كلمات في صوم يوم عاشوراء

منذ 2018-09-20

قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرَّى صيام يوم فضَّــلَه الله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشهر، شهر رمضان»

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد:

فإن في استحباب صيام يوم عاشوراء مناسبة لطيفة، فإنه لما أنجى الله نبيه موسى عليه الصلاة والسلام من الغرق وأغرق فرعونَ ؛ صام موسى عليه السلام يومَ العاشر من محرم شكراً لله على نعمته وفضله عليه بإنجائه وقومه، وإغراق فرعونَ وقومه، ثم صامه أهل الكتاب أيضا – وهم اليهود والنصارى[1] -، بل كانت اليهود تتخذ ذلك اليوم عيدا، ويُلبِسون نساءهم فيه حُـلِيِّهم وشاراتهم.[2] والشارات هي اللباس الحسن الجميل.

وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: إن يوم عاشوراء كانت تُعظِّمُه اليهود والنصارى.[3]

ثم تلقته عرب الجاهلية الذين كانوا يعـــبدون الأصنام وليسوا من أهل الكتاب، فكانت قبيلة قريشٌ في مكة تصــــــومه في جاهليتها قبل الإسلام، قالت عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم: كان يوما تُــستر فيه الكعبة.[4] أي يُعظمونها بوضع الستور عليها من القماش ونحوه.

وقالت أيضا: «كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فُرِض شهر رمضان قال: من شاء صامه ومن شاء تركه» .[5]

وقصة مشروعية صوم عاشوراء أنه لما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينةَ مهاجراً، وجد اليهود صِياما يوم عاشوراء فسألهم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟

فقالوا: هذا يومٌ عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرَّق فرعونَ وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه.

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( «فنحن أحق وأولى بموسى منكم» )، «فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه» .[6]

وقد يتساءل المسلم فيقول: ما هي فضيلة صيام يوم عاشوراء وما هو ثوابه؟

فالجواب أن صيامه يُـــكَــفِّر ما ارتكبه الإنسان من ذنوب صغائر في السنة الماضية، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ...

«وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يُــكَــفِّر السنة التي قبله» .[7]

أيْ الخطايا التي ارتكبها الإنسان في السنة التي قبلها، وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة، والله ذو الفضل العظيم.

ولهذا قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرَّى صيام يوم فضَّــلَه الله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشهر، شهر رمضان» .[8]

وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يُصوِّمون صبيانهم في يوم عاشوراء تعويداً لهم على طاعة الله، فعن الــــرُّبَـــــيِّــــــع بنت مُـــــعَـــــوَّذ رضي الله عنها قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء – أي في الصبح - إلى قرى الأنصار: ( «من أصبح مفطراً فَــلْـــيُــــتِم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم» ).

قالت: فكنا نصومه بعدُ ونُـــــصوِّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العِهن[9]، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار.[10]

«ومن سُنن صيام يوم عاشوراء صوم يوم التاسع معه، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( «لئن بقيت إلى قابل لأصومنَّ التاسع» )[11]، يعني لئن بقيت إلى العام الـمقبل ولم أمُت لأصومنَّ التاسع مع العاشر، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم توفي قبل أن يدرك عاشوراء من السنة المقبلة.

وعلة تشريع صيام يوم التاسع مع العاشر ألَّا يتشبه المسلمون باليهود في صيامهم، فقد كان اليهود يصومون العاشر، فكره النبي صلى الله عليه وسلم التشبه بهم في عباداتهم فأرشد إلى صيام اليوم التاسع مع العاشر لتنتفي المشابهة، وهذا من خصائص الشريعة الإسلامية، أن يتميز أتباعها في عباداتهم عن غيرهم من أصحاب الملل الأخرى ولا يتشبهوا بهم.

ولـمَّا كان لصيام يوم عاشوراء فضل كبير؛ فقد حرص السلف حرصا عظيما على صيامه، حتى كان طائفة منهم يصومونه فـي الـسـفــر خشية فواته، ذكر ذلك ابن رجب رحمه الله وذكر منهم ابن عباس، وأبو إسحاق السبيعي، والـزُّهـري.

قال الزُّهري: "إن رمضان له عدة من أيام أخر، وإن عاشوراء تفوت".

ونص أحمد على أنه يُصام عاشوراء في السفر.[12]

 

تم المقال بحمد لله

نفع الله به كاتبه وقارئه وناشره

وكتبه ماجد بن سليمان الرسي

 

[1] قال ابن كثير رحمه الله في تفسير سورة البقرة، آية 62:

سُــمُّـــوا بذلك (أي نصارى) لتناصرهم فيما بينهم، وقد يقال لهم : أنصار أيضا، كما قال عيسى عليه السلام: (من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله)، وقيل : إنهم إنما سُـــمُّوا بذلك من أجل أنهم نزلوا أرضا يقال لها ناصرة. انتهى كلامه.

قلت: يعني بلدة الناصرة بفلسطين.

[2] رواه مسلم (1131)، وفي الباب عن أبي موسى رضي الله عنه، رواه البخاري (2005).

[3] رواه مسلم (1134).

[4] رواه البخاري (1592) ).

[5] رواه البخاري (2002) ومسلم (1125)، وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنهما، رواه البخاري (1892) ومسلم (1126).

[6] رواه البخاري (2004) ومسلم (1130)، واللفظ لمسلم.

[7] رواه مسلم (1162) عن أبي قتادة رضي الله عنه.

[8] رواه البخاري (2006) ومسلم (1132).

[9] العهن هو القطن.

[10] رواه البخاري (1960) ومسلم (1136) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

[11] رواه مسلم (1134) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

[12] انظر «لطائف المعارف» لابن رجب، ص 110، تحقيق ياسين السواس، ط دار ابن كثير – دمشق.

وأخرج البيهقيُّ أثر الزهري في «شعب الإيمان» (3/367(، ط دار الكتب العلمية.

  • 6
  • 2
  • 8,269

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً