نعم المصلى (27) وفاء الأمة لبيت المقدس

منذ 2017-12-28

من الحقائق التي قد يغفل عنها كثير من المسلمين، أن أحداث تاريخية مهمة وبطولات منقطعة النظير، وقعت في فلسطين قلبت مجريات التاريخ، بل لا نبالغ إذا قلنا أن الأمة كانت تمر بمرحلة حرجة وصعبة ومظلمة للغاية، حتى فقد المسلمون الأمل بالنهوض مرة أخرى واسترداد مكانتهم وقوتهم!

نعم المصلى (27) وفاء الأمة لبيت المقدس

الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ومصطفاه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:

فهذه سلسلة حلقات مختصرة للتعريف بمكانة " المسجد الأقصى" من خلال القرآن والسنة الصحيحة، وارتباطه العقدي الإيماني التاريخي، بالوحي ورسالة التوحيد ودعوة الأنبياء، وإحياء تلك الحقائق في نفوس المسلمين، سميتها " نِعمَ المُصَلَّى " أسوة بحبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم، الذي أطلق عليه هذه التسمية الجميلة.

الحلقات ستكون بطرح سؤال في كل حلقة، ثم نجيب عليه لتكون أرسخ وأثبت وأحفظ وأوعى، من حيث المعلومة والفهم وديمومة الأُثر


س27/ لماذا يجب علينا الوفاء لبيت المقدس؟

ذكرنا فيما مضى أهمية ومكانة فلسطين وقداستها وبركتها، وارتباطها العقدي الإيماني بالوحي ورسالة جميع الأنبياء، وهذا دافع وحافز كبير ليتحمل كل مسلم المسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه تلك القضية المهمة والأرض المغتصبة.

لكن هذا لا يمنع بأن نُذكِّر ببعض المواقف والحقائق التاريخية المهمة، والصور المشرقة والانتصارات التي تحققت على ثراها، ليكون حافزا إضافيا ودافعا قويا من باب الوفاء ورد الجميل لتلك الأرض، بالإضافة للحافز الأصلي الشرعي.

من الحقائق التي قد يغفل عنها كثير من المسلمين، أن أحداث تاريخية مهمة وبطولات منقطعة النظير، وقعت في فلسطين قلبت مجريات التاريخ، بل لا نبالغ إذا قلنا أن الأمة كانت تمر بمرحلة حرجة وصعبة ومظلمة للغاية، حتى فقد المسلمون الأمل بالنهوض مرة أخرى واسترداد مكانتهم وقوتهم!

في هذه الحلقة وجوابا على السؤال المطروح، سنذكر ثلاثة مواقف مفصلية وأحداث مهمة في تاريخ فلسطين تلك الأرض الطيبة المقدسة المباركة، أعيدت للأمة مجدها ورفعتها وسؤددها بعد سنوات مظلمة وظروف عصيبة.

المشهد الأول:

بعد أن وصلت مساحة الدولة الإسلامية من الصين إلى فرنسا لتشمل مساحة من أوربا، حصل انقساما وزاد الخلاف بين الدويلات الصغيرة، حتى أن بعضهم يستعين بالأعداء ليقضي على البعض الآخر! لتبدأ الحملات الصليبية تستولي على المدن من أهمها أنطاكيا ثم حاصروا بيت المقدس ودخلوا المدينة واقتحموا المسجد الأقصى سنة 492هـ، وأحدثوا بداخله مقتلة عظيمة وحشية رهيبة، حتى عبر عنها أحد مؤرخي الحروب الصليبية من الفرنجة قائلا:" حتى أن جنودنا كانوا يخوضون حتى سيقانهم في دماء المسلمين!".

وفي سنة 583هـ زحف صلاح الدين من دمشق ودارت معركة حطين قرب طبرية، وأنزل بالصليبيين هزيمة ساحقة ثم زحف إلى عكا وصيدا ويافا وبيروت ونابلس والرملة وحرر المسجد الأقصى.

هكذا كانت موقعة "حطين" في فلسطين نصراً مؤزراً، وموقعة فاصلة لتاريخ المسلمين، وصفحة ناصعة البياض لصلاح الدين، إذ قلبت الموازين وأعادت للأمة مكانتها ومجدها بعد سنين من الذل والضعف والهوان.

المشهد الثاني:

مع بدايات القرن السابع الهجري هنالك قوتان مؤثرتان في العالم؛ قوة المسلمين وقوة الصليبيين، وكان المسلمون يحكمون من غرب الصين مرورا بآسيا وأفريقيا حتى غرب أوربا في بلاد الأندلس، إلا أن تدهورا واضطرابا في الحالة السياسية!

كيان المسلمين هو: 
الخلافة العباسية في العراق، مصر والشام والحجاز واليمن تحت حكم الأيوبيين، وبلاد المغرب والأندلس، ودولة خوارزم والهند وغرب فارس- إيران- والأناضول – تركيا-، والصليبيون موزعين في مناطق أوربا وأرمينيا وغيرها.

ظهرت قوة جديدة من منغوليا " شمال الصين" هم التتار بزعامة جنكيز خان وتعني قاهر العالم، خلال فترة وجيزة مملكتهم لتشمل مساحات واسعة: الصين بكاملها "9.5 مليون كم2" و (منغوليا، فيتنام، كوريا، كمبوديا، تايلاند، أجزاء من سبيريا).

تميز التتار المغول بإبادة المدن دون تفريق بين كبير وصغير رجل وامرأة، مدني وعسكري ظالم ومظلوم، ولا عهد لهم ولا ميثاق، فبدأوا باجتياح المدن الإسلامية مدينة مدينة، حتى أسقطوا الخلافة العباسية في بغداد سنة 656هـ، في مقتلة عظيمة لم يشهد لها التاريخ مثيلا، حيث قتل أكثر من مليون نفس!

ثم استمر الزحف التتري إلى حلب ثم دمشق سنة 657هـ، ثم احتلوا نابلس ثم جميع فلسطين إلى غزة، بذلك أسقطوا خلال سنتين: العراق بكاملها وأجزاء كبيرة من تركيا وسوريا وفلسطين ولبنان، حتى وصلوا حدود مصر.

على الرغم من الوضع الاقتصادي الصعب جدا آنذاك في مصر، لكن التف العلماء- ومن أشهرهم العز بن عبد السلام- والأمراء حول القائد سيف الدين قطز، حتى قاتلوا بشجاعة في عين جالوت – بين بيسان ونابلس- في الخامس والعشرين من رمضان سنة 658هـ، لتطوى صفحة مهمة ومرحلة عصيبة على الأمة الإسلامية بل العالم بأسره، ولم تقم للتتار قائمة حتى اليوم!

المشهد الثالث:

احتلال مصر كانت رغبة قوية لساسة فرنسا وقادتها، واستغلوا ضعف الدولة العثمانية، وبعد انتصار نابليون بحرب ضروس على إيطاليا، بدأ الغرور والصلف والآمال باتجاه مصر، قام المليونير اليهودي روتشيلد بسد العجز المادي الفرنسي، وتمويل حملة نابليون على مصر سنة 1798م.

كان الهدف إقناع نابليون بمساعدة اليهود بتكوين وطن قومي لهم في فلسطين، ونزل الأسطول الفرنسي في الاسكندرية وحصلت معركة مع قوات المماليك وانتصر الفرنسيون، ثم بعدها احتلال القاهرة.

بدأ نابليون عام 1799م بحملة نحو فلسطين والشام لإخضاعها لسيطرته، والقضاء على السيطرة العثمانية فيها، ليحتل غزة ويافا وعملوا مقتلة ومجازر بحق أهلها حتى أعدموا 4000 أسير، ثم احتلال مدينة حيفا من قبل القائد الفرنسي كليبر.

تابع نابليون مع كليبر وجيشه المسير عبر الساحل الفلسطيني، لاحتلال مدينة عكا وإخضاع واليها أحمد باشا الجزار حاكم عكا آنذاك، وصلوا مشارف المدينة وفرضوا الحصار حولها وبدأ قصفها بالمدافع.

دافع أهل عكا بقيادة أحمد باشا الجزار عن المدينة دفاعا مستميتا، وفي تلك الفترة تمكنت القوات الفرنسية من احتلال طبرية والناصرة وصفد، وبعد حصار دام اثنين وستين يوما فشل نابليون وجيشه من دخول عكا، وعاد نابليون يجر ذيول الهزيمة والخيبة والخسارة، وقال مقولته المشهور " لقد دفنت أحلامي تحت أسوار عكا "، ثم انكسار الجيش الفرنسي ثم انهزامه من مصر.

أيمن الشعبان

داعية إسلامي، ومدير جمعية بيت المقدس، وخطيب واعظ في إدارة الأوقاف السنية بمملكة البحرين.

  • 0
  • 0
  • 9,813

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً