المنهج القويم في التغيير الصحيح (المقال الخامس)

بسم الله الرحمن الرحيم..

الحمد لله..

إن عجائب الانهزام في هذا الزمان الانهزام من الدين نفسه صراحة والثوابت والقواطع والمسلمات ورفع شعارات كاذبة مكشوفة لا تقدم ولا تؤخر مما هو الواقع والحقيقة.

ومما يزيد الطين بلة ويعقد في الأمور تعقيدا عند العامة وغوغاء الناس عندما يُلبس لهم الحق بالباطل ويقال هناك ديمقراطية وليس كديمقراطية الغرب الكافرة إنما هي ديمقراطية إسلامية كالاجتماع بمجلس الشورى واستشارة أهل الحل والعقد من جميع أشكال الناس وأنواعهم ومشاركة السياسة لأجل الإصلاح ونحو ذلك فيصدقهم العوام الجهال لمثل هذا الكلام المبهرج بكل سهولة ظانين بهم خيرا فأقول فأنّى للإسلام ديمقراطية؟!! وما بالهم يلصقون الإسلام بالديمقراطية وهو منه بريء؟!.

اعلم – أيها الأخ في الله – أن الإسلام هو الاستسلام لله الواحد الأحد وحده جل جلاله, فمن أسلم لله وحده فهو مسلم, ومن استسلم لله ولدين آخر فهو مشرك, كما أن من استكبر عن الإسلام وجحده هو كافر. فهذا كلام في غاية الوضوح والبيان أفاده شيخ الإسلام ابن تيمية في بحوثه في غير ما كتاب.

أما الديمقراطية فاعلم إنما هي دين الكفار ومعناها:

الحكم للشعب فما رآه الشعب أو نواب الشعب شرعا فهو الشرع عندهم, حيث إنهم لا يحترمون أو لا يعظمون شريعة الرحمن بل هم الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ويصرّحون أنهم مشرّعون لذلك فهم نصبوا أنفسهم آلهة من دون الله بل كفار الغرب يودون لو حكم بلاد المسلمين نصارى ولو كانوا أقلية مجاهرين بأنهم نصارى فيرضى المنتسبون إلى الإسلام بذلك وهم فرحون قائلين: البلد بلد ديمقراطي والوطن للجميع والدين لله فيفضلون الوطنية والديمقراطية على الدين كما هو هذا حال كثير من الشعوب القاطنة في الحبشة وإرتيريا المغلوبون المستضعفون.

وهذا هو آخر خطتهم البعيدة المدا, فضلا عما يتمنون من إشاعة الفواحش والإباحية والأمراض الخطيرة كالإيدز والسيدا والهربس وغيره في بلاد المسلمين.

وقد قال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا}[النساء: 89 ]

وقال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109]

وقال تعالى: {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} [الممتحنة: 2]

فب الله إذا فما قيمة مثل هذه الشعوب الممسوخة عند الله ثم عند أهل الحق والدين الصافي وقد انسلخوا من هويتهم الإسلامية وهم أموات غير أحياء ولكنهم لا يشعرون.

وقد أخبرني من رآهم وهم خارجون على الشوارع في أوائل أيام سقوط منغستوا وجاء على السلطة سفاح آخر وقد أبدا لهم قليلا من الحريات أنهم كانوا يصيحون بقول {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا }[ الإسراء: 81] فأي جهالة هذه إذا؟!!

والله سبحانه وتعالى يقول: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى: 21].

ويقول تعالى: {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26 ]

ويقول تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31 ].

ويقول تعالى:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف:40] والآيات في هذا المعنى كثير.

وهنا عجائب أخري من بعض الملبّسين حيث استدلوا لهذا الشرك الواضح وللمشاركة معهم في شركهم قرآنا في قصة يوسف عليه السلام وعمله وزيراً في مملكة كافرة كما زعموا.

وعندما بحثت في كتاب ابن كثير وجدت أنه رجّح أن الملك أسلم فعلاً.

أما قوله تعالى: {ما كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [يوسف:76] لا ينافي أنه أسلم ولكن يحتمل أنه ما زال نظامه جارياً ولم يغير بعد وقد أـسلم, وفيه دليل على أن النظام والحكم دين.

حتى ولو كان محتملاً أن الملك كان كافرا فمن يكون كنبي الله يوسف ­عليه السلام- من الجهر بدعوة الحق وإنكار المنكر فقد قام بدعوة لا إله إلا الله وهو في السجن فما بالك عند خروجه للناس وجعله رسولا نبيا.

وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الحسبة في قصة يوسف عليه السلام أنه كان وزيرا لملك كافر مستدلا بذلك أن يقوم المصلح الإصلاح حسب استطاعته.

ولكن أقول فرق كبير بين يوسف – عليه السلام- الذي أشرت دعوته إلى الله والملبسين في هذا العصر والله المستعان.

وقد قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ }[ يوسف: 34 ].

فعلى العموم هذه مسألة يتكأ بها أناس يريدون أن لا يمروا سنة الله في الابتلاء بالمنهج القويم للتغيير الصحيح.

فيقولون مثلا: هذا من ترتيب الأولويات والمراحل وتمكين مؤقت, سبحان الله, وأنت ترى أن هذه أفكار ما أنزل الله بها من سلطان مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته ودعوته.

وقد مر – بأبي هو وأمي- ما مر من الابتلاء العظيم والتضييق والمقاطعة في شعب أبي طاب حتى أكلوا الجلود مع هجرة بعض أصحابه إلى الحبشة فرارا لدينهم وتعذيب بعض الآخرين المستضعفين حتى مات بعضهم تحت وطأة التعذيب, والعجب وهم مع ذلك يريدون أن يأتيهم الإسلام أو التمكين الرسمي حسب زعمهم وهم سالمون باردون هانئون مع أزواجهم وعيالهم وهو محمول بطبق من ذهب وإن سلكوا نحوه يسلكوا إليه بطريق مفروش بالورود وأشجار رطبة وريحان, والله المستعان.  

بقلم/ أبو عبد الله عبد الفتاح آدم المقدشي.