ومرّ عامٌ فيا لله كم مرَّ!!

منذ 2018-10-06

وانظر الجوانب المشرقة في النفس والحياة والزملاء والأحداث واستثمرها أحسن استثمار والله الموفق!

ومرّ عامٌ فيا لله كم مرَّ! فلم نُلقِ له بالاً ولم نلقِ له ذكرى! كذا هي الحياة انسلاخ أعوام، ومرور سنوات، وتقلص لأعمارنا وذهاب لطاقاتنا واستنفاد لفرصنا! مات أقوام وعاش آخرون، ووقعت أحداث، وأشغلت وقائع، وخالطنا الفرح والحزن، وتقلبت بنا الحياة! زاد عمرك ونضج فكرك، وغابت فرصتك، لا سيما ما سنح، وأعرضت عنه وجنحت.

والعصر إن الإنسان لفي خُسر! أقسم الله بالعصر والزمن لما حواه من العجائب والأحداث، وليشير إلى عظمه وضرورة استثماره ومبادرته واغتنامه ( «وفراغَك قبل شغلك» ). والزمان حجة لك أو عليك ( {أو لم نُعمّركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير} ) [سورة فاطر] . فعيّرهم بالزمن وتضييعه والوقت وإهماله، والساعات وإهدارها والله المستعان.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مرَّ السحاب، فمن كان وقته لله تعالى وبالله تعالى، فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته).

إنما يُكرس الوقت في طاعة الله، وتهتبل من خلاله نفائسه، وتعتاد فضائله، وليخشَ العبد الملاهي والصوارف قال تعالى: ( {يا أيها الذين آمنوا لاتُلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله} ) [سورة التغابن] .

ما ضيّع ابن آدم شيئا كالوقت، ولو تعلم فضله وأيقن غلاءه ما أفناه وتساهل فيه، قال الحسن رحمه الله: (أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد حرصا منكم على دراهمكم ودنانيركم).

تُغتنم الأوقات بحُسن التنظيم ورسم الأهداف، والتأسف على فواتها دون استفادة واستثمار.

مرور عام من أعمارنا يعني تقدمنا سنا وفكراً وخبرة وتجربةً وتاريخا، واتساع الحجج علينا التي جدير أن تحملنا على تقمص العظة وتجديد صحة القلب.

الحياة أفراح ومنغصات، ومسرات وأحزان، وعلى المسلم تلقيها بالصدر الرحب، واستيقان أنها قنطرة الآخرة، ومعبرة الفوز الكبير لمن أعد له (لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربعٍ! وعن عمره فيما أفناه).

فيا سعادةَ من أفناه في خير وطاعة ومسلرعات، ويا تعاسة من بدده وضيعه وتناسى الحساب والجزاء ( {واتقوا يوما تُرجعون فيه إلى الله } ) [سورة البقرة] .

يُفترض في بعضنا تعلُّمنا من أخطائنا، واستذكارنا لمحاسن أفعالنا وتداركنا لفرص ذهبية، ومغانم فاخرة!

لم يخلُ العام من مواقف ذات عبرة، وقصص فيها نبأ واتعاظ ، لمن كان له قلب واعٍ، أو بصيرة حية!

تعلم الشافعي رحمه الله من الصوفية (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ) فاقطع الزمان ادّكارا واستثمارا وعمرانا ومعالجة، وتطلابا للآخرة ! ( {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون} ) [سورة العنكبوت] .

ولا تمر عليك اللحظات بلا عمل أو تسبيح وذكر ( {الذين يذكرون الله قياماً وقعودا وعلى جنوبهم} ) [سورة آل عمران] . ولولا إيمانهم بالوقت وتعطشهم للذكر، لما أفنوا أوقاتهم ذكرا وحباً لله تعالى.

مرور الأعوام بلا اتعاظ أو إنتاجية مورث للحسرة لو تأمل المرء، وحاسب نفسه! وقالوا: من علامة المقت إضاعة الوقت!

تسارع الزمان وتقدم الأعمار، برغم ما فيها، إلا إنها توسيع للعقل، وتصحيح للتصور والتجربة. لقد هان الوقت عند كثيرين إلى درجة أننا لم نعد نحس بمرور عام أو مجئ جديد، والسبب غفلتنا عن الآخرة، واستحواذ الغفلة علينا!

تفكر بعد انقضاء عام كامل، كم استهلك منك الطعام والمنام والملاهي والأشغال ، واحسب ما حصدته من الدرر والمنافع.

لم يكن الإنسان أشد منه إضاعة هذه الأزمنة بسبب الانفتاح المتزايد والترف الدنيوي، واستهلاكية فاقت كل التصورات.

من يدرك ثمنية اللحظات لا يفرط فيه أبدا، كان الخطيب البغدادي رحمه الله يسير ومعه كتاب يقرأ فيه، والمجد ابن تيمية رحمه الله يُقرأ عليه وهو في الخلاء.

قال عبد الرحمن بن حاتم الرازي عن حاله مع أبيه رحمهما الله: ربما كان يأكل فأقرأ عليه ، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه، ويدخل البيت لطلب شيء وأقرأ عليه!

كما تفرح بإنجازات متينة أو متواضعة، تذكر لك غفلات، أو كماليات، أو مبالغات كنت في غنى عنها، والأطم معاصٍ فُعلت، وخطايا مورست، وأورثت حسرات! وهل لنا بعد ذلك التصحيح والمعالجة، نعم بالتوبة والاستغفار وتجديد العهد مع الله بحسن العمل وامتطاء الجد، والسير حثيثا بلا تردد وتقاعس.

حينما تدرك أن رسولنا المختار استعاذ من الهم والحزن والعجز والكسل، تتبين كم لهذه العوائق من جُدر مبنية وحواجز سادة لكل تحرك وانطلاق، وقد عطلت همماً وعزمات.

ولربّ عزمٍ منتش متدفقٍ

ويلفه الكسل الذي لم ينهضِ.

عامٌ يطالعنا بحُسن روائِه

وبلونِه لكننا لم ننفضِ

يا أيها الشابُ الذي في قلبِه

جمرُ النهوض تقدّمن فوق المضي.

نستطيع بحُسن التنظيم ودقة الاعتبار أن نقلل المُتع، ونقطف اللمع، وان لا نرتع كمن رتع! ( {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} ) [سورة آل عمران] .

للشهور أهداف، ونصف السنة منجزات، وآخر العام مكاسب ومغانم باهيات، ولا يليق التفريط والتهوين .

العام الجديد ولادة جديدة وتفكر معتبر، وتوبة وحرص، وتدارك لما فات ( {فاعتبروا يا أولي الأبصار} ).

كل تنغيص وحزن علينا استيعابه وسؤال الله الفرج والتيسير ، والتوكل على الله جيئة وذهابا، والحياة لا تستحق كل تلك الأحزان! وفِي الذكر والدعاء ما يبدد كل تلك الأحزان ويدفع الآلام. وفِي التفاؤل غذاء للروح وشحذ للقدمين بالعمل والانطلاق وفِي الحديث ( «ويُعجبني الفأل» ) والحكمة تقول ( «تفاءلوا بالخير تجدوه» ).

وانظر الجوانب المشرقة في النفس والحياة والزملاء والأحداث واستثمرها أحسن استثمار والله الموفق!

يعيش بعضهم بالمال والجاه والشهرة بعض سعادة، وبالتفاؤل كل السعادة والانشراح (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) سورة الرعد.

حمزة بن فايع الفتحي

رئيس قسم الشريعة بجامعة الملك خالد فرع تهامة، وخطيب جامع الفهد بمحايل عسير

  • 4
  • 0
  • 9,128

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً