الغرس Culture
اختار الغرب لتوصيف الثقافة مصطلح Culture، و كان يستخدم بمعنى الزراعة. شبهوا غرس الفكرة في العقل لإنتاج شخص بمواصفات محددة
من هنا وهناك.. مما حرفه من ثقافتنا ومما سرقه من تقنيتنا، ومما عثر عليه مشوهًا في الوثنية النصرانية والوثنية اليونانية، ومن تخاريف المعتوهين، وأحلام الطامحين، لملم الغربُ أشياءً وكون ما أسماه ثقافةً، وأسس عليها حضارةً.
اختار الغرب لتوصيف الثقافة مصطلح Culture، و كان يستخدم بمعنى الزراعة. شبهوا غرس الفكرة في العقل لإنتاج شخص بمواصفات محددة..أو للتحكم في سلوك شخص في اتجاهات محددة، بغرس الأرض بالبذر لإنتاج محصول معين. وفيما يخص تغيير الفرد المسلم، ومن ثم المجتمع المسلم اتخذ الغرب عدة خطوات:
أولها: غرسوا قيمهم في صدور أفراد بأدوات المعرفة الرسمية كالمدارس والبعثات العلمية، وغير الرسمية كالصحف والمجلات، فأنتجوا نخبة أحبتهم ونقلت عنهم. في جميع المجالات، وخاصة العلوم الانسانية: الأدب، والفن، والتاريخ (طه حسين ـ مثلًاـ في التعاطي مع التراث الإسلامي وما كتبه في الشعر الجاهلية، وغيره..).
ثانيها: غرس مؤسسات التغيير:
بعد أن شبت النخبة واشتدت عمد هؤلاء إلى تأسيس مؤسسات في جميع مجالات الحياة تنشر قيمهم، وتتحكم في المجتمع تبعًا لقيمهم هم. فكانت مؤسسة التعليم التي لم ترفع قيمة الفرد، وإنما فقط عملت على إنتاج موظف يدير الحياة بالحد الأدنى دون أن يطور مجتمعه. وكانت المؤسسة العسكرية التي لم تقاتلهم، بل خدعت الجماهير واقتتلت فيما بينها. ثم تحولوا لجبابرة يضطهدون شعوبهم ويسومنهم سوء العذاب. فهذه المؤسسة تعمل بشكل تلقائي في اتجاه توطين ثقافة تحول دون رجوع الأمة لمسارها التاريخي .. دون البدء في دورة حضارية جديدة نستعيد بها مجدنا، ونؤدي من خلالها رسالتنا.
وغرسوا مؤسسات الاقتصاد، .. جميع المجالات. فصار المجتمع بجميع تفاصيله في يد مؤسساتهم .
ثالثها: حماية هذه المؤسسات بالقانون الدولي، فلا تستطيع هذه المؤسسات أن تغير من سيرتها، ولا أن تتحرك بعيدًا عما يسمحون لها به. يكبلونها بالقانون الدولي ومن يحرسون ويطورون القانون الدولي.
ثمرة فكرة غرس القيم والأدوات:
1. مجتمع مشتت لا إلى ثقافته الأولى، ولا إلى الغرب.
2. تفريغ الفرد وانعدام قيمته الفعلية. فلم تنتج هذه المؤسسات مبدعين ولو حتى في إطار علماني قومي.
3. ضياع الهوية الخاصة بالأمة، ومن ثم غياب مشروعها الحضاري وتبعيتها للغرب.
4. عرقلة المشروع الإصلاحي بهذه الترسانة الضخمة من النخبة والمؤسسات، وأدوات الفعل العلماني.
5. أثمر هذا التحكم الشديد في جميع تفاصيل الحياة مشوهين فكريًا أو سلوكيًا.. حتى أولئك المعترضين على مؤسسات التغير التي غرسها الغرب، اتسم فعلهم بالمحدودية، محدود التواجد، ومحدود الأثر، فقد تواجدوا في بعض مجالات الحياة، ولم يستطيعوا امتلاك قوة نوعية للخروج من مخالب مؤسسات التغيير العلمانية.
6. سيطرة مؤسسات التغيير، والتي منها الدولة الحديثة نفسها، أوجد انحرافًا رئيسيًا في مسيرة النهوض الإسلامي، مفاده: التحول من فكرة النهوض الحضاري إلى النهوض بالدولة.
- التصنيف: