غزة وأحلام المُحاصرين
رغم ألم المُصاب فقد عادت فلسطين في موضعها كبوصلة للمسلمين والعرب وأكدت تلك الدماء على إصرار الشعب الفلسطيني وصموده في وجه جلاديه.
بينما كان الغزيون يسرفون في تقديم دماءهم قرابين للدفاع عن المسجد الثالث للمسلمين والقبلة الأولى لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ويقفون حائطاً منيعاً بصدورهم العارية أمام تراسانة الاحتلال على حدود القطاع في مظاهرات العودة الكبرى، كانت الكثير من الفضائيات العربية والإسلامية تعرض كماً كبيراً من السفور والإنحلال الذي ستقدمه كوجبات ترفيهية للمسلمين لتخفيف عذابات الصيام ومشقته عنهم!.
قطاع غزة يضم بمساحته التي لا تتجاوز 365 كلم أكثر من مليوني فلسطيني محاصر منذ 12 عام، ذلك الحصار الذي من المفترض أن يكون ذو مغزى سياسي يستهدف حركة حماس بوصفها حركة متمردة على الشرعية الفلسطينية، أخذ بعداً آخر وأصبح يستهدف المُزارع الذي لم يعد قادرا على بيع خضرواته و يضطر لإطعامها للحيوانات، كذلك الأمر يقاس على كل القطاعات المهنية، لا أبالغ إن قلت أن 80% من سكان القطاع ينتمون لفئة الفقراء اليوم، يعانون من كل شيء.. قيل إن المظاهرات كانت إحتجاجاً على إفتتاح "مستوطنة أمريكية في القدس" كما وصفها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وكان يقصد بذلك السفارة الأمريكية التي افتتح مقرها جيرارد كوشنير وزوجته ايفانكا ترامب ابنة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.. الأيام التي تمر بها غزة اليوم تشبه إلى حد كبير الأيام التي مرت عليها قبيل الحرب التي اندلعت عام 2014م، فبعد إنتهاء الناس من دفن أحبتهم بدأت مطالب تخرج للعلن بضرورة قيام المقاومة برد، ففي نهاية الأمر لن يصمد الناس طويلاً مع هذا الجوع والفقر والتخاذل العربي والإسلامي المرعب بالإضافة إلى الضغط المتواصل على السكان في القدس، فنسبة الفقر بين الفلسطينين هناك بلغت 75%. بحسب صحيفة هأرتس فإن الحكومة الصهيونية ضخت ملياري شيكل لأسرلة المدينة المحتلة وتهدف الخطة إلى تشجيع المدارس الفلسطينية على الانتقال من دراسة المناهج الفلسطينية إلى دراسة المنهاج الصهيوني، فهناك محاولة لنزع هوية المقدسيين، مقابل سلال غذائية ترسل من الدول الإسلامية للفقراء في قطاع غزة على أبواب شهر رمضان، إنها معادلة يصعب فهمها.
حتى نهاية يوم 14/5/2018 ودعت غزة 60 من أبناءها بالإضافة إلى أكثر من 2700 مصاب نسبة منهم في حالة الخطر الشديد، لكن رغم ألم المصاب فقد عادت فلسطين في موضعها كبوصلة للمسلمين والعرب وأكدت تلك الدماء على إصرار الشعب الفلسطيني وصموده في وجه جلاديه، كما فضحت التنظير الأمريكي الزائف حول السلام في الشرق الأوسط، واختبرت الشعارات الإيرانية الرنانة حول الإنتصار لفلسطين والقدس.. تتجه الأمور نحو التصعيد أكبر بدوافع كثيرة أبرزها إنعدام أسس الحياة في غزة وفشل المفاوضات لرفع الحصار ومراوغة المحتل في ذلك، فغزة اليوم مشروع سياسي يفرض نفسه بقوة على طاولة المفاوضات الأمريكية لكنهم يريدونها أن تكون طرفاً ضعيفاً يتقبل الهزيمة ويقبل بما يُعرض، لذلك ستكون هناك حرب سيُقَرّب موعدها أكثر جنون وزير الجيش الصهيوني أفيغدور ليبرمان المتطرف الذي خرج من كنس الإرهاب اليهودي بثقافة دينية مشحونة ضد كل ماهو عربي... انعاكسات أزمة غزة ترجمتها عناوين الصحافة الغربية حينما تحدثت عن فشل مشروع ترامب من خطوته الأولى في الشرق الأوسط، فهل هذا الأمر يُقرّب فرص إنهاء وجود السلطة الفلسطينية ويطرح خيار التصعيد ضد القطاع مجدداً ويمد الثورة الفلسطينية بدماء جديدة تُغَيّر مستقبل الصراع؟!
الكاتب: إعداد مجلة البيان.
- التصنيف:
- المصدر: