كيف ترافق نبيك صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم؟
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله
كبف ترافق نبيك صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم؟!
إن مما يشحذ الهمم ويجعل المرء في أعلا معالي الهمَّة أن يغبط ويسعى بأن يرافق النبيِّين صلوات الله وسلامه عليهم في جنات النَّعيم.
فالدخول في أعلا مقامٍ في الجنَّة وهو الفردوس الأعلى وفوقها عرش الرحمن همَّة عالية, ولكن لا تظن أن هذا المقام لا شيء أعلى منه, بل مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في جنَّات النعيم أعلى منه وقد قال تعالى { {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } } والذين أنعم الله عليهم جاء تنويههم في قوله تعالى { { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} } [ النساء: 70 ]
لا أقول لك تكون مع الصدِّيقين والشُّهداء والصَّالحين فحسب بل أقول لك: فكيف بك إذا أطعت الله ورسوله وجعلك مع النبيِّين ؟!.
وقد جاء في نفس سورة النساء { { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} } [ النساء : 145 – 146]
إذاً هؤلاء مع المؤمنين أي مقامهم أدنى ممن كان مع النبيِّين والصدِّيقين والشهداء والصالحين إلا أن يرتقوا رويدا رويدا في هذه المقامات ويتَّصفوا بهذه الصفات وإن صاروا مع المؤمنين أو من المؤمنين, وقد شرحت هذه الكيفية في مقالي : أسرار ظالمي أنفسهم في آية فاطر "وهي منشورة في شبكة طريق الإسلام..
ولكن ترى – أيها العبد المبارك – أن الله سبحانه - بحمده ومنِّه - يحرِّض عباده أن يكون لهم همَّة عاليه حيث جعل لهم في قلب سورة الفاحة أعظم دعاء على الإطلاق وهو الهداية على الصراط المستقيم ثم جاء ما هو أعظم من هذا الدعاء وهو أن يطلبوا مرة ثانية أعظم مقامات الإيمان وهو المرافقة والتنعم مع النبيين.... إلخ.
لذلك لابد لنا أن يكون لنا مواصفات تؤهلنا بأن نكون مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم وهو كما يلي:-
أولاً: كن من الفرقة الناجية والطائفة المنصورة الذين هم كانوا ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه , فبذلك نكون أحظى بأن نرافق النبي صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم , أما إذا ابتدعت – أيها المبتدع والمنحرف - فتشرِّع شرائع من عندك أو انحرفت أو أخذت بعض الدين وتركت بعض الآخر فلن تدخل الجنة ولن تشرب من حوضه صلى الله عليه وسلم – بأبي هو وأمي - فضلا من أن ترافقه في جنات النعيم .
ثانياً : كن حَسَن الأخلاق, فصفة حُسن الأخلاق يجعلك الله بها بإذن الله أن تكون من أحظى الناس بأن ترافق النبي صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم كما قال صلى الله عليه وسلم : " «إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا ، وإنَّ مِن أبغضِكُم إليَّ وأبعدِكُم منِّي يومَ القيامةِ الثَّرثارونَ والمتشدِّقونَ والمتفَيهِقونَ، قالوا : يا رسولَ اللَّهِ، قد علِمنا الثَّرثارينَ والمتشدِّقينَ فما المتفَيهقونَ ؟ قالَ : المتَكَبِّرونَ» "
[الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي | الصفحة أو الرقم : 2018 | خلاصة حكم المحدث : صحيح]
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " « إن المؤمنَ لَيُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه درجةَ الصائمِ القائمِ» .
[الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود | الصفحة أو الرقم : 4798 | خلاصة حكم المحدث : صحيح] .
ثالثاً: كن كثير السجود أي كثير العبادة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم كذلك , فعن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: «كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: سل؟ فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك. قلت: هو ذاك. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود» .
وقد كان الإمام أحمد رحمه الله يصلي في وقت الضحى ثلاثمائة ركعة واقتدى به ذلك الإمام الموفَّق ابن قدامة كما قرأت في سيرته .
رابعا: أن تحب النبي صلى الله عليه وسلم حباً شديداً وتشتاق لرؤيته لتعيش معه في جنات النعيم كما ينبغي إن كنت تحبه حباً شديداً أن تكثر الصلاة والسلام عليه في كل الأزمان وقد جاء في الحديث " «جاءَ رجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ يا رسولَ اللهِ متى قيامُ السَّاعةِ فقامَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إلى الصَّلاةِ فلمَّا قضى صلاتَهُ قالَ أينَ السَّائلُ عن قيامِ السَّاعةِ فقالَ الرَّجلُ أَنا يا رسولَ اللَّهِ قالَ ما أعددتَ لَها قالَ يا رسولَ اللهِ ما أعددتُ لَها كبيرَ صلاةٍ ولا صومٍ إلَّا أنِّي أحبُّ اللَّهَ ورسولَهُ. فقالَ النبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ المرءُ معَ مَن أحبَّ ، وأنتَ معَ مَن أحببتَ فما رأيتُ فرِحَ المسلمونَ بعدَ الإسلامِ فرحَهُم بِهَذا» .
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الترمذي | المصدر : سنن الترمذي | الصفحة أو الرقم : 2385 | خلاصة حكم المحدث : صحيح "
إذاً في هذا الحديث فرصةٌ عظيمةٌ ثمينةٌ لا تعوض بشيءٍ وبشارة عظيمة لا تدانيها أي بشارة وهي بمجرد حُبِّك لرسول الله صلى الله عليه وسلم تكون معه في الجنة ولو لم يكن لك كبير صلاة وصوم فما أعظمها من فرحة ! قال تعالى { {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} } [ ق: 37]
ولكن اعلم أنه يندرج تحت تلك المحبة اتِّباعه حق الاتباع أي اتَّباعا شديداً حذو القذة بالقذة ورعاية حقوقه والذَّب عن عرضه والمنافحة عنه في السر والعلن وفي الغربة والأنس والذب عن أحاديثه وأقوله من المفسدين الكذَّابين المغرضين.
إذ المحبة لا ينبغي أن تكون إدَّعاءاً كما تدَّعيه الصوفيه بل لابد من تحقيقها بالاتِّباع كما جاء في آية امتحان المحبَّة في قوله تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آلعمران: 31]
خامساً: كن كافلاً ليتيمٍ ضائعٍ ففي الحديث : " «أنا وكافلُ اليتيمِ في الجنَّةِ كهاتَينِ ، أو كهذهِ مِن هذهِ شكَّ سفيانُ في الوسطَى والَّتي تَلِي الإبهامَ»
الراوي : مرة الهمداني | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الأدب المفرد | الصفحة أو الرقم : 100 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
إذا اعلم – أيها العبد المبارك - أن هذه الخصال ليست هيِّنة سهلة يسيرة لكل أحدٍ إلا من يسَّره الله عليه ووفَّقه وبارك فيه لما تحتاج من المرء إيماناً كاملاً والتزاماً مستمراً واستقامة تامة ومحبَّة عمليَّة حقيقيَّة للنبي صلى الله عليه وسلم وتربية للنفس الأمَّارة بالسوء بالأخلاق الفاضلة العظيمة لتأهِّلك كل هذه الصفات المجتمعة بأن ترافق النبي صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم , ومن الأخلاق الفاضلة المطلوبة مثلاً السخاء والشجاعة والعفة والصبر أو الحلم والحياء والصدق والأمانة والعدالة وغير ذلك مع إحسانٍ عظيمٍ لكفالة اليتامى الضائعين بين المجتمع المسلم مع كثرة عبادتك وسجودك لله الواحد القهار, وإنما التقوى وحسن الأخلاق وشدة المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم تنبع من تلك العبادة حق العبادة فليُتأمَّل.
وقد قلت في مقال : " أعمال مباركة تختصر لك طريق الجنة " هذه الأبيات
هاك يا أخي أعمالاً مباركة ** تُقرِّب لك الجنة كالتوحيد
ومحبتك للنبي ومبكراً إلى ** الجمعة وليلة القدر والجهاد
ورباطك في ثغور المسلمين ** وكثرة ختم القرآن وبر الوالد
ومكثِّراً للصدقات وللأرامل ** والمساكين مع تكثيرك للسجود
ومداومتك أبداً للصلوات في ** الجماعات وكثرة الذكر للصمد ومكثِّراً من صيام التطوع ** ومتضرعاً في الدعاء للواحد
وحَسَن الأدب كالصائم القائم ** فلا يفرِّط بها ذاك إلا المتمرِّد
وقلت في هذا المقال " كبف ترافق نبيك صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم؟! " مضيفاً في هذه الأبيات السابقة ما يلي:-
خذ خمس خصالٍ ترافق ** به في جنات النعيم محمداً
كن ما كان عليه وصحبه ** كالفرقة الناجية يا موحِّد
حسن الأخلاق كريم النفس ** وحبك حباً حقيقياً لأحمد
كافل اليتامى جامعاً لشملهم ** عابداً لربِّه كثير السجود
والله ولي التوفيق
الفقير إلى عفو ربه
عبد الفتاح آدم المقدشي
- التصنيف: