شرح أثر أبي بكر رضي الله عنه في بعثه لموسم الحج
رأينا - ويا للعجب - كثيرا منهم يهلكون أنفسهم بالبحار الهائجة مستخدمين سفناً جودتها متدنيَّة مسافرين بها - وربما قيل عنهم مهاجرين والهجرة بريئة مما نسبوا إليها - لأجل أن يصلوا إلى بلاد الغرب التي يحلمون بها ليجدوا هناك قليلا من دراهم معدودة
بسم الله الرحمن الرحيم.. شرح أثر أبي بكر رضي الله عنه في بعثه لموسم الحج:
عَن أبي هُرَيْرَة من رِوَايَة حميد بن عبد الرَّحْمَن عَنهُ:
أن أَبَا بكر الصّديق بَعثه فِي الْحجَّة الَّتِي أمره عَلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل حجَّة الْوَدَاع فِي رهطٍ يُؤذن فِي النَّاس يَوْم النَّحْر: « أَلا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك، وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان»..
وَفِي رِوَايَة عقيل: قَالَ حميد: ثمَّ أرْدف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعلي بن أبي طَالب، فَأمره أَن يُؤذن ب " بَرَاءَة " قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَأذن مَعنا فِي أهل منى ب " بَرَاءَة ": « أَلا يحجّ بعد الْعَام مشركٌ وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان».
وَفِي رِوَايَة أبي الْيَمَان: وَيَوْم الْحَج الْأَكْبَر: يَوْم النَّحْر. وَالْحج الْأَكْبَر: الْحَج، وَإِنَّمَا قيل الْحَج الْأَكْبَر من أجل قَول النَّاس: الْحَج الْأَصْغَر. قَالَ: فنبذ أَبُو بكر إِلَى النَّاس فِي ذَلِك الْعَام، فَلم يحجّ فِي الْعَام الْقَابِل الَّذِي حج فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة الْوَدَاع - مشركٌ، وَأنزل الله تَعَالَى فِي الْعَام الَّذِي نبذ فِيهِ أَبُو بكر إِلَى الْمُشْركين: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس فَلَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بعد عَامهمْ هَذَا وَإِن خِفْتُمْ عيلة فَسَوف يغنيكم الله من فَضله} [سُورَة التَّوْبَة: 28] وَكَانَالْمُشْركُونَ يوافون بِالتِّجَارَة، فينتفع بهَا الْمُسلمُونَ، فَلَمَّا حرم الله على الْمُشْركين أَن يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام وجد الْمُسلمُونَ فِي أنفسهم مِمَّا قطع عَلَيْهِم من التِّجَارَة الَّتِي كَانَ الْمُشْركُونَ يوافون بهَا، فَقَالَ الله عز وَجل: {وَإِن خِفْتُمْ عيلة فَسَوف يغنيكم الله من فَضله إِن شَاءَ} ثمَّ أحل فِي الْآيَة الَّتِي فِيهَا تتبعها الْجِزْيَة، وَلم تُؤْخَذ قبل ذَلِك، فَجَعلهَا عوضا مِمَّا مَنعهم من موافاة الْمُشْركين بتجاراتهم، فَقَالَ عز وَجل: {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر} [سُورَة التَّوْبَة: 29]، فَلَمَّا أحل الله عز وَجل ذَلِك للْمُسلمين عرفُوا أَنه قد عاضهم بِأَفْضَل مِمَّا خافوه ووجدوا عَلَيْهِ مِمَّا كَانَ الْمُشْركُونَ يوافون بِهِ فِي التِّجَارَة
وَفِي رِوَايَة ابْن وهب: وَكَانَ حميد يَقُول: يَوْم النَّحْر: يَوْم الْحَج الْأَكْبَر، من أجل حَدِيث أبي هُرَيْرَة.. متفق عليه. فرحم الله الشيخين.
فوائد في هذا الأثر:
أولا: بعث أبي بكر رضي الله عنه إلى هذا الموسم فيه توجيه وتعليم من رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين النظام حيث أمَّره رضي الله عنه على المسلمين في هذا الحج..
ثانيا: فيه إشارة لخلافته من بعده رضي الله عنه.
ثالثا: الأذان بمعنى هنا الإعلام أو الإذاعة أو توعية الناس فيما لم يعلموا من الأحكام التي تجدَّدت خصوصاً والموسم يجمع كثيرا من الناس جاءوا من آفاق مختلفة وبعيدة , وقد جاءت هذه التعليمات من قبل الله سبحانه حيث قال {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[التوبة: 3 ].
رابعا: النبذ أو البراءة من المشركين في ذاك العام مع تخلية البيت من طواف العريانين وتطهير نجسهن من البلد الحرام بطبيعة الحال يناسب تكميل هذا الدين وإتمام النعمة على المسلمين, كما يناسب أيضا حجة وداع النبي صلى الله عليه وسلم في العام المقبل وتنظيفه للجو الملبد بأوساخ المشركين وأنجاسهم خصوصا وقد ألقى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فيها خطبته المشهورة والتي كان فيها توصيات عظيمات للمسلمين, ولذلك لم يحجّ فِي الْعَام الْقَابِل الَّذِي حج فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة الْوَدَاع - مشركٌ، وَأنزل الله تَعَالَى فِي الْعَام الَّذِي نبذ فِيهِ أَبُو بكر إِلَى الْمُشْركين: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس فَلَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بعد عَامهمْ هَذَا وَإِن خِفْتُمْ عيلة فَسَوف يغنيكم الله من فَضله}[سُورَة التَّوْبَة: 28].
خامسا: فيه قبح الكفار وعظيم جهلهم حيث ما كانوا يعبدون ربهم إلا وهم عريانين , وهذا أيضا مما يدل على عنادهم الشديد بباطلهم كما يبدوا خصوصاً وقد انتشر نور الحق وتشعشع في الآفاق ولكنهم مع ذلك - سبحان الله – ما انفكوا يطوفون ببيت الله الحرام عريانين نساءهم ورجالهم ولا يستحيون ولا يخجلون من ذلك حتى إن المرءة منهم كانت تقول:
اليوم يبدوا بعضه أو كله *** فما بدا منه فلا أحله
وهو ما أنزل الله بسببه قوله تعالى{يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } [الأعراف:31].
وهذه طبعا من فتنة الشيطان الذي أخرج أبانا بسببه من الجنة , وقد حذَّرنا الله من ذلك بقوله تعالى{يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 27]..
خامسا: في الأثر عبرة في أن من ترك شيئا لله عوَّضه الله خيرا مما ترك, وهذا يظهر من بداية قوله في الأثر " وكان الْمُشْركُونَ يوافون بِالتِّجَارَة، فينتفع بهَا الْمُسلمُونَ، فَلَمَّا حرم الله على الْمُشْركين أَن يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام وجد الْمُسلمُونَ فِي أنفسهم مِمَّا قطع عَلَيْهِم من التِّجَارَة الَّتِي كَانَ الْمُشْركُونَ يوافون بهَا، فَقَالَ الله عز وَجل: {وَإِن خِفْتُمْ عيلة فَسَوف يغنيكم الله من فَضله إِن شَاءَ} ثمَّ أحل فِي الْآيَة الَّتِي فِيهَا تتبعها الْجِزْيَة، وَلم تُؤْخَذ قبل ذَلِك، فَجَعلهَا عوضا مِمَّا مَنعهم من موافاة الْمُشْركين بتجاراتهم، فَقَالَ عز وَجل: {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر} [سُورَة التَّوْبَة: 29]، فَلَمَّا أحل الله عز وَجل ذَلِك للْمُسلمين عرفُوا أَنه قد عاضهم بِأَفْضَل مِمَّا خافوه ووجدوا عَلَيْهِ مِمَّا كَانَ الْمُشْركُونَ يوافون بِهِ فِي التِّجَارَة.
ولكن - وللأسف الشديد - نرى كثيرا ممن ينتسب إلى الإسلام في هذا العصر الذي انهار المسلمون عكَّسوا القضية لفقدهم التوكل على الله والثقة بالله والاعتماد عليه فيتركون الدِّين الحق بأدنى شيء, بل إنهم يبيعون دينهم بعرضٍ من الدنيا قليل فيصبحون مؤمنين ويمسون كافرين ويمسون مؤمنين ويصبحون كافرين كما جاء في الحديث الشريف.
ونص الحديث كما رواه الإمام مسلم رحمه الله: حدثني يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر جميعا عن إسمعيل بن جعفر قال: ابن أيوب حدثنا إسمعيل قال: أخبرني العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " |بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا ".
بل ورأينا - ويا للعجب - كثيرا منهم يهلكون أنفسهم بالبحار الهائجة مستخدمين سفناً جودتها متدنيَّة مسافرين بها - وربما قيل عنهم مهاجرين والهجرة بريئة مما نسبوا إليها - لأجل أن يصلوا إلى بلاد الغرب التي يحلمون بها ليجدوا هناك قليلا من دراهم معدودة وربما يضعون أيديهم سافلة ليأخذوا ما بيد الكفار فيعطونهم ذلك بلاغا إلى قوام من العيش بل وهذا هو شيء حاصل موجود بل وربما يضطروهم ليناموا في كنائسهم أو ليأكلوا منها وهو شيء حاصل كذلك ومعلوم، كما يتعرض بعض الآخرين - للأسف - حينما يشقون الصحارى للهلاك والموت من العطش أو خطفهم من قبل أعظم مجرمين قراسنة ليُتاجروا بأنفسهم أو بأعضاء أجسامهم كقطاع غيار وهذه عبودية احتاروها لأنفسهم!!, وهذه أيضا حقيقة من عجائب حرص هذا الزمان لكثير ممن ينتسب إلى الإسلام من أبناء العرب وغيرهم وتاريخ أسود مريرأمام أعداء المسلمين!! ,والله المستعان ولا حول ولا فوة إلا بالله العلي العظيم , وإلى الله المشتكى إلى ما آلت إليه أمر أمة محمد.
- التصنيف: