لكع بن لكع
منذ 2011-05-30
نبات متسلق لا يصعد إلا على أكتاف غيره، وجندي جبان يختبئ وقت المعركة، فإذا انهزم الجند نجا، وإن انتصروا رقص معهم فرحاً بالنصر. <br /> هكذا المنافقون الجدد ممن يتسمون بمسميات شتى فتارة هم علمانيون، وتارة برجماتيون، وتارة ليبراليون...
نبات متسلق لا يصعد إلا على أكتاف غيره، وجندي جبان يختبئ وقت المعركة، فإذا انهزم الجند نجا، وإن انتصروا رقص معهم فرحاً بالنصر.
هكذا المنافقون الجدد ممن يتسمون بمسميات شتى فتارة هم علمانيون، وتارة برجماتيون، وتارة ليبراليون... أناس متملقون تحكمهم مصالحهم، وفقط مصالحهم، لا يتحاكمون لسواها ولا يرضون لها بديلاً، ولا يعدلون بها مبدءًا أو خلقاً فضلاً عن دين.
مأساة النفاق والمنافقين يعيشها العالم الإسلامي منذ فجر دولته الوليدة بالمدينة النبوية المشرفة، بعدما انتقل المسلمون من مرحلة الاستضعاف إلى مرحلة الهجرة وتكوين الدولة، وبداية الدعوة وبناء الأمة والتفرغ للدعوة، برز لهم النفاق الذي يتمسح بهم في الظاهر ويتسمى بأسمائهم، ويطعنهم في ظهورهم بخنجره المسموم ولا يرقب فيهم إلاً ولا ذمة.
هكذا أهل النفاق في زماننا، تجدهم يصيحون في وجه الإسلام، ويأبون له مجرد التنفس، ويهللون لكل مذهب وملة تخالف الإسلام، دينهم هواهم، وولائهم لبطونهم وفروجهم ووجاهتهم، يأبون إلا أن يكون صوتهم الأعلى ولو بالباطل، ويريدون دائماً للإسلام مرتبة الدونية وهم يعلمون أنه الحق المحض، ولكنه حق يخالف الهوى والنفس الأمارة بالسوء، فهو يهذب النفس من بطش الشهوة ويحجمها، ولا يطلق لها العنان حتى لا تتدنى إلى مدارك البهيمية.
لذا تجد المنافق دائماً أقرب إلى الحيوان يميل لشهواته ولذات دنياه، ويأبى العفاف والتنزه عن الموبقات، ويحارب الطهر والإيمان، والصدق والعفاف.
نرى في واقع أمتنا الإسلامية وجوه شائهة دينها النفاق وديدنها التسلق، وهي مع من غلب إلا إذا كانت الغلبة للإسلام، تمسحوا في مسوح النُسّاك بقلوب كقلوب الذئاب الضارية، تحمل من الغل للإسلام وأهله ما الله به عليم، نرى ذلك جلياً واضحاً في وجوه إعلامية تطل علينا كل يوم وقد هالها تغلغل الإسلام في قلوب العباد، فبات الغل الدفين في القلوب بادياً على الأفواه فاضحاً للسرائر على الرغم من محاولة الكتمان، وتذكرنا مواقفهم بقول النبي صل الله عليه وسلم
فيما رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى يكون أسعـد الناس بالدنيا لكع بن لكع») رواه أحمد بن حنبل).
ولكع بن لكع هو: الوضيع لا يستحق التقديم ولا أصل له ولا علم له أو فقه يعمل به، يعيش عمره فـــــــي الدنيا يغب من نعم الحياة كالدابة لا تحمل هماً.
ومدخل هذا اللكع اليوم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم مدخل الحية الرقطاء لا تشعر بها وتفاجأ بسمها، يتسلح بمصطلحات لفلسفات يحسبها الظمآن ماء وهي في الحقيقة سراب في سراب. قال تعالى: { أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } [النور: 39].
فتارة علمانية، وتارة ليبرالية، وتارة برجماتية وهكذا... يتبنى كل مذهب، يهمل الدين ويبتعد عن الله وتعاليمه وكتبه ورسله، ولكن ويا للعجب، تأتيهم دائماً وأبداً الرياح بما لا تشتهي سفنهم...
{ يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [الصف: 8].
فدين الله غالب ونور الله لن ينطفئ، وجند الله لا ينتهون، وينصر الله دينه ولو بالرجل الفاجر يظهر الحق على لسانه أو ينصر به دينه كيفما يشاء.
فسبحان ملك الملوك وجبار السماوات والأرض.
وأحب أن أعرض على قرائي الكرام بعض التعريفات المبسطة لتلك الفلسفات، التي يتقعر بها منافقو اليوم من باب معرفة الشر لتوخيه، فعن أبي إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة يقول: "كان الناس يسألون رسول الله صل الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني".
أولاً العلمانية: (الندوة العالمية للشباب الإسلامي)
التعريف:
العلمانية وترجمتها الصحيحة اللادينية أو الدنيوية، وهي دعوة إلى إقامة الحياة على العلم الوضعي والعقل، ومراعاة المصلحة بعيداً عن الدين، وتعني في جانبها السياسي بالذات اللادينية في الحكم، وهي اصطلاح لا صلة له بكلمة العلم، وقد ظهرت في أوربا منذ القرن السابع عشر، وانتقلت إلى الشرق في بداية القرن التاسع عشر، وانتقلت بشكل أساسي إلى مصر وتركيا وإيران ولبنان وسوريا، ثم تونس ولحقتها العراق في نهاية القرن التاسع عشر، أما بقية الدول العربية فقد انتقلت إليها في القرن العشرين، وقد اختيرت كلمة (علمانية) لأنها أقل إثارة من كلمة (لا دينية).
ومدلول العلمانية المتفق عليه يعني: عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع، وإبقاءه حبيساً في ضمير الفرد لا يتجاوز العلاقة الخاصة بينه وبين ربه، فإن سُمح له بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التعبدية والمراسم المتعلقة بالزواج والوفاة ونحوهما، تتفق العلمانية مع الديانة النصرانية في فصل الدين عن الدولة، حيث لقيصر سلطة الدولة ولله سلطة الكنيسة، وهذا واضح فيما ينسبه النصارى للسيد المسيح من قوله: (أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله)، أما الإسلام فلا يعرف هذه الثنائية والمسلم كله لله وحياته كلها لله. { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].
الليبرالية:
تعريف الليبرالية:
هي مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في السياسة والاقتصاد، وينادي بالقبول بأفكار الغير وأفعاله، حتى ولو كانت متعارضة مع أفكار المذهب وأفعاله شرط المعاملة بالمثل، والليبرالية السياسية تقوم على التعددية الأيدلوجية والتنظيمية الحزبية، والليبرالية الفكرية تقوم على حرية الاعتقاد أي: حرية الإلحاد، وحرية السلوك أي: حرية الدعارة والفجور، وعلى الرغم من مناداة الغرب بالليبرالية والديمقراطية إلا أنهم يتصرفون ضد حريات الأفراد والشعوب في علاقاتهم الدولية والفكرية، ومواقفهم من الكيان اليهودي في فلسطين، ومواقفهم من قيام دول إسلامية تحكم بالشريعة، ومواقفهم من حقوق المسلمين إلا بعض الأدلة على كذب دعواهم...
وفي تعريف دقيق لها:
يقول جميل صليبا: (ومذهب الحرية -Liberalism- أيضا مذهب سياسي فلسفي يقرر أن وحدة الدين ليست ضرورية للتنظيم الاجتماعي الصالح، وأن القانون يجب أن يكفل حرية الرأي والاعتقاد، وقد أطلق مصطلح الليبرالية على عدة أمور من أهمها: حركة فكرية ضمن البروتستانتية المعاصرة، وقد أطلق على هذه الحركة اسم الليبرالية لأنها تعتمد على حرية التفكير، وانتهاج الفكر العقلاني في التعامل مع النصوص الدينية).
يقول براتراند رسل: (بدأ يظهر في أعقاب عصر الإصلاح الديني موقف جديد إزاء السياسة والفلسفة في شمال أوروبا، وقد ظهر هذا الموقف بوصفه رد فعل على فترة الحروب الدينية والخضوع لروما مركزاً في إنجلترا وهولندا، ويُطلق على هذا الموقف الجديد تجاه مشكلات الميدان الثقافي والاجتماعي اسم الليبرالية وهي تسمية أقرب إلى الغموض، يستطيع المرء أن يدرك في ثناياها عدداً من السمات المميزة، فقد كانت الليبرالية أولاً بروتستانتية في المحل الأول، ولكن ليس على الطريقة الكالفينية الضيقة، والواقع أنها أقرب بكثير إلى أن تكون تطوراً للفكرة البروتستانتية القائلة: إن على كل فرد أن يسوي أموره مع الله بطريقته الخاصة، هذا فضلاَ عن أن التعصب والتزمت يضر بالأعمال الاقتصادية).
والبروتستانتية في حد ذاتها اختصرت الطريق أمام الليبرالية العقلانية المحضة، وهذه الحركة الفكرية داخلها أطلق عليها اسم الليبرالية مع أنها لازالت حركة دينية، لأنها فسرت الدين بطريقة معينة جعلته متوافقاً مع الليبرالية العلمانية.
يقول منير البعلبكي: (كما يطلق لفظ الليبرالية كذلك على حركة في البروتستانتية المعاصرة تؤكد على الحرية العقلية، وعلى مضمون النصرانية الروحي والأخلاقي، وقد كان من آثار هذه الحركة انتهاج الطريقة التاريخية في تفسير الأناجيل).
فقد نشأت الليبرالية كردة فعل غير واعية بذاتها ضد مظالم الكنيسة والإقطاع، ثم تشكلت في كل بلد بصورة خاصة، وكانت وراء الثورات الكبرى في العالم الغربي (الثورة الإنجليزية، والأمريكية، والفرنسية)، ولكن نقاط الالتقاء لم تكن واضحة بدرجة كافية، وهذا يتبين من تعدد اتجاهاتها وتياراتها.
يقول دونالد سترومبرج: (والحق أن كلمة الليبرالية مصطلح عريض وغامض، شأنه في ذلك شأن مصطلح الرومانسية، ولا يزال حتى يومنا هذا على حالة من الغموض والإبهام).
وفي الموسوعة الشاملة: (تعتبر الليبرالية مصطلحا غامضا لأن معناها وتأكيداتها تبدلت بصورة ملحوظة بمرور السنين).
وتقول الموسوعة البريطانية: (ونادرا ما توجد حركة ليبرالية لم يصبها الغموض، بل إن بعضها تنهار بسببه).
وإذا ذكر اسم الليبرالية فإنه كما يقول رسل: (تسمية أقرب إلى الغموض يستطيع المرء أن يدرك في ثناياها عددا من السمات المتميزة).
ومن أهم أسباب غموض مصطلح الليبرالية:
غموض مبدأ الحرية حيث يعتمد مفهوم الليبرالية على الحرية اعتماداً تاماً، ولا يمكن إخراج الحرية من المفهوم الليبرالي عند أي اتجاه يعتبر نفسه ليبراليا، ولكن مفهوم وكثرة كلام الناس فيه لا يمكن تحديده وضبطه، لأن أصحاب الأفكار المختلفة في الحرية الليبرالية يعتمد كل واحد منهم على الحرية في الوصول لفكرته... وقد خرجت أفكار مضادة لليبرالية من رحم الحرية التي تعتبر المكون الأساسي لليبرالية مثل: (الفاشية، والنازية، والشيوعية)، فكل واحدة من هذه المذاهب تنادي بالحرية، وتعتبر نفسها الممثل الشرعي لعصر التنوير، وتتهم غيرها بأنه ضد الحرية، وقد حصل التنازع بين اتجاهات الليبرالية في تكييف الحرية، والبرامج المحققة لها، ومن هذا المنطلق جاء المفهوم السلبي، والمفهوم الإيجابي للحرية.
البرجماتية (الذرائعية): (الندوة العالمية للشباب الإسلامي)
التعريف:
الذرائعية مذهب فلسفي اجتماعي يقول: بأن الحقيقة توجد في جملة التجربة الإنسانية، لا في الفكر النظري البعيد عن الواقع، وأن المعرفة آلة أو وظيفة في خدمة مطالب الحياة، وأن صدق قضية ما هو في كونها مفيدة للناس، وأن الفكر في طبيعته غائي، وقد أصبحت الذرائعية طابعاً مميزاً للسياسة الأمريكية، وفلسفة الأعمال الأمريكية كذلك، لأنها تجعل الفائدة العملية معياراً للتقدم بغض النظر عن المحتوى الفكري أو الأخلاقي أو العقائدي.
التأسيس:
نشأت الذرائعية (البرجماتية) كمذهب عملي في الولايات المتحدة الأمريكية مع بداية القرن العشرين، وقد وجدت في النظام الرأسمالي الحر الذي يقوم على المنافسة الفردية خير تربة للنمو والازدهار.
الأفكار والمعتقدات:
من أهم أفكار ومعتقدات المذهب الذرائعي (البرجماتية) ما يلي:
إن أفكار الإنسان وآراءه ذرائع يستعين بها على حفظ بقائه أولاً، ثم السير نحو السمو والكمال ثانياً.
إذا تضاربت آراء الإنسان وأفكاره وتعارضت كان أحقها وأصدقها أنفعها وأجداها، والنفع هو الذي تنهض التجربة العملية دليلاً على فائدته.
إن العقل خُلق أداة للحياة ووسيلة لحفظها وكمالها، فليست مهمته تفسير عالم الغيب المجهول، بل يجب أن يتوجه للحياة العملية الواقعية.
الاعتقاد الديني لا يخضع للبيئات العقلية، والتناول التجريبي الوحيد له هو آثاره في حياة الإنسان والمجتمع، إذ يؤدي إلى الكمال بما فيه من تنظيم وحيوية.
النشاط الإنساني له وجهتان: (فهو عقل، وهو إرادة) ونموه كعقل ينتج العلم، وحين يتحقق كإرادة يتجه نحو الدين، فالصلة بين العلم والدين ترد إلى الصلة بين العقل والإرادة.
يتضح مما سبق:
أن الذرائعية أو البرجماتية مذهب فلسفي نفعي يرى أن الحقيقة توجد من خلال الواقع العملي، والتجربة الإنسانية، وأن صدق القضية ما يكمن في مدى كونها مفيدة للناس، كما أن أفكار الناس هي مجرد ذرائع يستعين بها الإنسان لحفظ بقائه ثم البحث عن الكمال، وعندما تتضارب الأفكار فإن أصدقها هو الأنفع والأجدى، والعقل لم يخلق لتفسير الغيب المجهول، ولذا فإن الاعتقاد الديني لا يخضع للبينات العقلية.
ولما كان نشاط الإنسان يتمثل في العقل والإرادة وكان العقل ينتج العلم، وحينما يتحقق العلم كإرادة يتجه نحو الدين، لذا فإن الصلة بين العلم والدين ترجع إلى الصلة بين العقل والإرادة، ومخاطر هذا المذهب الفلسفي على العقيدة واضحة جلية، فهو مذهب يحبذ إلغاء دور العقل في الإفادة من معطيات النقل أو الوحي، وقد رأينا في واقعنا المعاصر كيف أفلست الذرائعية كما أفلست سواها من الفلسفات المادية، وعجزت عن إسعاد الإنسان بعدما أدت إلى تأجيج سعار المادية، وأهدرت القيم والأخلاق السامية التي دعت إليها جميع الأديان السماوية.
وأخيراً قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [النور:11].
والله المستعان وعليه التكلان.
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: