انفع أهلك قبل أن تفر منهم يوم القيامة
إنه يوم الهول العظيم فكل يسعى للنجاة، وكل منشغل بحاله يلتمس طريقا للهروب من جهنم وأهوالها، والكل يرجو القرب من أبواب الجنة ودخولها. وبالإمكان أخي الكريم أن تنفع الأهل والأحباب قبل يوم القيامة، وبالإمكان أن تكون بفضل الله تعالى سببا في نجاتهم يوم الهول العظيم، وفي هذا الصدد بعض السبل اليسيرة ذات النفع العظيم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
قال الله تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ . لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 34-37]، قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير الآية الكريمة: "أي يرى المرء أخاه ويفر منه ويبتعد منه لأن الهول عظيم والخطب جليل. وقال عكرمة يلقى الرجل زوجته فيقول لها: "يا هذه أي بعل كنت لك" فتقول: "نعم البعل كنت" وتثني بخير ما استطاعت فيقول لها: "فإني أطلب إليك اليوم حسنة واحدة تهبينها لي لعلي أنجو مما ترين" فتقول له: ما أيسر ما طلبت ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئا أتخوف مثل الذي تخاف قال وإن الرجل ليلقى ابنه فيتعلق به فيقول: "يا بني أي والد كنت لك" فيثني بخير فيقول له يا بني: "إني احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترى" فيقول ولده: "يا أبت ما أيسر ما طلبت ولكني أتخوف مثل الذي تتخوف فلا أستطيع أن أعطيك شيئا" (انتهى من تفسير ابن كثير).
إنه يوم الهول العظيم فكل يسعى للنجاة، وكل منشغل بحاله يلتمس طريقا للهروب من جهنم وأهوالها، والكل يرجو القرب من أبواب الجنة ودخولها. وبالإمكان أخي الكريم أن تنفع الأهل والأحباب قبل يوم القيامة، وبالإمكان أن تكون بفضل الله تعالى سببا في نجاتهم يوم الهول العظيم، وفي هذا الصدد بعض السبل اليسيرة ذات النفع العظيم:
اجعل لهم صدقة جارية:
من أعظم موارد الخير نفع المسلمين فعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استطاع منكم أن ينفعَ أخاه فلْيَنْفَعْه» (مسلم:2199)، والصدقة الجارية أكبر استثمار وأعظم منفعة للغير، وهي التي يستمر ثوابها بفضل الله تعالى ببقاء مورد الصدقة الجارية، وهي التي يستمر أجرها ببقاء أثرها، والحسنات الجارِية بيَّنها الرسولُ صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الشريفة لتكون نبراسًا لمن يَسعى لها، وسراجًا لمن يَهتدي بها؛ فعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «سبعٌ يَجري للعبد أجرُهنَّ وهو في قبره بعد موته: مَن علَّم علمًا، أو أجرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجدًا، أو ورَّث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته» ؛ حسَّنه الألباني في (صحيح الجامع:3602)، وهذا الحديث العظيم يبيِّن موارد الخير لاكتساب الحسَنات الجارية، وهي وسائل ميسَّرة بفضل الله تعالى لمن أراد الآخرةَ وسعى لها سعيَها، وفي استطاعة المسلم نَيل هذه الأجور العظيمة.
جاء في فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب: "لا يجب على من تصدق عن غيره، أن يُعلم المتصدق عنه بأمر تلك الصدقة ، كما أنه لا يشترط في الصدقة أن تكون عن القريب ، بل الصدقة عن الغير جائزة ، عن القريب والبعيد". انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: "الصدقة تقبل وتنفع ، عن الأب والأم وعن غيرهما ، فالصدقة فيها خير كثير عن الحي والميت " انتهى من (فتاوى نور على الدرب : 14/ 303).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هل يجوز أن يتصدق الرجل بمال ويشرك معه غيره في الأجر؟ فأجاب: يجوز أن يتصدق الشخص بالمال وينويها لأبيه وأمه وأخيه، ومن شاء من المسلمين، لأن الأجر كثير، فالصدقة إذا كانت خالصة لله تعالى ومن كسب طيب تضاعف أضعافاً كثير ، كما قال الله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة/261. وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته" اهـ .(فتاوى الشيخ ابن عثيمين:18/249).
أخي الكريم من الممكن التصدق عن من لنا بهم صلة رحم من الأموات بزجاجة مياه، وهذه الزجاجة لا تكلفك كثيرا، ولكنها بفضل الله الكريم قد تكون سببا في النجاة، ولذا أخي الكريم سارع ببناء صروح قوية من الصدقات الجارية لك ولأهلك وأحبابك، ولا تكل ولا تمل من هذه التجارة الرابحة، وعلم أهلك وأحبابك فضل الصدقة الجارية، وبين لهم جليل أثرها، وساهم في بيان ماهية السبل والطرق التي تؤدي إلى حصاد حسناتها.
أكثر من الدعاء والاستغفار لهم:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كنا إذا جلسْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في الصلاةِ قُلنا السَّلامُ على الله قبلَ عبادهِ السَّلامِ على فلانٍ وفلانٍ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : «لا تقولوا السَّلامُ على اللهِ فإنّ اللهَ هو السَّلامُ ولكن إذا جلس أحدُكم فليقُلْ التَّحيَّات للهِ والصَّلواتُ والطَّيباتُ السَّلامُ عليك أيها النبيُّ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه السَّلامُ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصَّالحينَ فإنكم إذا قلتُم ذلك أصاب كلَّ عبدٍ صالحٍ في السماءِ والأرضِ أو بين السماءِ والأرضِ أشهد أن لا إله إلا اللهُ وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه ثم لِيتخيَّرْ أحدُكم من الدعاءِ أعجبَه إليه فيدعو بهِ» (أبو داود:968).
والدعاء من أعظم مفاتيح الرزق والبركة للأحياء والأموات ورب دعوة من مسلم يجعلها الله تعالى سببا في نجاة الكثير من الأحياء والأموات والدعاء للمسلمين من علامات سلامة القلب وحسن الإيمان. والدعاء للغير باب للإجابة فعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: «دعاءُ المرءِ المسلِمِ مُستجابٌ لأخِيهِ بظهرِ الغيبِ، عند رأسِه ملَكٌ مُوكَّلٌ به؛ كُلَّمَا دَعَا لأخِيهِ بِخيرٍ قال الملَكُ: آمينَ و لكَ بِمثلِ ذلكَ» صححه الألباني في (صحيح الجامع:3380).
وجاء في فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب: "الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات من دعاء الرسل والأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام، فقد دعا به نبي الله تعالى نوح صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [ نوح: 28]، ودعا به خليل الله تعالى ونبيه إبراهيم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم:41]، وأمر الله سبحانه وتعالى حبيبه ونبيه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يدعو به فقال الله سبحانه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19]، وحكاه الله تعالى عن المؤمنين الصادقين المخلصين فقال الله سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [ الحشر: 10]، ولذا فمن أراد السير على نهج خير خلق الله تعالى عليهم صلوات الله تعالى وسلامه فليكثر وليلازم الدعاء للمسلمين، فالدعاء من أبواب حب الخير للمسلمين، ولا شك أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام ستؤمن على دعائه وسيأتيه مثل ما دعا به" انتهى بتصرف.
علمهم أبواب الخير:
إن تعليم الخير للأهل والمسلمين على وجه العموم من أهم واجبات المسلم وهي فضيلة المصلحين قال الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران:110] ، قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى: "يمدح الله تعالى هذه الأمة ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله سبحانه للناس، وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله تعالى به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى الله الكريم وجهادهم على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم، فبهذا كانوا خير أمة أخرجت للناس" انتهى من (تفسير السعدي). وتعليم الناس الخير يجلب رحمة الله تعالى ودعاء الخلق ومنهم الملائكة عليهم الصلاة والسلام للعبد فهذا فضل سخره الله تعالى لمن وهبه الله الكريم المثابرة على التواصي بالخير ودرء الشر عن المسلمين فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه قال: "ذُكِرَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم رجُلانِ؛ أحدهما عابدٌ، والآخَرُ عالِمٌ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: فضلُ العالمِ على العابدِ كفضلي على أدناكم ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ «إنَّ اللَّهَ وملائِكتَهُ وأَهلَ السَّماواتِ والأرضِ حتَّى النَّملةَ في جُحرِها وحتَّى الحوتَ ليصلُّونَ على معلِّمِ النَّاسِ الخيرَ» (الترمذي:2685).
يجب الحرص على تعليم الأهل التوحيد، ونبذ الشرك، وتعليمهم الصلاة وكيفية القيام بها، وتعليمهم تلاوة القرآن الكريم، وبيان فضائل الأعمال الشرعية لهم، وحثهم على الصدقات، وتشجيعهم على الدعوة وحسن الخلق، وغرس محبة الله تعالى في نفوسهم، وغرس محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام، وغرس محبة آل بيت النبي صلوات الله عليهم وسلامه، وغرس محبة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
نسأل الله الملك الكريم المحسن أن يغفر لنا ولوالدينا، ولمن لنا بهم صلة رحم، وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات. والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
- التصنيف:
- المصدر: