الأساليب المهمة في الدعوة إلى الله: المقال الخامس
من الأساليب المهمة الدعوة إلى الله أيضا عقد الندوات مثلاً لأجل رفع مستوى الدعوة والدعاة والنقاش إن كان هناك مشاكل معوقة في طريق الدعوة إلى الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
ومن الأساليب المهمة في الدعوة إلى الله التربية بالتي هي أحسن:
حدثنا مسدد حدثنا يحيى ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن إبراهيم المعنى عن حجاج الصواف حدثني يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله! فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه! ما شأنكم تنظرون إلي؟! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فعرفت أنهم يصمتوني، فقال عثمان: فلما رأيتهم يسكتوني لكني سكت، قال: فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي ما ضربني ولا كهرني ولا سبني، ثم قال: «إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس هذا، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: يا رسول الله! إنا قوم حديث عهد بجاهلية وقد جاءنا الله بالإسلام، ومنا رجال يأتون الكهان، قال: «فلا تأتهم»، قال: قلت: ومنا رجال يتطيرون، قال: «ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدهم»، قلت: ومنا رجال يخطون، قال: «كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك»، قال: قلت: جارية لي كانت ترعى غنيمات قبل أحد والجوانية، إذ اطلعت عليها اطلاعة فإذا الذئب قد ذهب بشاة منها، وأنا من بني آدم آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فعظم ذاك علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أفلا أعتقها؟ قال: «ائتني بها»، قال: فجئته بها، فقال: «أين الله؟» قالت: في السماء، قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله، قال: «أعتقها فإنها مؤمنة» ) . (رواه مسلم وأبو داود).
وأتناول محل الشواهد من هذا الحديث الصحيح بالتربية بالتي هي أحسن في أماكن ثلاثة كالتالي:-
المكان الأول: قمة أسلوب توجيه المخطئين عند النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أمثل التوجيهات وأطيبها وأعظمها أثرا في نفوس المربِّين إذ فيه" فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي ما ضربني ولا كهرني ولا سبني، ثم قال: «إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس هذا، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»، لذا اعلم إن هذا من أرفع معاني التربية والتعليم كما يلي:-
أ- لم يأخذه بغلطه حيث أنه - بأبي هو وأمي - لم يقله لم فعلت هذا ولا هدده ولا عاتبه ولا وبَّخه ولا ضربه ولا كهره ولا سبَّه.
ب- توجيهه صلى الله عليه وسلم وتصحيح أخطاء هذا الصحابي بأسلوبه الجميل بما يحل له في صلاته وما لا يحل له.
ج- رفقه ولينه صلى الله عليه وسلم حتى قال معاوية رضي الله عنه راوي الحديث " فما رأيت معلماً قط، أرفق من رسول الله صلى الله عليه وسلم " وهذا يدل على أن الرفق ينتج منه ثمار طيبة ومباركة دائما وأبدا لقوله صلى الله عليه وسلم «إن الله رفيق يحب الرفق» ولقوله: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع الرفق من شيء إلا شانه» أوكما قالولا غرو من هذا وهو الذي أثناه الله - بأبي هو وأمي - في كتابه العزيز حيث قال {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْحَوْلِكَ}.
قال سبحانه {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وكان هذا سمت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهديه ومنهجه وطريقته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو خير الناس وأنصح الناس للناس، وهو أكمل الناس نصحاً وأكملهم بياناً وأفصحهم لساناً، وكان هذا شأنه مع أصحابه يعلمهم ويرفق بهم، ويجدون ثمرة هذا الرفق، فيقولون ما يقولون مثل هذه المقالة التي قالها معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه: (فما رأيت معلماً أرفق من رسول الله صلى الله عليه وسلم)." قاله شيخ عبد المحسن عباد في شرحه للسنن أبي داود.
وعلى العموم فلنفهم أن هذا الأسلوب التربوي أنه أرقى الأساليب إذ هو لا ينفِّر بل يجلب المحبة بين المربِّين والمربوبين.
نعم قد يكون بعض المربوبين عندهم نوع من القساوة والجفاء في تقبل المعروف وقد يكونون مشاغبين وقد يكونون غاية في الجهالة ولا يعرفون لك تقدير ولا احترام فما الواجب فعله في مثل هذه النوعية من الناس؟
أولا: لابد أن يكون المربوبون مستسلمين منقادين للمربِّين الأولين أعني الوالدين، وأن يكونا قاما منذ نعومة أظفارهم بتربيتهم وتوجيهاتهم، بل عليهم أن يحسنوا إليهم قبل أن يتزوجوا ليختاروا لهم الأم المناسب البارية التقية الرشيدة المسؤولة إذ إن الأم لها أعظم التأثيرات في تربية الأطفال كما يجب أن يختار البيئة الطيبة المناسبة والمدرسة الطيبة المنضبطة ذو المدرسين الطيبين.
الثاني: لابد من كسب محبة مثل هؤلاء الأطفال بالصبر لأذيتهم ومنحهم النصائح المتتالية كما صبر يعقوب عليه السلام لبنيه في كل وقت يفعلون به ما لا يحبه فإنه قد كان لا يعاتبهم ولا يعنفهم فضلا عن ضربهم ومعاقبتم والغضب عليهم أو والهجران والدعاء عليهم وإنما كان يكتفي بأن يقول {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا}، وذلك لكسب ودهم وبمنحهم النصائح المتتالية مع الإهداء لهم هدايا قيمة تؤثر في نفوسهم.
الثالث: تدريبهم بأن يقوموا وقت السحر للعبادة وللتعلم وأن يناموا بعد العشاء مباشرة.
الرابع: تدريبهم بالنشاط والجد والعمل وعدم الكسل والنوم وقت الضحى.
الخامس: تعليمهم التفسير عند حفظهم للقرآن الكريم إذ الجاهل لا خير فيه، وكيفية ذلك أن يُعلَّم التفسير عند كل درس يتعلمه حتى يتعلم القرآن والعلم والعمل خصوصاً هذا إنما يكون بعد الانتهاء من الحفظ وتركيزه أي عند مراجعة المحفوظات ومعنى ذلك تربية الناشئة بالعلم والعمل منذ نعومة أظفارهم حتى يكون أعظم همهم حمل أمانة العلم والدعوة إلى الله على بصيرة ونصر المسلمين والتزود ليوم الرحيل ولنا في ذلك أسوة حسنة في سلفنا الصالح حييث كان الطفل ينتهي من حفظ القرآن وهو لم يجاوز عشر سنين ثم يتوجه ليحفظ كتاباً معيناً من كتب السنة ثم يتعلم كتابا قيماً من كتب الفقه وهكذا يترقى في سلم العلم حتى يصير مفتيا للناس ولما يبلغ عشرين سنة.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل قالوا فتعلمنا القرآن والعلم والعمل. إذاً هذا هو أحسن المناهج على الإطلاق والطريقة المثلى للتربية والتعليم والتحفيظ.
فهو كما ترى ليس بمجرد تعلم القرآن وحفظه وإنما يتعلم الطالب مع حفظه هذه الدروس مع العمل والتطبيق أي تربية التلاميذ بذلك العلم في واقع حياتهم فما أحسن من ذلك!
والمكان الثاني: قوله: لكني صككتها صكة، فعظم ذاك علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقول: لماذا عظم ذاك علي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والجواب لأن ذاك أسلوب خاطئ في معاملة الناس وتربيتهم بالتي هي أحسن وقد أسلفنا ذكر التوجيه الأسمى والطريقة المثلى في السطزر الماضية.
والمكان الثالث: الحوار الطويل الذي دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الصحابي مما يدل على تواضع وصبر النبي صلى الله عليه وسلم للمتعلم والمستفيد خلاف ما قد نجد من بعض العلماء من التضجر إذا سأله الطالب عدة أسئلة متتالية في وقت واحد.
وذلك نجد من بداية قوله: " قلت: يا رسول الله! إنا قوم حديث عهد بجاهلية وقد جاءنا الله بالإسلام، ومنا رجال يأتون الكهان، قال: «فلا تأتهم»، قال: قلت: ومنا رجال يتطيرون، قال: «ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدهم»، قلت: ومنا رجال يخطون، قال: «كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك»، قال: قلت: جارية لي كانت ترعى غنيمات قبل أحد والجوانية، إذ اطلعت عليها اطلاعة فإذا الذئب قد ذهب بشاة منها، وأنا من بني آدم آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فعظم ذاك علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أفلا أعتقها؟ قال: «ائتني بها»، قال: فجئته بها، فقال: «أين الله؟» قالت: في السماء، قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله، قال: «أعتقها فإنها مؤمنة».
ومن الأساليب الجميلة للدعوة إلى الله والتربية التربية بحب الجنة وتقديمها من كل شيء كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله مع أصحابه فمثلا جاءته الأنصار في بيعة العقبة فقالوا عند نهاية البيعة فما لنا يا رسول الله فقال «الجنة».
لم يقل لهم: يكون لكم ملك دنيوي مع دينكم ولا قال لهم تتحسن حالتكم المعيشية من الأسواء إلى الأحسن وتتحولون من العداء بينكم إلى المصالحة والمسالمة ومن ضيق المعيشة والقحط إلى رغد العيش أو غير ذلك.
وذلك ليتربوا على حب الجنة والاهتمام بها أشد الاهتمام وليكونوا مخلصين حق الإخلاص ذو همة عالية، ومنها التربية بتذكير يوم الآخرة ويوم الحساب ويوم الجزاء والعدل ولذلك كان يعلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث بالإيمان باليوم الآخرة كقوله : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضبفة» ...إلخ.
ومنها التربية بالصبر عن المسيئين كما قال يعقوب {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} وقد يكون المدعو متمسِّكاً برأيٍ شيخٍ أو مذهب إمام فلا يعرف السنة.
وهذا يتطلب من الداعية توجيه دعوته بالحكمة وحواره وجدالة بالتي هي أحسن وتقهيمه أن أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم خير من أقوال الناس بل المسلم واجب عليه أن يتمسك بالسنة ويطرح ما سواه لينجوا عذاب الآخرة وفتنة الدنيا.
وقد يكون المدعوا معذوراً لسببٍ معينٍ أو له رخصة وغير ذلك من الأسباب التي أوقعته بالكف عن فعل المأمور أو الارتكاب على الشيء المنهي، فليتنبه على هذا الداعية.
وقد يكون عالما أعلم منك في هذه المسألة فيفيدك علماً لا تعرفه أو أنت غير منتبه له بفقهه.
ثالثا: أن يترفق أو يتدرج أو يتوحي في توجيه كلمته بالحكمة في الوقت المناسب والكلمة المناسبة والموضع المناسب، لا أن يفجأه بالهجوم فوراٍ بعدما يرى ما ينكره بالغضب وبهيجان الأعصاب فإن مثل هذا الأسلوب بلا شكٍ ينفر ولا يقرب إلى الخير أبداً كما لا يجلب قبول الحق ولو كان واضحاً أمامه.لكون المدعوا يعتبر نفسه مهاناً فيلجأ إلى دفاع نفسه بما يسطيع ولو رد الحق لا كراهيةً للحق ولكن كراهية أسلوب من يدعوه للحق!.
وقد سمعت أن أحد الدعاة مر على رجل في محل له بمنكر ربما وكان استماع أغنية ففجأه بالهجوم مع الغضب والتعصب ولكن المدعوا لم يقبل هذا الأسلوب فكان رد فعله أن لجأ إلى نفس الأسلوب الذي استخدمه الداعية.
ثم تركه الداعية ففكَّر في أنه أخطأ في طريقة دعوته فغير ملابسه الأول بثيابٍ مختلفة تماما لا يتوقعه فأتاه فقال له: لو تكرمت وسمحت...... أي مثل هذا الأسلوب الجميل فقبله الرجل بكل ترحيب وسرور وأطفأ الأغني بكل احترام، والغريب في الأمر أن الداعية هو الداعية والمدعوا هو المدعوا وقد حصل بينهما مشاجرة في المرة الأولى وفشلت الدعوة. أما المرة الثانية فقد حصل بينهما تفاهم ووئام وقبول للدعوة فنجحت الدعوة والحمد لله.
ومثل هذا التدرج في توجيه الدعوة هو ما فعله يوسف عليه السلام لما وجه دعوته صاحبيه في السجن كما سأتكلم عنه بيان ذلك وتفصيله في موضع آخر إن شاء الله.
رابعا: أن يحذر إن كان ما ينكره من المسائل الخلافية الاجتهاية فالمجال إذاً غير مفتوح لجواز إصابة الحق في الاجتهاد من كلا الطرفين.
ثم لابد من النظر إلى الاستطاعة في المراتب الثلاثة من اليد واللسان ثم القلب وهو أضعف الإيمان وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
ويتعيَّن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ستة أشخاص حسب تقديري كما يلي:
أ- إمام المسلمين، ووُلاة الولايات الإسلاميَّة، وعلماء المسلمين.
والواجب عليهم تحمُّلُ المسؤوليات العظيمة التي وضَعها الله على أعناقهم تُجاه المسلمين؛ حيث يجب عليهم توجيه المسلمين بنفوذهم وبفتاويهم وعلومهم لِمَا فيه صلاح الأُمَّة الإسلامية في دينهم ودنياهم، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
وهذان العنصران - أي: العلماء والأُمراء - أخطر ما يكونان للأمة الإسلامية؛ إذ فسادهما وتعاونهما على الفساد والإفساد، يفسد المجتمع الإسلامي بطريقة لا نظيرَ لها على الإطلاق، وإذا صلحا وتعاوَنا على الصلاح والإصلاح، فهو من أنعم ما يكون للأمة الإسلامية؛ كالإرشاد إلى الخير، وإقامة العدالة المنشودة بين الناس، والإحسان إلى الخَلق، وغير ذلك.
وخير دليلٍ لك على ذلك، أن تنظرَ كيف أنَّ الإمام محمد بن عبدالوهَّاب، والإمام محمد بن سعود - رَحِمهما الله - كسرا وقمَعا الشِّرك والفساد في عصرهما، ونَشَرا التوحيد والخيرات؛ حتى انتفَع بهما العباد والبلاد.
ولقد بدَأَت دولتهما من قريةٍ صغيرةٍ، حتى وصَلَت الجزيرة العربية كلَّها، فضلاً عن اليمن والعراق، والشام وغير ذلك، وذلك ما كان ليكون - بعد فضْل الله - إلاَّ ببركة تعاونهما وتعاهُدهما، وبَيْعتهما على تطبيق شريعة الرحمن، والتمسُّك بالحق والتوحيد والجهاد في سبيل الله، فصارا أنموذجين مثاليِّين، جَبَلين لكلِّ أميرٍ وعالِمٍ مخلصٍ لله رباني، فلله دَرُّهما، ورَحِمهما الله، وأسْكَنهما الله فسيحَ جناته؛ إنه هو المولى والقادر على ذلك.
ب- من عيَّنته الحكومة الإسلاميَّة:
وهم أهل الحِسبة، وعليهم الدعوة إلى الله بالرِّفق واللين، والحِكمة والصبر والفقه، وتَحبيب الناس إلى دينهم، وتغيير المنكرات بلا منكرٍ، مع إعدادهم الإعدادَ الكافي؛ ليكونوا مؤهَّلين للقيام بمثل هذه المهمة العظيمة.
ج- من علمه بالبصر أو بالسمع وقَدَر عليه؛ سواء كانت تلك القدرة علميَّة، أو قدرة تغييريَّة - إن صحَّ التعبير - حسب درجات التغيير وإنكار المنكر؛ كما جاء في الحديث: «مَن رأى منكم المنكر، فليغيِّره بيده، فإن لَم يستطع فبلسانه، فإن لَم يستطِع فبقلبه»، وفي رواية: «فمَن جاهَدهم بيده، فهو مؤمن، ومَن جاهَدهم بلسانه فهو مؤمن، ومَن جاهَدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك حَبَّةُ خَردلٍ من إيمان».
وذلك لأنَّ الرضا بالكفر كفرٌ؛ حيث صار قلب ذلك الشخص لا يَعْرِف معروفًا، ولا يُنكر منكرًا، كالكوز مُجَخِّيًا والعياذ بالله؛ كما جاء ذلك في حديثٍ آخرَ.
ج- مَن كان له سلطة في قبيلته، وكان فيهم مطاعًا، فإنه يتعيَّن عليه أن يدعوَ إلى الله، ويستفيد من نفوذه في فَتْح سُبل الخير وإغلاق سُبل الشرِّ على حسب طاقته.
د- مَن له سلطة على أشخاص معيَّنين، فعليه أن يقوم بمسؤوليَّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على رعيَّته، بل ولو قلَّت تلك السلطة أو المسؤولية، كأن تكون وزارة أو إدارة، أو إعلام أو مدرسة؛ سواء كانت صغيرة، أو كبيرة، وهَلُمَّ جرًّا.
هـ- مسؤوليَّة الوالدين عن أُسرتهما، وأرى - وإن كان الناس يعتقدون أنها من أقلِّ المسؤوليات - أنها من أهمِّ المسؤوليات، خصوصًا إذا نظرَنا إليها بعينٍ ثاقبة، من حيث إنها لَبِنة من اللبنات التي يَنبني منها المجتمع المسلم.
ويتعيَّن على الوالدين أن يُقوِّما اعوجاجَ أُسرتهما، مع تربية صالحة وتوجيهات حكيمة لِما هو صلاح لهم في دنياهم وأخراهم، ويرضاه الله، وإلاَّ سيكونان يوم القيامة من الذين قال الله في شأنهم: {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 15]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6].
وفي الحديث: «كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته: الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيَّته، والرجل راعٍ ومسؤول عن رعيَّته، والمرأة راعية ومسؤولة عن رعيَّة بيت زوجها»، أو كما قال.
ثم لابد مع ذلك كله تأدية الدعوة إلى الله بالرفق واللين والصبر والحكمة والفقه والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن إن احتاج إلى ذلك بحوار هادئ مع التقدير والبشر وعدم التنفير والحب لأجل أن يظهر الحق حتى في فم الخصم، وهذا بالطبع غاية في الإنصاف والإخلاص في الدين وهو ما كان يفعله الشافعي رحمه الله في مناظراته.
ومن الأساليب المهمة الدعوة إلى الله أيضا عقد الندوات مثلاً لأجل رفع مستوى الدعوة والدعاة والنقاش إن كان هناك مشاكل معوقة في طريق الدعوة إلى الله ليُناقش كيفية إزاحتها عنها وكيف يحصل الرجوع إلى السنة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح مع التباحث لإيجاد حلول مناسبة لها في الأزمات المستجدة حول الدعوة إلى الله.
فإذا كان الناس في هذا الزمان يجتمعون للتشاور في أزماتهم الدنيوية بين الفينة والأخرى فما ظنك التغافل بأهم شيء في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة ألا وهي الدعوة إلى الله.
إذن يجب تنسيق جهود الدعوة إلى الله وأن يكون بين الدعاة المشتغلين في حقل الدعوة تعارف وتواصل بل وتشاور وتكامل فيما بينهم للتذاكر وللتدارس وليتناولوا العلوم المتنوعة التي يحتاجون إليها بكل سهولة لتنوُّع التخصصات التي تخصصوا بها.
ولا يخفى على اللبيب ما يُجتنى من مثل هذه التجمعات والندوات من الثمرات والفوائد كاستفادة خبرات بعضهم من بعض الآخر أو حصول الأخبار التفصيلية في أحول المسلمين من البلدان البعيدة فضلاً من استفادة العلوم العظيمة المتنوعة والبحوث المختلفة.ثم بعد ذلك الاستفادة من إصدار القرارات والنتائج من مناقشات المشاركين للمسائل والمشاكل المطروحة وغير ذلك.
والله ولي التوفيق