ألوانٌ من لَوْحَةِ ثورةِ الحرّية في سوريّة (1)

منذ 2011-05-16

ارتفع سقف مطالبات أهل درعا، بالحرّية واحترام كرامة الإنسان السوريّ.. تظاهروا في شوارع المدينة.. واعتصموا إلى جوار المسجد العُمريّ، تعبيراً عن احتجاجهم وتأخّر إطلاق سراح أطفالهم وبناتهم..


أطفال درعا بدؤوها من الآخر
تلاميذ مدرسة، تتراوح أعمارهم ما بين العاشرة والثانية عشرة، اختزلوا في أدمغتهم كل رياحين المستقبل وأحلامه الوردية، وكثّفوا شروق شمسه في قلوبهم البيضاء النابضة بالبراءة والمحبّة لوطنهم.. لم يتلوّثوا بعدُ، بالظلام الذي تعيشه بلادهم منذ خمسة عقود، ولا بظلاميّي الحزب الواحد والجمهورية الوراثية.. أشدّ ما رسخ في ذاكرتهم من أسماء: بشار أسد ورامي مخلوف وماهر أسد وآصف شوكت وبثينة شعبان.. فرحوا لفرحة أشقّائهم التونسيّين والمصريّين الذين شاهدوهم على مدار الساعة، على قناة الجزيرة الفضائية.. شاهدوهم وهم يهتفون: (الشعب يريد إسقاط النظام).. أعجبتهم الفكرة.. فأصبحت -بالنسبة لهم- واحدةً من الألعاب التي تستهوي الأطفال عادةً.. أمسك أحدهم بـ (طبشورة) الصف، وكتب على الجدار ما شاهده وسمعه على قناة الجزيرة مراراً وتكراراً: (الشعب يريد إسقاط النظام)!..


لم يمضِ نصف ساعة، حتى كان الطفل الذي كتب على جدار الصف الرابع الابتدائي ما كتب، مع أربعة عشر تلميذاً من تلاميذ صفّه.. محشورين داخل حافلةٍ نقلتهم إلى فرع المخابرات في المنطقة.. وغاب التلاميذ في المجهول.. وغابت قناة الجزيرة الفضائية -التي أحبّوها لتغطيتها ثورتي تونس ومصر- عن تغطية الحدث، وما تزال غائبةً حتى هذه اللحظة، ربما لأن إدارة القناة والمسؤولين عنها والعاملين فيها، لا يتحمّلون مشاهدة تلاميذ الصف الرابع الابتدائيّ، الذين أفرِجَ عنهم بعد شهرٍ واحدٍ فقط من احتجاجات أهليهم، وبعد سقوط عشرات القتلى والجرحى من صفوف عشائرهم.. أُفرِجَ عنهم، متورِّمي الوجوه والأجساد، يبكون وينزفون من كدماتٍ تغطي وجناتهم الغضّة، وجروحٍ بليغةٍ في رؤوسهم، وآلامٍ شديدةٍ في مواضع اقتلاع أظافرهم الطريّة.. فألف شكرٍ وآلاف التحايا لقناة الجزيرة، لأنها صمتت فحسب، ولم تتبنّ تقرير مراسلها (النـزيه) في سورية، الذي كان يشير إلى مكرمةٍ رئاسيةٍ عظيمة، بعدم إعدام التلاميذ الخمسة عشر، والإفراج عنهم بعد شهرٍ واحدٍ فقط، مع أنه قُبِضَ عليهم متلبِّسين، بجريمة (إسقاط النظام)!..

* * *

طريق الجولان يمرّ بالجامع العُمَريّ!..
ارتفع سقف مطالبات أهل درعا، بالحرّية واحترام كرامة الإنسان السوريّ.. تظاهروا في شوارع المدينة.. واعتصموا إلى جوار المسجد العُمريّ، تعبيراً عن احتجاجهم وتأخّر إطلاق سراح أطفالهم وبناتهم.. قدم إليهم وفد حكوميّ رفيع المستوى.. طمأنهم بأنّ النظام الحاكم سيُلَبّي كلَّ مَطالبهم، وبعد أن غادرهم الوفد الحكوميّ.. هاجمهم جنود الحرس الجمهوريّ والقوّات الأمنية بالسلاح الحيّ.. قاموا بحمل شهدائهم وجرحاهم إلى داخل الجامع، لأنّ القوات المعتدية منعت سيارات الإسعاف من نقلهم إلى المشافي، فداهم الجنود المسجدَ وعاثوا فيه فساداً وقتلاً، ثم وضعوا داخله بعض الأسلحة والذخائر والرزم الورقية النقدية، وصوّروها، وعرضتها وسائل الإعلام الوطنية (جداً) على أنها مصادرة من أهالي درعا الذين واجهوا جنود الحرس الجمهوريّ بها، وأنّ أصحابها هم من المندسّين الغرباء، الذين قدموا من خارج البلاد لإشعال الفتنة!..

نهنّئ قوات الفرقة الرابعة للحرس الجمهوريّ، وكلّ التشكيلات العسكرية الأسدية (الممانِعة)، على اكتشافاتها العظيمة، وقبل ذلك، على شفائها من (فوبيا) إطلاق النار، فبعد أن صامت عن إطلاق قذيفةٍ واحدةٍ باتجاه جبهة الجولان، طوال سبعةٍ وثلاثين عاماً.. أفطرت بشراهة الجائع، داخل الجامع العُمَريّ بدرعا، وحولَه، وفي ما حَوْلَ حَوْلِه!..

* * *

عند بثينة الكذب اليقين
لعلّ مَن راقب ردّات الفعل لنظام الحكم خلال الأيام الأولى لثورة الحرّية في سورية، يكتشف أن مُتَرجمة القصر سابقاً، والمستشارة الإعلامية والسياسية لاحقاً.. هي (الرجل) الأول لهذا النظام، إذ لم يجرؤ (ذكوره) على مواجهة الشعب والتحدّث إليه، بعد سلسلة الجرائم التي ارتكبوها في حقّه، من مختلف الأنواع والأصناف!..

كانت (بُثَيْنُ) تملك من الوقاحة مخزوناً يؤهّلها لعقد مؤتمرٍ صحفيٍّ في إحدى ردهات القصر الرئاسيّ، لتقول للشعب السوريّ (لا لبعض البلهاء الجالسين أمامها): سنقدّم ألفاً وخمس مئة ليرةٍ سوريةٍ شهرياً (بالتمام والكمال) زيادةً على رواتب الموظّفين!.. وسنشكّل لجنةً لدراسة قانون (وليس حالة) الطوارئ، وسنعمل.. وسندرس.. وسوف نقوم..!.. فاطمئنّ أيها الشعب الثائر، الإصلاحات من مختلف الأحجام والقياسات على الطريق!.. لماذا (بُثَيْنُ)؟.. وما موقعها في هرم النظام؟.. وما درجة مسؤوليتها في تركيبته؟.. الله وحده يعلم.


(بُثَيْنُ) هذا، عفواً.. هذه، تتمتّع بدرجةٍ عاليةٍ من الباطنية والمكر، فهي قبل أسابيع قليلة، خرجت في نزهةٍ إلى كوكب (المشتري)، وألقت نظرةً على كوكب الأرض، فوقعت عينها على بلدٍ اسمه تونس، ومن تقدير الله عزّ وجل أنّ (بُثَيْن) لاحظت (بعد إجرائها عملية "زووم" لعدستي عَيْنَيْها) حشوداً جماهيريةً في شوارع تونس، فكتبت مقالةً أرسلتها بالبريد الإلكتروني إلى صحيفة (الشرق الأوسط)، قالت فيها تعليقاً على فرار (بن علي): [هذا هو مصير الرؤساء البعيدين عما يحدث في الشارع، الذين يُحيطون أنفسَهم بالبطانة السيّئة]!.. هل تعرف (بُثَيْنُ) من أيِّ بطانةٍ هي؟.. إلى هنا، ربما لا تعرف.. فلنتابع هذه الـ (بُثَيْنُ) إلى كوكب (المرّيخ)، الذي قفزت إليه قبل قطع الإنترنت والاتصالات عن مصر، التي اشتعلت ثورتها، لتقول في الصحيفة المذكورة نفسها: [هذا هو زمن خروج الجماهير العربية إلى الشوارع، لفرض إرادتها على حكوماتٍ فرضت إرادتها وشعاراتها وإخفاقاتها وتحالفاتها وشقاقها على الملايين، طوال عقود، دون أن تُحَقِّق آمال وطموحات هذه الملايين أو قطاعات كبيرة منها، فاختلطت المظالم وتراكمت مشاعر الإحباط والخذلان والعجز، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، والجماهير تتلظّى بنيرانها]!.. هنا تحديداً، يجب على المستشارة (بُثَيْنُ) أن تعرفَ -بوضوحٍ- من أيِّ بطانةٍ هي!.. لكن على ما يظهر أنها لم تعرف أيضاً!.. إنّما بالتأكيد ستعرف، حين تُراجع تصريحاتها العديدة، ومنها تلك التصريحات البهلوانية إلى قناة البي بي سي، التي تحدّثت فيها عن: المندسّين، والمتسلِّلين، والفلسطينيّين الذين عضّوا اليد التي أكرمتهم، والعصابات من الأردنيين والمصريين الذين يعيثون فساداً في شوارع اللاذقية، والطائفيّين الذين يُشعِلون الفتنة بين أبناء الشعب السوريّ، والإخوان المسلمين الذين يقتلون على الهوية، و..!.. كما استنكرت على المذيع سؤالها عن صحة خبر الإفراج عن مئتين وستين سجيناً سياسياً سورياً، فأجابت مع ابتسامةٍ شديدة الصفرة: [وهل لدينا في سورية هذا العدد (الكبير) من السجناء السياسيّين]؟.. لا أعلم لماذا ذكّرتنا (بُثَيْنُ) بـ (غولدا مائير) عندما قالت لأحد الصحفيّين الذي سألها عن حقوق الشعب الفلسطينيّ: [وهل هناك شعب اسمه الشعب الفلسطينيّ]؟!.. فهل عرفت (بُثَيْنُ) من أيِّ بطانةٍ هي، لاسيما أنّ كوكب (المرّيخ) الذي قفزت إليه من كوكب (المشتري).. قريب جداً من كوكب (الأرض) التي يقع فيه القصر الرئاسيّ في سورية؟!..


لا شك أنّ (بُثَيْن) ستعرف من أي بطانةٍ هي، عندما يدوس شعبنا السوريّ الأبيّ على رقاب الطغاة، بمن فيهم هذه الشمطاء، التي سيعيدها شعبنا إلى مسقط رأسها المحشوّ بالنفاق والكذب والدجل والتزوير: قرية (المسعودية) في حمص، لتغوصَ -كما كانت وكما ذكرت في مذكّراتها- في الطين الذي قدمت منه، إلى عسل القصور المسروقة من دماء السوريين وجيوبهم وأحلامهم، والمشيّدة على جماجم عشرات الآلاف من السجناء والمعتقلين السوريين، الذين لا يعلم إلا الله عزّ وجلّ، هل هم في عداد الأحياء أم الأموات، وتُنكِر هذه الـ (بُثَيْنُ) وجودهم في سجون الجمهورية الوراثية!..

* * *

خُذُوا الحكمةَ من فم بشار أسد
طلع الوريث؟.. لم يطلع بعدُ!.. ظهر بشار؟.. لم يظهر بعدُ!..
أطلّ الدرعاويّ فاروق الشرع، (ليبشّرنا) -بشكلٍ غير مباشَر- بأنّ (ماهر أسد) لم يُطلِق النار عليه كما أُشيع، ولم يُنقَل (أي فاروق الشرع) إلى المشفى.. و(ليبشِّرنا) -بشكلٍ مباشر- كذلك، بأنّ بشار بن حافظ أسد سيظهر بعد طول انتظار، ليخطبَ في الشعب، خلال يومين فحسب، حاملاً البشائر، والمستقبل الزاهر، للشعب السوريّ الثائر!.. بعض أصحاب القلوب الطيبة قبلوا -ضمناً- عُذر (الرئيس) على تأخّره عنهم، على أساس أنّه ما يزال تحت تأثير الصدمة الدرعاوية، ومتلازمة (درعمصيّة) أي: درعا وحمص واللاذقية، فهو قد ورث الحُكم على طبقٍ من ذهب، وعُودُهُ ما يزال طريّاً، فلم يواجه مثل هذه المحنة، كما واجهها والده طوال فترة حكمه التي امتدّت ثلاثة عقودٍ فحسب.. وعلى أساس أنّ الشفاء من الإسهالات الشديدة المفاجئة، يحتاج إلى هذين اليومين في أقل تقدير!..


ظهر الوريث الجمهوريّ بشار ليخطبَ في الشعب، عبر مجلس (المستحاثّات مُسبَقَة البرمجة)، ووقف خلف المنصّة نفسها التي خطب من ورائها (خطاب القَسَم) الشهير، منذ أحد عشر عاماً فحسب، ووعد خلاله شعبَه بالعسل والأفراح والليالي المِلاح، وبالإصلاحات السياسية والاقتصادية، وعاهد شعبَه بيمينٍ (غَموس)، بأن يُصَحِّحَ ما صحّحه أبوه (حافظ) بحركته التصحيحية (المجيدة)، وما غمر به البلادَ من تصحيحاتٍ (باهرة)، كفلت لسورية تَصَدُّرها (ذيل) قائمة الدول سياسياً واقتصادياً، حسب المؤشّرات العالمية ومعاييرها!.. وكانت الجهود (العظيمة) للوريث (النجيب)، قد أطاحت بهذه الصدارة لـ (ذيل) القائمة، فأصبحت سورية (التقدّمية) -بعبقريّته الفذّة- هي (الذيل) نفسه للقائمة المذكورة!..


لم يفهم بني البشر -بكل لغاتهم- ما ألقاه بشار من مُفَكَّك الكلام، لسببَيْن، أولهما: ذلك التشويش الذي اقترفته (مستحاثّات المجلس)، تصفيقاً وهتافاً وثرثرةً.. وثانيهما: كثرة القهقات التي كانت تنفجر من شدقي الوريث، فتتداخل مع الكلمات المحنَّطَة وشغب المستحاثّات!.. لماذا يقهقه بشار؟!.. ربما لأنّ حُماة العرين من الحرس الجمهوريّ والقوّات الأمنية، لم يقتلوا أكثر من مئتي مواطنٍ سوريٍّ حتى ذلك الوقت.. إذ كانت التوقّعات تُشير إلى قتل الآلاف، لإسكات المنتفضين وإخراس الثائرين السوريّين.. لكنّ الله سلّم، ما أغبط (الرئيس) وأفرحه، فثارت قهقهاته، احتفالاً بهذه المكرمة العظيمة لشعبه الحبيب؟!..


على ذمّة بشار، هناك مؤامرة تتعرّض لها البلاد!.. وسبحان الله الذي لا إله سواه، فالمؤامرات لا تظهر إلا عندما يطالب الناس بحرّيّتهم وحقوقهم!.. كيف تُحارَب المؤامرات على الوطن والدولة والشعب؟.. أبالدبابات والقذائف والرشاشات ضد الأبرياء، أم بالإصلاحات، وإزالة مفاصل الاستبداد والفساد، ورصّ الصفّ الداخليّ، وتمتين الوحدة الوطنية؟!.. هنا يقفز إلى ذاكرتنا مشهد من (مسرحية ضيعة تشرين)، يقول فيه المبدع أسامة الروماني: [في كل العالَم يكتشفون النفط والذهب والمعادن.. إلا عندنا، لا يكتشفون سوى المؤامرات]!.. قَوْل يبقى صالحاً للاستخدام منذ أن عُرِضَت المسرحية في عام 1974م.. حتى اليوم!..


فهمنا -بصعوبة- من خطاب بشار، أنّ كل أفراد البطانة التي حوله يرغبون بالإصلاح، إلا هو، لأنه مقتنع بأنّ الإصلاح يجب أن يكون بطيئاً حتى يستوعبَه الوطن والشعب، وهو (أي الإصلاح) لن يدركَه إلا الجيل القادم!.. لماذا أقسمتَ على الإصلاح إذن قبل أحد عشر عاماً؟!.. ويستدرك بشار قائلاً: إنّ قرارات الإصلاح متّخَذَة منذ عام 2005م!.. فلماذا -أيها النجيب- مضت ست سنواتٍ ولم يُنَفَّذ أيّ من تلك القرارات الإصلاحية المزعومة؟!..
يفاجئك بشار باكتشافٍ آخر: هناك من يُثير الفتنة.. والمقصود هنا: الفتنة الطائفية!.. فمَن يثير الفتنة الطائفية يا بشار؟!.. هل هم أهل اللاذقية الذين اضطروا -بصدورهم العارية- لحماية أعراضهم وأموالهم وبيوتهم ومساجدهم؟.. أم أولئك (الشبّيحة) من تابعي عاصم أسد وماهر أسد ونُمَير أسد، وبقية الهمج من مُدمني المخدّرات واللصوص والقتلة والسفلة، النازلين من القرداحة والجبال التي حولها؟!..


ظنّ الطاغية بشار أنه بخطابه قد -أضاف- شيئاً مهماً إلى الواقع السوريّ، لكنّ الجواب على هرطقته لم يتأخّر، فقد وصله بسرعةٍ لم يتوقّعها هو أو أحد من زبانيته، جاء الجواب بليغاً وسريعاً، من تلك المرأة السورية الأصيلة، التي هاجمت سيارته لدى خروجه من مبنى (مجلس المستحاثّات)، فبصقت في وجهه، كما بصقت سورية كلها في وجهه الكالح، الذي كان يشوِّش -بقهقهاته الاستفزازية اللئيمة- شاشات التلفزيون في بيوت البلاد كلها، بطولها وعرضها!..

يتبع إن شاء الله

* * *

6/5/1432 هـ
 

المصدر: د. محمد بسام يوسف - موقع المسلم
  • 0
  • 0
  • 3,424

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً