رسائل الانتفاضة الثالثة
القضية الفلسطينية لم تزل تتمتع بالنضارة والحضور والحياة في مختلف البلدان المجاورة، لاسيما مصر، التي أخفقت كل عقود التطبيع عن إخراجها من المعادلة الإسلامية والعربية...
صحيح أن الحديث عن رسائل الانتفاضة الثالثة سابق لأوانه، وصحيح أنها
إما قد بدأت الجمعة عبر نشطاء الفيس بوك بما انعكس في المساجد
والميادين في مصر والأردن ولبنان على نحو لافت كثيراً للنظر أو أنها
لم تبدأ بعد وفقاً لتقديرات أخرى تتوقع لها أن تبدأ بالفعل في سبتمبر
القادم، إلا أن ما جرى خلال هذه الأيام الماضية يمكن استخلاص رسائل
منه بغض النظر عن توصيف فورة الشباب في ميدان التحرير بالقاهرة أو تلك
المناظرة بمستويات عددية أقل كثيراً في مناطق أخرى، وبغض النظر عن مدى
اتفاقنا أو اختلافنا مع الآلية والتوقيت والمناخ، ومنها:
1 ـ أن القضية الفلسطينية لم تزل تتمتع بالنضارة والحضور والحياة في
مختلف البلدان المجاورة، لاسيما مصر، التي أخفقت كل عقود التطبيع عن
إخراجها من المعادلة الإسلامية والعربية، وتلك الجموع التي احتشدت في
ميدان التحرير بالقاهرة ومن مساجد عمرو بن العاص والنور ومساجد الجيزة
والقائد إبراهيم بالإسكندرية والسلاب بالمنصورة وفي كثير من مدن
الدلتا والصعيد الرئيسة، تدل على أن مصر تحمل في طياتها تعاطفاً
جارفاً إزاء قضية فلسطين بقدسها ولاجئيها وحصارها، وأن كراهية شعبها
للكيان الصهيوني لم يزل على حاله، والدليل تلك الهتافات القوية التي
دوت ضد "إسرائيل" في ميدان التحرير.
2 ـ أن الشباب قد نجحوا في إعادة تموضع القضية الفلسطينية بخاصة قضية
اللاجئين في مكانها الصحيح، كمسألة لا تعني الفلسطينيين وحدهم، بعد أن
حاولت أطراف عدة تضييق نطاق تأثيرها وحشر ساستها في زاوية الحلول
الانفرادية، بما يقوي الموقف الصهيوني ويحشر الفلسطينيين في زاوية
التنازلات، وبالتالي فإن أي مفاوض فلسطيني لابد أن يعيد النظر كثيراً
قبل التوقيع على أي اتفاق يحدد مصير المهجرين الفلسطينيين في الشتات
إثر هذه الإشارة التي تؤكد له أن ثمة مراقبين للموقف الرسمي الفلسطيني
في الداخل والخارج لن يقبلوا بأي تنازل تحت أي ظرف.
3 ـ أن رعاة ما يُسمى بالسلام ونخص منهم الولايات المتحدة التي
"أقالت" جورج ميتشيل المبعوث الأمريكي للسلام وعينت بدلاً منه ديفيد
هيل بعد ساعات من بدء الانتفاضة الثالثة، باتوا يدركون أن الشعوب
العربية بحاجة إلى ما هو أبعد من الطرق التقليدية الرتيبة في إماتة
القضية الفلسطينية وتخدير مناصريها، وبرغم عدم اختلاف هيل عن ميتشيل
كثيراً كونه كان يعمل نائباً له، إلا أن الدلالة قوية في أن تحرك
الشباب قد أحدث أثراً لا يمكن تجاهله.
4 ـ أن إيمان الشباب بقيمة التأثير السلمي والجماهيري الفاعل قد باتت
كبيرة، وتعدت حدود المطالب الوطنية إلى القضايا المحورية والشاملة
التي تمس مئات الملايين من البشر، وفي هذا تحول ملموس لا يمكن تجاهله
في ظل اعتباره لم يأتِ في أعقاب اعتداء ما أو مذبحة أو حتى حصار خانق،
فالجميع يدرك أن هذه الانتفاضة قد أتت بعد أيام من مصالحة فلسطينية
وفتح معبر رفح، وشهور من الهدوء النسبي ما بين الفلسطينيين
و"إسرائيل"، نعم، الاحتلال والعدوان والاستيطان مستمر، لكن من الإنصاف
القول أن هذه الانتفاضة تحصل ليس بسبب طارئ أو حادثة كبيرة يمكنها ـ
كسابقاتها ـ أن تحفز الجماهير للخروج.
5 ـ أن الحرية في العالم العربي حافز للانطلاق في مجالات سياسية أخرى
وفتح ملفات مصيرية بشكل أكثر جدية، وهذه إشارة لابد أو العواصم
الغربية ـ ومن قبلها تل أبيب ـ قد تلقتها باهتمام بالغ، ولذا فمن
المرجح أن تستمر في فرض المزيد من مساعيها لوأد الثورات العربية سواء
ما ظن أنها قد اكتملت كمصر وتونس أو في الدول الأخرى التي لم تزل
تراوح فيها الثورات مكانها، ولم تتمكن بعد من إزاحة المحسوبين على
"إسرائيل" لاسيما في سوريا كأقرب الدول "المضطربة" إلى حدود
فلسطين.
والأهم داخلياً في مصر تحديداً، يمكن استخلاص رسالة هامة، على النظام
المؤقت الاقتصار على المدة الانتقالية الحالية وعدم تمديدها لأن حزمة
من الاستحقاقات الداخلية والخارجية ستتقاطر عليه بحيث لا تشجعه كثيراً
على البقاء في السلطة..
11/6/1432 هـ
- التصنيف: