل البدع الغُلاة، يَجعلون كلَّ معاملة مع الكفار - أو مع مَن يَظنون كفرَهم؛ بسبب غُلوِّهم في الدين وبِدعتهم - مُوالاة كُفريَّة أو محرَّمة؛ جهلاً منهم بالفرْق بين هذه المعاملات الجائزة، وصُور المُوالاة المحرَّمة لغة وشرعًا، فإليك هذه الصور التي ليستْ من الموالاة؛ إحقاقًا للحقِّ، وتبيينًا له، والله المستعان، وعليه التُّكلان.-تعالى-

 -تعالى-

أولاً: اللين عند عرْض الدعوة: فالبراءة من الكافرين لا تعني حَجْبَ دعوة الإسلام عنهم، وترْكهم لِما هم فيه من ضلالٍ، بل يُحتِّم الإسلام على أهله دعوةَ الناس إلى الخير، وأمْرهم بالمعروف، ونَهيهم عن المنكر، والحرصَ على هدايتهم، والرغبة الأكيدة في تحوُّلهم إلى الإسلام.-تعالى-

 -تعالى-

ولَمَّا كان هذا لا يأتي إلاَّ بالدخول إلى النفوس من مداخلها، واستجلاب رضاها وراحتها، فإن الإسلام جعَل سبيل الدعوة مع الكفَّار وغيرهم، هو الحِكمة والموعظة الحسَنة، والجدال بالتي هي أحسن؛ كما قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].-تعالى-

 -تعالى-

وذلك لأنَّ النفوس الشاردة والقلوب القاسية لا تعود إلى الإسلام، ولا تَلين إلا بالمُلاينة والمُلاطفة، وإظهار العطف والشفقة والحرص؛ ولذلك قال تعالى لموسى وهارون عندما أرسَلهما إلى فرعون: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 44].-تعالى-

 -تعالى-

وهكذا صنَع موسى مع فرعون وجادَله بالحسنى، ثم وكَل أمرَه إلى الله تعالى بعد أن أعلَن فرعون عدَاوته له.-تعالى-

 -تعالى-

وهكذا أيضًا صنَع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع المشركين والكافرين والمُعاندين، ممن عرَض عليهم دعوته؛ سواء كانوا من العرب المشركين، أو اليهود، أو النصارى؛ امتثالاً لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ﴾ [العنكبوت: 46]، وقوله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ [النحل: 125]، وقوله تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾ [المزمل: 10].-تعالى-

 -تعالى-

وهذه الآيات التي تدعو إلى الحكمة واللين، والصَّفح الجميل، لا تُناقض الآيات التي تدعو إلى الشِّدة والغلظة؛ لأنها إنَّما تكون في القتال للمشركين والمنافقين؛ كقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [التوبة: 73]، وكقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَة ﴾ [التوبة: 123].-تعالى-

 -تعالى-

وبهذا يَظهر لنا جليًّا التفريق بين مقام القتال ومقام الدعوة، فمقام الدعوة هو اللين والمُلاطفة، وتخيُّر الألفاظ وإحسان القول؛ رغبةً في استمالة القلوب إلى الإسلام، ومقام القتال هو الشِّدة والغِلظة.-تعالى-

 -تعالى-

ولا بدَّ من الفَهم الدقيق والوعي العميق بهذا الأمر؛ حتى لا نقعَ في أي تعامُلٍ خاطئ مع النصوص بوضْعها في غير موضعها، أو بالاستشهاد بها في غير محلِّها.-تعالى-

 -تعالى-

ثانيًا: حِلُّ الزواج بالكتابيَّة، وأكْل ذبيحة الكتابي: لا شكَّ أنَّ الكتابي - يهوديًّا كان أو نصرانيًّا - هو ممن حكَم الله تعالى عليه بالكفر والخلود في النار، إذا سَمِع بالإسلام ولَم يدخل فيه، وبالرغم من ذلك فقد أباحَ الله تعالى للمسلم أن يأكلَ مما ذبحَه الكتابي، وأن يتزوَّج المرأة الكتابيَّة، وهذا مُجمع عليه بين المسلمين، وتَشهد له الآية الخامسة من سورة المائدة.-تعالى-

 -تعالى-

وبهذا تعلم أنَّ الأكل من طعام اليهود والنصارى، لا يُعارض البراءة منهم وإن كان الطعام هديَّة؛ فقد أكَل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الشاة التي أهْدَتها له اليهوديَّة في خيبر، وأكَل منها أصحابه، وكذلك الزواج من نسائهم، ولا شكَّ أنَّ المودَّة التي تكون في قلب الزوج لزوجته، هي من المودَّة الفطريَّة المُستثناة من النهي عن المودَّة للكفار المنصوص عليها في مثل قوله تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ [المجادلة: 22].-تعالى-

 -تعالى-

ثالثًا: الإحسان إليهم والبر بهم: وهذا أيضًا لا ينقض أصل البراءة من الكفار والمُشركين، والأصل في هذا قوله تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8].-تعالى-

 -تعالى-

ويدخل في البر بهم عيادةُ مرضاهم، وقَبول هداياهم، والإهداء إليهم، والدعاء لهم بالهداية، وردُّ السلام عليهم، فلقد دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- لطوائف من الكفار والمشركين ليَهديهم الله؛ كما في صحيح مسلم أنه قال: ((اللهمَّ اهْدِ أُمَّ أبي هريرة))، عندما طلَب أبو هريرة هذه الدعوة، وكما قال: ((اللهمَّ اهْدِ دوسًا وائْتِ بهم))؛ كما في الصحيحين، وكما قال: ((اللهمَّ اهْدِ ثقيفًا))؛ كما عند الترمذي، وغير ذلك.-تعالى-

 -تعالى-

أمَّا عن قَبول هداياهم بنيَّة تأنيسهم وتأليفهم على الإسلام، فقد ثبَت أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قَبِل هدايا المشركين، بل إنَّ الإمام البخاري - رحمه الله - بوَّب في صحيحه بابًا بعنوان: "باب قَبول الهدية من المشركين"، وروى فيه عدة أحاديث، وبوَّب - رحمه الله - كذلك في الإهداء لهم بابًا بعنوان: "باب الهديَّة للمشركين"، وقول الله تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8]، وروى فيه عدة أحاديث أيضًا، فليُرجَع إليه.-تعالى-

 -تعالى-

وأمَّا عن ردِّ السلام عليهم، فقد قال ابن القيِّم في "زاد المعاد": "اخْتُلِف في وجوبه، فالجمهور على وجوبه، وهو الصواب، وقالت طائفة: لا يجب الردُّ عليهم، كما لا يجب على أهل البِدع، وهو أَوْلى، والصواب: الأوَّل، والفرق أنَّا مأمورون بهجْر أهل البدع؛ تعزيرًا لهم، وتحذيرًا منهم، بخلاف أهل الذِّمة"؛ ا.هـ.-تعالى-

 -تعالى-

ومما يرجِّح رأيَ الجمهور في وجوب الرد على أهل الكتاب قولُه -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المُتفق عليه: ((إذا سلَّم عليكم أهل الكتاب، فقولوا: وعليكم)).-تعالى-

 -تعالى-

وأُؤكِّد أنَّ البر والصِّلة والإحسان، لا يَستلزم التحابُب والتوادُد المنهي عنه، وتُعجبني هنا عبارة الحافظ ابن حجر - رحمه الله - إذ يقول: "والهدية للمشرك إثباتًا ونفيًا، ليستْ على الإطلاق".-تعالى-

 -تعالى-

وأمَّا عن عيادة مرضاهم، فلقد روى البخاري عن أنس أنَّ غلامًا يهوديًّا كان يَخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- فمَرِض، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يَعوده، فقعَد عند رأسه، فقال له: ((أسْلِم))، فنظَر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: ((أطِع أبا القاسم))، فخرَج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: ((الحمد لله الذي أنقَذه من النار)).-تعالى-

 -تعالى-

قال ابن بطَّال: "إنما تُشرع عيادته إذا رُجِي أن يُجيب إلى الدخول في الإسلام، فأمَّا إذا لَم يَطمع في ذلك، فلا"، ويعلِّق ابن حجر في الفتح على هذا بقوله: "والذي يظهر أن ذلك يَختلف باختلاف المقاصد، فقد يقع بعيادته مصلحة أخرى".-تعالى-

 -تعالى-

رابعًا: الاستعانة بغير المسلم بغرض حماية الداعي: ومن أدلة ذلك حماية أبي طالب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد حرَص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، وأيضًا قَبول أبي بكر - رضي الله عنه - الدخول في جوار ابن الدُّغُنَّة، وليستِ العلَّة في قَبول ذلك مجرَّد تمتُّع المسلمين بالراحة والحياة، ولكن للتمكُّن من نشْر الإسلام والدعوة إلى الله - سبحانه - أو النجاة من إيذاء الكفار وبَطْشهم؛ للقيام مستقبلاً بالدعوة إلى الله تعالى، وهذا بشرط ألاَّ يكون على حساب أحكام الإسلام، أو التنازُل عن شيءٍ منها، وأن يطمئنَّ إلى عدم خيانته للمسلم، أو كشْف ما اطَّلع عليه من أمر الدعوة إلى الله تعالى؛ سواء كان ذلك لجميلٍ عليه للمسلم، أو صدق معاملةٍ، أو حُسن خلقٍ، ولا ضَيْر على المسلم إذا استعانَ على ذلك بموقف المشرك المفيد لأيِّ سببٍ من الأسباب.-تعالى-

 -تعالى-

أمَّا الاستعانة بهم في قتال الكفار، فالراجح المنْع منه؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث عند مسلم وأبي داود، والترمذي وابن ماجه: ((ارجِع، فلن أستعينَ بمشركٍ))، وأمَّا في قتال المسلمين، فمنَعه جماهير العلماء؛ لأنه تسليطٌ للكفار على المسلمين، وقد قال تعالى: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141].-تعالى-

 -تعالى-

خامسًا: المؤاجرة والمُبايعة مع المشركين: قال البخاري - رحمه الله - في صحيحه: "باب هل يُؤاجر الرجل نفسه من مشركٍ في أرض الحرب؟"، ثم ساق بسنده عن خبَّاب - رضي الله عنه - قال: كنتُ رجلاً قَيْنًا، فعَمِلت للعاص بن وائل، فاجتمَع لي عنده، فأتيتُه أتقاضَاه، فقال: لا والله، ولا أَقضيك؛ حتى تكفرَ بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- فقلتُ: أمَا والله حتى تموت، ثم تُبعث، فلا، قال: وإني لميِّت ثم مَبعوث؟! قلتُ: نعم، قال: فإنه سيكون لي مالٌ وولد، فأَقضيك، فأنزَل الله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا ﴾ [مريم: 77]، والحديث رواه مسلم أيضًا.-تعالى-

 -تعالى-

قال ابن حجر في الفتح في شرْح هذا الباب: أورَد فيه حديث خبَّاب - وهو إذ ذاك مسلم - في عمله للعاص بن وائل، وهو مُشرك، وكان ذلك بمكَّةَ، وهي إذ ذاك دارُ حربٍ، واطَّلع النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، وأقرَّه، ولَم يَجزم المصنِّف بالحُكم؛ لاحتمال أن يكون الجواز للضرورة، أو أنَّ جواز ذلك كان قبل الإذن في قتال المشركين ومُنابذتهم، وقبل الأمر بعدم إذلال المؤمن لنفسه.-تعالى-

 -تعالى-

قال المهلَّب: كَرِه أهل العلم ذلك، إلاَّ لضرورةٍ، بشرطين: أحدهما: أن يكون عمله فيما يحلُّ للمسلم فعْله، والآخر: ألاَّ يُعينَه على ما يعود ضررُه على المسلمين، وقال ابن المُنَيِّر: استقرَّت المذاهب على أنَّ الصُّنَّاع في حوانيتهم يَجوز لهم العمل لأهل الذِّمَّة، ولا يُعَدُّ ذلك من الذِّلة، بخلاف مَن يَخدمه في منزله، وبطريق التبعيَّة له؛ ا.هـ.-تعالى-

 -تعالى-

قال ابن قدامة في "المغني": لا تَجوز إجارة المسلم للذِّمي لخدمته، نصَّ عليه أحمد في رواية الأثرم، فقال: إنْ آجَر نفسه من الذِّمي في خدمته، لَم تَجز، وإن كان في عمل شيء جازَ، وهو أحد قولَي الشافعي، والآخر: تجوز؛ لأنَّ له إجارة نفسه في غير الخدمة، فجازَ فيها، كإجارته من المسلم، ولنا أنه عقدٌ يتضمَّن حبْس المسلم عند الكافر، وإذلاله واستخدامه، أشْبَه البيع، يُحقِّقه أنَّ عقد الإجارة للخدمة يتعيَّن فيه حبْسه مدة الإجارة واستخدامُه، والبيع لا يتعيَّن فيه ذلك، فإذا مُنِع منه، فلأن يُمنعَ من الإجارة أَوْلى، فأمَّا إن آجَر نفسه في عملٍ مُعيَّن في الذِّمة، كخياطة ثوبٍ وقِصارته، جازَ بغير خلاف نَعلمه.-تعالى-

 -تعالى-

ثم قال - رحمه الله -: ولأنه عقدُ معاوضةٍ، لا يتضمَّن إذلالَ المسلم ولا استخدامه، أشْبَه مُبايعتَه، وإن آجَر نفسه منه لعملٍ غير الخدمة مدة معلومة، جاز أيضًا في ظاهر كلام أحمد؛ ا.هـ.-تعالى-

 -تعالى-

سادسًا: البيع والشراء: قال البخاري - رحمه الله -: "باب الشراء والبيع من المشركين وأهل الحرب"، ثم ساق سنده عن عبدالرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهما - قال: كنَّا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم جاء رجل مُشرك طويلٌ بغنمٍ يَسوقها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((بيعًا أم عطيَّة، أو قال: أم هِبة؟))، قال: لا، بل بيْعٌ، فاشترى منه شاةً.-تعالى-

 -تعالى-

قال ابن حجر في الفتح: "قال ابن بطَّال: معاملة الكفار جائزةٌ، إلاَّ بيع ما يَستعين به أهل الحرب على المسلمين، ثم قال: وفي الحديث قَبول هديَّة المُشرك؛ لأنه سألَه: هل يَبيع أو يُهدي؟"؛ ا.هـ.-تعالى-

 -تعالى-

سابعًا: الانتفاع بما عندهم: فيجوز للمسلم أن يتلقَّى من غير المسلم ما يَنفعه في علم الكيمياء والفيزياء، والفلك والطب، والصناعة والزراعة، والأعمال الإدارية، وأمثال ذلك، وهذا حين تَنعدم الاستفادة من هذه العلوم من مسلمٍ تقيٍّ.-تعالى-

 -تعالى-

كذلك يجوز الانتفاع بهم في دَلالة الطريق، وما عندهم من سلاحٍ، وملابسَ، وغير ذلك من الحاجات التي يحتاجها الناس، وجرَت العادة فيها أنَّ المسلم والكافر يَستويان في الانتفاع بها.-تعالى-

 -تعالى-

وأدلة الانتفاع بالكفار نجدها في سُنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقد ورَد في الحديث عند البخاري عن عائشة - رضي الله عنها -: "واستأْجَر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر رجلاً من بني الدِّيل هاديًا خِرِّيتًا".-تعالى-

 -تعالى-

ثامنًا: إظهار الموافقة للكفار عند الإكراه والتقيَّة: لَمَّا كان المسلم قد يتعرَّض إلى ضرورة تُكرهه على إظهار مُوالاة الكفار أو المنافقين، أو أن يدفعَ عن نفسه شرَّهم وأذاهم باستعمال التقيَّة، لَزِم أن يكون على بيِّنة من أمره فيما يَجوز وما لا يجوز من ذلك، وحدود الإكراه المُعتبر شرعًا، ومعنى التقيَّة، وشروط اعتبار العمل بها، وهذا فصل مختصر في أهم مسائل هذا الموضوع؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النحل: 106].-تعالى-

 -تعالى-

وسبب نزول هذه الآية كما ذكَر ابن كثير في تفسيره من رواية العوفي عن ابن عباس، أنَّ هذه الآية نزلَت في عمار بن ياسر حين عذَّبه المشركون؛ حتى يكفر بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- فوافَقهم على ذلك مُكرهًا، وجاء معتذرًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزَل الله هذه الآية، وهكذا قال الشعبي وقتادة وأبو مالك؛ كما في "جامع البيان"؛ لابن جرير الطبري -رَحمهم الله جميعًا.-تعالى-

 -تعالى-

قال ابن كثير: ولهذا اتَّفق العلماء على أن المُكره يجوز له أن يُوالي المشركين؛ إبقاءً لمُهجته.-تعالى-

 -تعالى-

شروط الإكراه المُعتبر شرعًا:-تعالى-

ذكَر الحافظ ابن حجر في الفتح هذه الشروط:-تعالى-

1- أن يكون فاعله قادرًا على إيقاع ما يُهدِّد به، والمأمور عاجزًا عن الدفع، ولو بالفرار.-تعالى-

 -تعالى-

2- أن يغلبَ على ظنِّه أنه إذا امتَنع، أَوْقَع به ذلك.-تعالى-

 -تعالى-

3- أن يكون ما هَدَّده به فوريًّا، فلو قال: إن لَم تفعل كذا، ضربتُك غدًا، لا يُعَدُّ مُكرهًا، ويُستثنى ما إذا ذكر زمنًا قريبًا جدًّا، أو جرَت العادة بأنه لا يُخلَف.-تعالى-

 -تعالى-

4- ألاَّ يَظهر من الأمور ما يدلُّ على اختياره؛ ا.هـ.-تعالى-

 -تعالى-

أمَّا لو تمكَّن من الفرار على أن يُعطيهم ماله، فعَل؛ قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره عند قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 207]: قال ابن عباس وأنس، وسعيد بن المسيَّب، وأبو عثمان النهدي، وعِكرمة وجماعة: "نزَلت في صُهيب بن سِنان الرُّومي، وذلك أنه لَمَّا أسلَم بمكَّةَ، وأراد الهجرة، منَعه الناس أن يُهاجر بماله، فإن أحبَّ أن يتجرَّد منه ويُهاجر، فعَل، فتخلَّص منهم وأعطاهم ماله، فأنزَل الله فيه هذه الآية، فتلقَّاه عمر بن الخطاب وجماعة على طرف الحرَّة، فقالوا له: رَبِح البيع، فقال: وأنتم فلا أخسَر الله تجارتكم، وما ذاك؟! فأخبَروه أنَّ الله تعالى أنزَل فيه هذه الآية"؛ ا.هـ.-تعالى-

 -تعالى-

ثم قال - رحمه الله -: وأمَّا الأكثرون، فحمَلوا ذلك على أنها نزَلت في كلِّ مجاهدٍ في سبيل الله؛ ا.هـ.-تعالى-

 -تعالى-

وما فعلَه صُهيب - رضي الله عنه - مشروع بلا شكٍّ، ولكن هل هو واجب أم مُستحب؟ الذي يظهر أنَّ الإضرار البالغ بالمال يُعَدُّ عُذرًا يُسقط من صاحبه وجوب التخلُّص من الكفار بدفْع المال، ويبقى الاستحباب، وأمَّا الحبَّة من المال التي لا أثَر لها، فيَلزمه حِفظ دينه بدَفْعها، والله تعالى أعلى وأعلم.-تعالى-

 -تعالى-

على أي شيءٍ يَصِح الإكراه؟-تعالى-

قال القرطبي - رحمه الله - في تفسيره: "أجمعَ العلماء على أنَّ مَن أُكرِه على قتْل غيره، أنه لا يجوز له الإقدام على قتْله، ولا انتهاك حُرمته بجلْدٍ أو غيره، ويَصبر على البلاء الذي نزَل به، ولا يحلُّ له أن يَفدي نفسه بغيره، ويسأل الله العافية في الدنيا والآخرة، واخْتُلِف في الزنا، فقال مُطرِّف، وأَصبغُ، وابن الحكم، وابن الماجشون: لا يَفعل أحدٌ ذلك، وإن قُتِل، لَم يَفعله، فإن فعَله، فهو آثِمٌ، ويَلزمه الحدُّ، وبه قال أبو ثور، والحسن، قال ابن العربي: الصحيح أنه يجوز الإقدام على الزنا، ولا حدَّ عليه؛ خلافًا لِمَن ألْزَمه ذلك".-تعالى-

 -تعالى-

ثم قال - رحمه الله -: وقال ابن خُويز مِنداد في أحكامه: اختَلف أصحابنا متى أُكرِه الرجل على الزنا، فقال بعضهم: عليه الحد؛ لأنه إنما يفعل ذلك باختياره، وقال بعضهم: لا حدَّ عليه، قال ابن خُويز مِنداد: وهو الصحيح، وقال أبو حنيفة: إن أكرَهه غير السلطان، حُدَّ، وإن أكرَهه السلطان، فالقياس أن يُحَدَّ، ولكن أسْتَحْسِن ألاَّ يُحَدَّ، وخالَفه صاحباه، فقالا: لا حدَّ عليه في الوجهين، ولَم يُراعوا الانتشار - يَعني: انتشار ذكَرِه قبل الإيلاج - وقالوا: متى عَلِم أنه يتخلَّص من القتل بفعْل الزنا، جاز أن يَنتشر، قال ابن المنذر: لا حدَّ عليه، ولا فرْقَ بين السلطان في ذلك وغير السلطان".-تعالى-

 -تعالى-

هل يَصِح الإكراه على القول والفعل، أم القول فقط؟-تعالى-

قال القرطبي - رحمه الله - في تفسيره: ذهبَت طائفة من العلماء إلى أنَّ الرُّخصة إنما جاءت في القول، وأمَّا في الفعل، فلا رُخصة فيه؛ مثل أن يُكره على السجود لغير الله، أو الصلاة لغير القِبلة، أو قتْل مسلمٍ أو ضرْبه، أو أكْل ماله، أو الزنا، وشُرب الخمر، وأكْل الربا، يُروى هذا عن الحسن البصري، وهو قول الأوزاعي، وسحنون من علمائنا، وقال محمد بن الحسن: إذا قيلَ للأسير: اسجُد لهذا الصنم وإلاَّ قتلتُك، فقال: إن كان الصنم مقابل القِبلة، فليَسجد، ويكون نيَّته لله تعالى، وإن كان لغير القِبلة، فلا يَسجُد وإن قتَلوه، والصحيح أنه يَسجد وإن كان لغير القِبلة، وما أحراه بالسجود حينئذٍ، فقد قال ابن عمر: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُصلي وهو مُقبل من مكَّةَ إلى المدينة على راحلته؛ حيث كان وجهه"، قال: وفيه نزَلت: ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 115]، وفي رواية: "ويُوتر عليها، غير أنه لا يُصلي المكتوبة" - قلتُ: والحديث متَّفق عليه - فإذا كان هذا مباحًا في السفر - في حالة الأمن -لتعب النزول عن الدابَّة للتنفُّل، فكيف بحالة هذا المُكره؟! واحتجَّ مَن قصَر الرُّخصة على القول بقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: "ما من كلامٍ يَدرأ عني سوطين من ذي سلطان، إلاَّ كنتُ متكلِّمًا به"، فقصَر الرُّخصة على القول، ولَم يَذكر الفعل في حُكمه.-تعالى-

 -تعالى-

وقالت طائفة: الإكراه في الفعل والقول سواء، إذا أسرَّ الإيمان، رُوِي ذلك عن عمر بن الخطاب، ومكحول، وهو قول مالك، وطائفة من أهل العراق، وروى ابن القاسم عن مالك أن مَن أُكرِه على شُرب الخمر، وترْك الصلاة، أو الإفطار في رمضان، أنَّ الإثِمَ عنه مرفوعٌ.-تعالى-

 -تعالى-

بِمَ يَصِح الإكراه؟-تعالى-

قال القرطبي - رحمه الله - في تفسيره: واختلَف العلماء في حدِّ الإكراه، فرُوِي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: "ليس الرجل آمِنًا على نفسه إذا أخْفتَه، أو أوْثَقتَه، أو ضرَبته"، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "ما من كلامٍ يَدرأ عني سوطين من ذي سلطان، إلاَّ كنتُ مُتكلِّمًا به"، وقال الحسن: "التقيَّة جائزة للمؤمن إلى يوم القيامة، إلاَّ أنَّ الله تعالى لَم يجعل في القتل تقيَّةً"، وقال النَّخعي: "القيدُ إكراه، والسجن إكراهٌ"، وهذا قول مالك، إلاَّ أنه قال: "والوعيد المحقَّق إكراه، وإن لَم يقع، إذا تحقَّق ظلم ذلك المُعتدي، وإنفاذه لِما يتوعَّد به"، وليس عند مالك وأصحابه في الضرب والسجن توقيتٌ؛ إنما هو ما كان يُؤلم من الضَّرب، وما كان من السجن يدخل منه الضِّيق على المُكره، وإكراه السلطان وغيره عند مالك إكراهٌ. وتناقَض الكوفيون، فلم يجعلوا السجن والقيْد إكراهًا على شرب الخمر وأكْل المَيتة؛ لأنه يُخاف منهما التَّلف، وجعَلوهما إكراهًا في إقراره: لفلانٍ عندي ألفُ درهم.-تعالى-

 -تعالى-

قال ابن سحنون: وفي إجماعهم على أنَّ الألَم والوَجع الشديد إكراهٌ، ما يدلُّ على أن الإكراه يكون من غير تَلَفِ نفسٍ، وذهَب مالك إلى أنَّ مَن أُكرِه على يمينٍ بوعيدٍ، أو سجنٍ، أو ضربٍ، أنه يَحلف، ولا حِنْثَ عليه، وهو قول الشافعي، وأحمد، وأبي ثور، وأكثر العلماء.-تعالى-

 -تعالى-

هل يَختلف حُكم الإكراه مع اختلاف المُكره عليه ونوع الإكراه؟-تعالى-

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في الولاء والبَراء: "تأمَّلت المذاهب، فوجَدت الإكراه يختلف باختلاف المُكره عليه، فليس الإكراه المُعتبر في كلمة الكفر، كالإكراه المُعتبر في الهِبة ونحوها، فإن أحمد قد نصَّ في غير موضع: أنَّ الإكراه على الكفر لا يكون إلاَّ بالتعذيب؛ من ضرْبٍ وقيدٍ، ولا يكون الكلام إكراهًا".-تعالى-

 -تعالى-

وقال القرطبي في التفسير: أُكره يوسف - عليه السلام - على الفاحشة بالسجن، وأقام خمسة أعوامٍ، وما رَضِي بذلك؛ لعظيم منزلته، وشريف قَدْره، ولو أُكرِه رجلٌ بالسجن على الزنا، ما جازَ له إجماعًا، فإن أُكرِه بالضرب، فقد اختَلف فيه العلماء، والصحيح أنه إن كان فادحًا، فإنه يَسقط عنه إثمُ الزنا وحْده، وقد قال بعض علمائنا: إنه لا يَسقط عنه الحدُّ، وهو ضعيف؛ فإن الله تعالى لا يَجمع على عبده العذابين، ولا يَصرفه بين بلاءَين، فإنه من أعظم الحرَج في الدين؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78].-تعالى-

 -تعالى-

مسألة في بيان التقية:-تعالى-

قال تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ [آل عمران: 28]. قال البغوي في تفسيره: نهى الله المؤمنين عن مُوالاة الكفار، ومُداهنتهم ومُباطنتهم، إلاَّ أن يكون الكفار غالبين ظاهرين، أو يكون المؤمن في قومٍ كفار يَخافهم، فيُداريهم باللسان، وقلبه مُطمئنٌّ بالإيمان؛ دفعًا عن نفسه من غير أن يستحلَّ دمًا حرامًا، أو مالاً حرامًا، أو يُظهر الكفار على عورة المسلمين، والتقيَّة لا تكون إلاَّ مع خوف القتْل، وسلامة النيَّة؛ قال تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾ [النحل: 106].-تعالى-

 -تعالى-

ثم هذه رُخصة، فلو صبَر حتى قُتِل، فله أجرٌ عظيم"؛ ا.هـ.-تعالى-

 -تعالى-

وقال ابن القيِّم في "بدائع الفوائد": معلوم أنَّ التقاة ليستْ بموالاةٍ، ولكن لَمَّا نَهاهم عن موالاة الكفار، اقتَضى ذلك مُعاداتَهم، والبراءةَ منهم، ومُجاهرتهم بالعدوان في كلِّ حالٍ، إلاَّ إذا خافوا من شرِّهم، فأباحَ لهم التقيَّة، وليست التقيَّة مُوالاةً لهم"؛ ا.هـ.-تعالى-

 -تعالى-

ولأنَّ باب التقاة بابٌ يُمكن أن يَنفُذ منه الشيطان بسهولة، يُزيِّن للضعفاء ومرضى القلوب أن يَركنوا إلى أعداء الله تعالى، قال بعدها مباشرة: ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ [آل عمران: 28].-تعالى-

 -تعالى-

يُحذِّركم في الدنيا أن تتَّخذوا هذا الباب تُكَأَةً، وتَستسهلوا هذه الكبيرة - وهي مُوالاة أعداء الله - ويُنذركم أنَّ إليه المصير، فيُجازيكم على ما فعلتُم في الدنيا، فلا تَحسبوا أن تَرتكبوا هذه الكبيرة في الأرض - مُخادعين أنفسكم، أو مخادعين الناس - ثم تَنجوا من عذاب الله في الآخرة.-تعالى-

 -تعالى-

قال شهاب الدين القرافي في "الاستغناء في أحكام الاستثناء": ﴿ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾ [آل عمران: 28]، تقديره: لا تَفعلوا ذلك في حالة من الحالات، إلاَّ في حالة الاتِّقاء.-تعالى-

 -تعالى-

وقال ابن جرير في "جامع البيان" في تفسير قوله تعالى: ﴿ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾ [آل عمران: 28]؛ أي: إلاَّ أن تكونوا في سلطانهم، فتَخافوهم على أنفسكم، فتُظهروا لهم الولاية بألْسِنتكم، وتُضمروا العداوة، ولا تُشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تُعينوهم على مسلمٍ بفعْلٍ؛ ا.هـ.-تعالى-

 -تعالى-

وفي الجملة؛ فهذه بعض الاستثناءات التي لا تَنقض أصل البَراء من الناحية العمليَّة، أردتُ إضافتها هنا؛ حتى لا يقع الإخوة الكرام في أي تعامُلٍ خاطئ مع النصوص الخاصة أو العامَّة، بوضعها في غير موضعها، أو بالاستشهاد بها في غير محلِّها، ولا سيَّما والأسئلة كثيرة عن مثل هذه المسائل العمليَّة.-تعالى-

 -تعالى-

أسأل الله تعالى الفَهم الصحيح، والعمل المقبولَ، والله وَلِيُّ التوفيق.-تعالى-

-تعالى-

محمود العشري

كاتب له عدد من الكتابات في المواقع الإسلامية

  • 12
  • 2
  • 44,955
المقال السابق
(4) الدليل على انفراد الله بالألوهية
المقال التالي
(6) التحكيم للشريعة
  • hosny maher

      منذ
    الدليل علي انه لا يجوز فعل الكفر هذا الأثر إنما يصح من قول سلمان رضي الله عنه؛ كما رواه الإمام أحمد في "الزهد" (84) قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: ( دَخَلَ رَجُلٌ الْجَنَّةَ فِي ذُبَابٍ، وَدَخَلَ النَّارَ رَجُلٌ فِي ذُبَابٍ. قَالُوا: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مَرَّ رَجُلَانِ عَلَى قَوْمٍ لَهُمْ صَنَمٌ لَا يَجُوزُهُ أَحَدٌ حَتَّى يُقَرِّبَ لَهُ شَيْئًا، فَقَالُوا لِأَحَدِهِمَا: قَرِّبْ! قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ، فَقَالُوا لَهُ: قَرِّبْ وَلَوْ ذُبَابًا! فَقَرَّبَ ذُبَابًا، فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ. قَالَ: فَدَخَلَ النَّارَ. وَقَالُوا لِلْآخَرِ: قَرِّبْ وَلَوْ ذُبَابًا! قَالَ: مَا كُنْتُ لِأُقَرِّبَ لِأَحَدٍ شَيْئًا دُونَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَضَرَبُوا عُنُقَهُ، قَالَ: فَدَخَلَ الْجَنَّةَ )
  • hosny maher

      منذ
    الدليل علي انه لا يجوز فعل الكفر هذا الأثر إنما يصح من قول سلمان رضي الله عنه؛ كما رواه الإمام أحمد في "الزهد" (84) قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: ( دَخَلَ رَجُلٌ الْجَنَّةَ فِي ذُبَابٍ، وَدَخَلَ النَّارَ رَجُلٌ فِي ذُبَابٍ. قَالُوا: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مَرَّ رَجُلَانِ عَلَى قَوْمٍ لَهُمْ صَنَمٌ لَا يَجُوزُهُ أَحَدٌ حَتَّى يُقَرِّبَ لَهُ شَيْئًا، فَقَالُوا لِأَحَدِهِمَا: قَرِّبْ! قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ، فَقَالُوا لَهُ: قَرِّبْ وَلَوْ ذُبَابًا! فَقَرَّبَ ذُبَابًا، فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ. قَالَ: فَدَخَلَ النَّارَ. وَقَالُوا لِلْآخَرِ: قَرِّبْ وَلَوْ ذُبَابًا! قَالَ: مَا كُنْتُ لِأُقَرِّبَ لِأَحَدٍ شَيْئًا دُونَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَضَرَبُوا عُنُقَهُ، قَالَ: فَدَخَلَ الْجَنَّةَ )

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً