فضل بلاد الشام وكفر النصيرية الطغام

منذ 2011-06-21

{وَلِسُلَيمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجرِي بِأَمرِهِ إِلى الأَرضِ الَّتي بَارَكنَا فِيهَا}...


(بقلم:عبد الله البصري)

الخطبـة الأولــى:
ـ أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عز وجل- فَاتَّقُوا اللهَ { وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ} [البقرة:194].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، الأُمَّةُ الإِسلامِيَّةُ اليَومَ جَسَدٌ مُثخَنٌ بِالجِرَاحِ، تَوَالَت عَلَيهِ الطَّعَنَاتُ مِنَ الدَّاخِلِ وَالخَارِجِ، وَتَتَابَعَت عَلَيهِ النَّكَبَاتُ مِن قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ، وَبَينَمَا يَشتَكِي بَعضُ أَجزَائِهِ عَدَاوَةَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالمُلحِدِين، تَتَحَمَّلُ أَجزَاءٌ أُخرَى مَا تَتَحَمَّلُ مِن غَدرِ البَّاطِنِيَّةِ والمُنَافِقِينَ،وَإِنَّ لِبِلادِ الشَّامِ مِن ذَلِكَ نَصِيبًا كَبِيرًا، إِذْ مَا زَالَت تَشكُو إِلى اللهِ يَهُودًا في فِلِسطِينَ يُدَنِّسُونَ مَسرَى رَسُولِهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وَرَافِضَةً وَنُصَيرِيَّةً وَدُرُوزًا في سُورِيَّةَ وَلُبنَانَ يُحَارِبُونَ أَولِيَاءَهُ، وَآخَرِينَ مِن دُونِهِم يَتَرَبَّصُونَ بِالمُسلِمِينَ الدَّوَائِرَ وَيَبغُونَهُمُ الفِتنَةَ لا يَعلَمُهُم إِلاَّ اللهُ، وَبَينَ هَذَا وَفي ثَنَايَاهُ ممَّا يَزِيدُ الأَمرَ سُوءًا، تَنَازُلُ بَعضِ الشَّامِيِّينَ عَن مَبَادِئِهِم، وَغَفلَتُهُم عَن مَصدَرِعِزِّهِم، وَاشتِغَالُهُم بِالشَّهَوَاتِ عَلَى اختِلافِ أَنوَاعِهَا، في أُمُورٍ قَد تَقذِفُ بِاليَأسِ في قُلُوبِ بَعضِ المُؤمِنِينَ، فَيَظُنُّونَ أَنَّ دَولَةَ البَاطِلِ في تِلكَ البِلادِ سَتَظَلُّ أَمَدًا طَوَيلاً، في حِينِ أَنَّ العَكسَ مِن ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ بِإِذنِ اللهِ، إِذْ صَحَّتِ الأَحَادِيثُ وَالآثَارُ في فَضلِ الشَّامِ وَأَهلِهِ، بما يَدفَعُ المُؤمِنِينَ لِلتَّفَاؤُلِ وَيَزِيدُهُم ثِقَةً بِنَصرِ اللهِ، فَالشَّامُ أَرضٌ مُبَارَكَةٌ، وَفِيهَا أَجزَاءٌ مُقَدَّسَةٌ، وَصَفَهَا بِذَلِكَ اللهُ الَّذِي يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَختَارُ، وَدَعَا لَهَا بِالبَرَكَةِ مُحَمَّدٌ- عليه الصلاة والسلام-، وَأَخبَرَ أَنَّ فِيهَا صَفوَةَ بِلادِ اللهِ وَمُهَاجَرَخِيرَةِ عِبَادِهِ، قَالَ- سبحانه- عَلَى لِسَانِ مُوسَى- عليه السلام- : { يَا قَومِ ادخُلُواالأَرضَ المُقَدَّسَةَ الَّتي كَتَبَ اللهُ لَكُم } [المائدة:21].


وَقَالَ- تعالى- عن إِبرَاهِيمَ وَلُوطٍ- عليهما السلام-: { وَنَجَّينَاهُ وَلُوطًا إِلى الأَرضِ الَّتي بَارَكنَا فِيهَا لِلعَالمِينَ} [الأنبياء:71].
وَقَالَ -سبحانه- : {وَلِسُلَيمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجرِي بِأَمرِهِ إِلى الأَرضِ الَّتي بَارَكنَا فِيهَا } [الأنبياء:81].

وَقَالَ- تعالى-: {سُبحَانَ الَّذِي أَسرَى بِعَبدِهِ لَيلاً مِنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذِي بَارَكنَا حَولَهُ} [الاسراء:1].

ـ وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنهُ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: « اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في شَامِنَا ».

ـ وَعَن وَاثِلَةَ بنِ الأَسقَعِ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « عَلَيكُم بِالشَّامِ؛ فَإِنَّهَا صَفوَةُ بِلادِ اللهِ، يُسكِنُهَا خِيرَتَهُ مِن خَلقِهِ » رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

ـ وَفي الشَّامِ خَيرُ جُندِ اللهِ، صَحَّ بِذَلِكَ الخَبَرُ عَن عَبدِاللهِ بنِ حَوَالَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ- صلى الله عليه وسلم -: «سَتُجَنَّدُونَ أَجنَادًا، جُندًا بِالشَّامِ وَجُندًا بِالعِرَاقِ وَجُندًا بِاليَمَنِ » قَالَ عَبدُاللهِ: فَقُمتُ فَقُلتُ: خِرْ لي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «عَلَيكُم بِالشَّامِ، فَمَن أَبى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ وَليَسْقِ مِن غُدُرِهِ، فَإِنَّ اللهَ - عز وجل - قَد تَكَفَّلَ لي بِالشَّامِ وَأَهلِهِ »
رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.


ـ وَفي الشَّامِ العِلمُ وَالإِيمَانُ، فَعَن عَبدِاللهِ بنِ عَمرٍو- رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «إِنِّي رَأَيتُ كَأَنَّ عَمُودَ الكِتَابِ انتُزِعَ مِن تَحتِ وِسَادَتي، فَأَتبَعتُهُ بَصَرِي فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ إِلى الشَّامِ، أَلاوَإِنَّ الإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الفِتَنُ بِالشَّامِ » أَخرَجَهُ الطَّبَرَانيُّ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

ـ وَقَالَ - عليه الصلاة والسلام - : « وَعُقرُ دَارِ المُؤمِنِينَ الشَّامُ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ في حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

ـ وَالشَّامُ أَرضُ غَنِيمَةٍ وَرِزقٍ، فَعَن أَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ اللهَ استَقبَلَ بِيَ الشَّامَ وَوَلىَّ ظَهرِيَ اليَمَنَ، وَقَالَ لي: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي جَعَلتُ لَكَ مَا تُجَاهَكَ غَنِيمَةً وَرِزقًا، وَمَا خَلفَ ظَهرِكَ مَدَدًا ».
رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

ـ وَفي الشَّامِ تَكُونُ قَاعِدَةُ المُسلِمِينَ في زَمَنِ المَلاحِمِ، وَفِيهَا يَكُونُ نُزُولُ عِيسَى- عليه السلام - في آخِرِ الزَّمَانِ وَمَهلِكُ الدَّجَّالِ، الَّذِي مَا وُجِدَت وَلَن تُوجَدَ عَلَى الأَرضِ فِتنَةٌ هِيَ أَشَدُّ مِنَ فِتنَتِهِ، فَعَن أَبي الدَّردَاءِ- رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «فُسطَاطُ المُسلِمِينَ يَومَ المَلحَمَةِ بِالغُوطَةِ، إِلى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشقُ، مِن خَيرِ مَدَائِنِ الشَّام» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحمَدُ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

ـ وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: « يَنزِلُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ- عليه السلام- عِندَ المَنَارَةِ البَيضَاءِ شَرقِيَّ دِمَشقَ » رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ.


ـ وَقَالَ- عليه الصلاة والسلام-: « لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنزِلَ الرُّومُ بِالأَعمَاقِ أَو بِدَابِقَ، فَيَخرُجُ إِلَيهِم جَيشٌ مِنَ المَدِينَةِ مِن خِيَارِ أَهلِ الأَرضِ يَومَئِذٍ، فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ: خَلُّوا بَينَنَا وَبَينَ الَّذِينَ سَبَوا مِنَّا نُقَاتِلْهُم، فَيَقُولُ المُسلِمُونَ: لا وَاللهِ، لا نُخَلِّي بَينَكُم وَبَينَ إِخوَانِنَا، فَيُقَاتِلُونَهُم، فَيَنهَزِمُ ثُلُثٌ لا يَتُوبُ اللهُ عَلَيهِم أَبَدًا، وَيُقتَلُ ثُلُثٌ هُم أَفضَلُ الشُّهَدَاءِ عِندَ اللهِ، وَيَفتَتِحُ الثُّلُثُ، لا يُفتَنُونَ أَبَدًا، فَيَفتَتِحُونَ قُسطَنطِينِيَّةَ، فَبَينَمَا هُم يَقتَسِمُونَ الغَنَائِمَ قَد عَلَّقُوا سُيُوفَهُم بِالزَّيتُونِ، إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيطَانُ: إِنَّ المَسِيحَ قَد خَلَفَكُم في أَهلِيكُم، فَيَخرُجُونَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِذَا جَاؤُوا الشَّامَ خَرَجَ، فَبَينَمَا هُم يُعِدُّونَ لِلقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ، إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَيَنزِلُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ فَأَمَّهُم، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ المِلحُ في المَاءِ، فَلَو تَرَكَهُ لانذَابَ حَتَّى يَهلِكَ، وَلَكِنْ يَقتُلُهُ اللهُ بِيَدِهِ، فَيُرِيهِم دَمَهُ في حَربَتِهِ» رَوَاهُ مُسلِمٌ.

ـ وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: « يَأتي المَسِيحُ مِن قِبَلِ المَشرِقِ هِمَّتُهُ المَدِينَةُ، حَتَّى يَنزِلَ دُبُرَ أُحُدٍ، ثُمَّ تَصرِفُ المَلاَئِكَةُ وَجهَهُ قِبَلَ الشَّامِ وَهُنَالِكَ يَهلِكُ» رَوَاهُ مُسلِمٌ.

ـ وَالشَّامُ كَمَا لا يَجهَلُ أَيُّ مُسلِمٍ هِيَ أَرضُ المَحشَرِ وَالمَنشَرِ، فَعَن أَبي ذَرٍّ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم-: « الشَّامُ أَرضُ المَحشَرِ وَالمَنشَرِ» رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّهُ وَإِنْ تَكُنِ الشَّامُ في أَعقَابِ الزَّمَنِ وَمُتَأَخِّرِ السَّنَوَاتِ قَد نَالَهَا مِنَ الفَسَادِ مَا نَالَ غَيرَهَا، إِلاَّ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَد مَدَحَهَا بِخَيرِ مَا يُمدَحُ بِهِ حَيثُ قَالَ: « طُوبى لِلشَّامِ » قِيلَ: وَلِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: « إِنَّ مَلائِكَةَ الرَّحمَنِ بَاسِطَةٌ أَجنِحَتَهَا عَلَيهَا» رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.


وَقَد يَسأَلُ سَائِلٌ فَيَقُولُ: إِذَا كَانَت كُلُّ هَذِهِ الفَضَائِلِ لِلشَّامِ، فَأَينَ كَانَتِ الشَّامُ طِيلَةَ العُقُودِ المَاضِيَةِ؟ وَلِمَاذَا نَامَ أَهلُهَا؟ وَكَيفَ لم يَنصُرُوا قَضَايَاهُم وَيَطرُدُوا العَدُوَّ مِن دِيَارِهِم؟! وَالجَوَابُ أَنَّ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- وَنَطَقَ بِهِ حَقَّ لا شَكَّ فِيهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِن فَضَائِلِ الشَّامِ وَأَهلِهَا صِدقٌ لا مِريَةَ فِيهِ، نُؤمِنُ بِهِ تَمَامَ الإِيمَانِ، كَمَا نُؤمِنُ أَنَّ مِن سُنَنِ الحَقِّ الَّتي تُفَسِّرُ وَاقِعَ أَهلِ الشَّامِ وَغَيرِهِم مِنَ المُسلِمِينَ مِمَّن ضَعُفُوا اليَومَ وَاستَكَانُوا، مَا جَاءَ في كِتَابِ اللهِ - جل وعلا- حَيثُ قَالَ سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لم يَكُ مُغَيِّرًا نِعمَةً أَنعَمَهَا عَلَى قَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:53].
وَقَالَ- تعالى-: {أَوَلَمَّا أَصَابَتكُم مُصِيبَةٌ قَد أَصَبتُم مِثلَيهَا قُلتُم أَنىَّ هَذَا قُل هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُم إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ } [آل عمران:165].

ـ نَعَم- أَيُّهَا المُسلِمُونَ- لَمَّا عَدَلَتِ الشَّامُ عَن عَقِيدَةِ الإِسلامِ الصَّافِيَةِ، وَاختَارَتِ الشِّعَارَاتِ الجَاهِلِيَّةَ الكُفرِيَّةَ بَعثِيَّةً وَاشتِرَاكِيَّةً، وَجَعَلَت مَكَانَ الهُوِيَّةِ الإِسلامِيَّةِ قَومِيَّاتٍ مُتَعَصِّبَةً وَحِزبِيَّاتٍ ضَيِّقَةً، واستَبدَلَت بِرَايَةِ الجِهَادِ المُقَاومَاتِ الوَطَنِيَّةَ، وَاشتَغَلَ أَهلُهَا بِالدُّنيَا وَانهَمَكُوا في الشَّهَوَاتِ كَغَيرِهِم، إِذْ ذَاكَ ضَعُفَت كَمَا ضَعُفَ غَيرُهَا، وَكَانَ الجَزَاءُ أَنْ سَلَبَ اللهُ- تعالى- ذَلِكَ الجِيلَ الخَيرِيَّةَ، وَسَلَّطَ عَلَيهِ شَرَّ البَرِيَّةِ، مِن يَهُودٍ وَنَصَارَى وَرَافِضَةٍ وَنُصَيرِيَّةٍ، فَذَاقُوا بَعدَ العِزَّةِ ذُلاًّ وَمَهَانَةً، مِصدَاقًا لِقَولِهِ- صلى الله عليه وسلم: «إِذَا ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرهَمِ وَتَبَايَعُوا بِالعِينَةِ، وَتَبِعُوا أَذنَابَ البَقَرِ وَتَرَكُوا الجِهَادَ في سَبِيلِ اللهِ، أَدخَلَ اللهُ - تعالى- عَلَيهِم ذُلاًّ لا يَرفَعُهُ عَنهُم حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينَهُم» رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

ـ ثُمَّ إِنَّ مَا جَاءَ مِن فَضَائِلَ لِلشَّامِ وَأَهلِهَا لَيسَت قَطعًا لِلقَومِيِّينَ وَلا لِلبَعثِيِّينَ وَلا الاشتِرَاكِيِّينَ، وَلا لِلبَاطِنِيَّةِ النُصَيرِيَّةِ وَلا لِلرَّافِضَةِ وَالدُّرُوز، بَل هِيَ لأَولِيَاءِ اللهِ الصَّالِحِينَ وَأَهلِ الإِيمَانِ الخَالِصِ، مِنَ المُقِيمِي الصَّلاةِ المُؤتِينَ الزَّكَاةَ، المُجَاهِدِينَ في سَبِيلِ اللهِ، المُنَاصِرِينَ لِلحَقِّ القَائِمِينَ بِهِ، الذَّابِّينَ عَن حِيَاضِ الدِّينِ، الَّذِينَ لا يَبتَغُونَ العِزَّةَ مِن عِندِ غَيرِ اللهِ وَلايَرضَونَ رَبًّا سِوَاهُ، وَمَا أَكثَرَهُم في الشَّامِ الآنَ، يَعلَمُ بِذَلِكَ مَن زَارَهَا وَاطَّلَعَ عَلَى حَالِ أَهلِهَا! وَإِنَّ أَرضًا عَاشَ فِيهَا كَثِيرٌمِنَ الصَّحَابَةِ وَكِبَارِ التَّابِعِينَ، وَثُغُورًا رَابَطَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الأَبطَالِ وَالمُجَاهِدِينَ، وَمُدُنًا أَخرَجَت أَفذَاذًا من العُلَمَاءِ وَالمُصلِحِينَ، كَابنِ تَيمِيَّةَ وَابنِ القَيِّمِ وَابنِ كَثِيرٍ، وَبِلادًا عَاشَ فِيهَا كِبَارٌ كَالأَوزَاعِيِّ وَابنِ قُدَامَةَ والذَّهَبيِّ، وَاحتَوَت مَا لا يُحصَى مِن أَربِطَةِ العُلَمَاءِ وَأَوقَافِ المُحسِنِينَ، وَازدَهَرَت بها مَكتَبَاتُ العِلمِ وَحُفِظَت فِيهَا المَخطُوطَاتُ، إِنَّهَا لَن تَعجَزَ أَن تَلِدَ رِجَالاً يُعِيدُونَ لها سَابِقَ مَجدِهَا وَغَابِرَ عِزِّهَا، والأَحَادِيثُ تُبَشِّرُ بِزَوَالِ البَاطِلِ وَظُهُورِ الحَقِّ، وَالأَيَّامُ دُوَلٌ: { وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ } [الحج:40ـ 41].


الخطـبة الثانـــــية
ـ أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -عز وجل- فَاتَّقُوا اللهَ- تعالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَد تَاهَ أَهلُ الشَّامِ في أَرضِهِم أَربَعَةَ عُقُودٍ بَينَ القَومِيَّةِ وَالبَعثِيَّةِ وَالوَطَنِيَّةِ وَالاشتِرَاكِيَّةِ، تَجلِدُ ظُهُورَهُم سِيَاطُ النُصَيرِيَّةِ البَاطِنِيَّةِ، تِلكَ الشِّرذِمَةُ القَلِيلَةُ مِن أَهلِ الكُفرِ وَالضَّلالِ، الَّذِينَ رَكِبُوا ظُهُورَأَهلِ الشَّامِ في وَقتِ غَفلَةٍ، وَمَا زَالُوا إِلى اليَومِ يَسُومُونَ أَهلَ السُّنَّةِ العَذَابَ، يُقَتِّلُونَ رِجَالَهُم وَيَزُجُّونَ بهم في السُّجُونِ، وَيَعِيثُونَ فَسَادًا في أَرضِهِم وَيَستَضعِفُونَ نِساءَهُم.

وَلِسَائِلٍ أَن يَتَسَاءَلَ:

وَمَنِ النُّصَيرِيَّةُ؟!

وَمَا مُعــــــــــــتَقَدُهُم؟

ـ فَيُقَالُ:إِنَّهَا فِرقَةٍ بَاطِنِيَّةٌ خَبِيثَةٌ، ظَهَرَت في القَرنِ الثَّالِثِ عَلى يَدِ رَجُلٍ يُدعَى مُحَمَّدَ بنَ نُصَيرٍ البَصرِيِّ النُّمَيرِيِّ، ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَأَلَّهَ عَلَيَّ بنَ أَبي طَالِبٍ- رضي الله عنه- وَغلا في الأَئِمَّةِ فَنَسَبَهُم إِلى مَقَامِ الأُلُوهِيَّةِ.

ـ وَالنُصَيرِيَّةُ أَيُّهَا المُسلِمُونَ يَقُولُونَ بِأَنَّ ظُهُورَعَلَيٍّ - رضي الله عنه - الرُّوحَانيَّ بِالجَسَدِ الجِسمَانيِّ الفَاني، كَظُهُورِ جِبرِيلَ في صُورَةِ بَعضِ الأَشخَاصِ، وَأَنَّ ظُهُورَهُ في صُورَةِ النَّاسُوتِ لم يَكُنْ إِلاَّ إِينَاسًا لِخَلقِهِ وَعَبِيدِهِ، وَلِذَلِكَ فَهُم يُحِبُّونَ عَبدَالرَّحمَنِ بنَ مُلجِمٍ قَاتِلَ الإِمَامِ عَلَيٍّ وَيَتَرَضَّونَ عَنهُ لِزَعمِهِم أَنَّهُ خَلَّصَ اللاَّهُوتَ مِنَ النَّاسُوتِ، وَيَعتَقِدُ بَعضُهُم أَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنه - يَسكُنُ السَّحَابَ بَعدَ تَخَلُّصِهِ مِنَ الجَسَدِ الَّذِي كَانَ يُقَيِّدُهُ، وَإِذَا مَرَّ بِهِمُ السَّحَابُ قَالُوا:السَّلامُ عَلَيكَ يَا أَبَا الحَسَنِ، وَيَقُولُونَ:إِنَّ الرَّعدَ صَوتُهُ وَالبَرقَ سَوطُهُ، وَيَعتَقِدُونَ أَنَّ عَلِيًّا خَلَقَ مُحَمَّدًا- صلى الله عليه وسلم- وَأَنَّ مُحَمَّدًا خَلَقَ سَلمَانَ الفَارِسِيَّ- رضي الله عنه - وَأَنَّ سَلمَانَ قَد خَلَقَ الأَيتَامَ الخَمسَةَ الَّذِينَ هُم:المِقدَادُ بنُ الأَسوَدِ، وَيَعُدُّونَه رَبَّ النَّاسِ وَخَالِقَهُم وَالمُوَكَّلَ بِالرُّعُودِ، وَأَبُو ذَرٍّ الغِفَارِيُّ، وَهُوَالمُوَكَّلُ عِندَهُم بِدَوَرَانِ الكَواكِبِ وَالنُّجُومِ، وَعَبدُاللهِ بنُ رَوَاحَةَ، وَهُوَ المُوَكَّلُ في زَعمِهِم بِالرِّيَاحِ وَقَبضِ أَروَاحِ البَشَرِ، وَعُثمَانُ بنُ مَظعُونٍ، وَهُوَ المُوَكَّلُ في خُزَعبِلاتِهِم بِالمَعِدَةِ وَحَرَارَةِ الجَسَدِ وَأَمرَاضِ الإِنسَانِ، وَقَنبَرُ بنُ كَادَانَ، وَهُوَ المُوَكَّلُ في كَذِبِهِم بِنَفخِ الأَروَاحِ في الأَجسَامِ.


ـ وَالنُّصَيرِيَّةُ يُبغِضُونَ الصَّحَابَةَ بُغضًا شَدِيدًا، وَيَلعَنُونَ أَبَا بَكرٍ وَعُمَرَوَعُثمَانَ- رضي الله عنهم-، وَيُحَرِّمُونَ زِيَارَةَ قَبرِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأَنَّ في جِوَارِهِ أَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ- رضي الله عنهما-، وَيَزعُمُونَ أَنَّ لِلعَقِيدَةِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَأَنَّهُم وَحدَهُم العَالِمُونَ بِبَوَاطِنِ الأَسرَارِ، وَلَهُم أَعيَادٌ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلى مُجمَلِ عَقِيدَتِهِم، الَّتي هِيَ خَلِيطٌ مِن عَقَائِدِ الفُرسِ المَجُوسِ وَالنَّصَارَى وَالوَثَنِيَّةِ القَدِيمَةِ، وَقَد تَأَثَّرُوا بِالأَفلاطُونِيَّةِ الحَدِيثَةِ وَنَقَلُواعَنِ الهِندُوسِيَّةِ البُوذِيَّةِ فِكرَةَ التَّنَاسُخِ وَالحُلُولِ، وَلِهَؤُلاءِ الفَجَرَةِ لَيلَةٌ يَختَلِطُ فِيهَا الحَابِلُ بِالنَّابِلِ، وَهُم يُعَظِّمُونَ الخَمرَ وَيَحتَسُونَهَا، وَلا يَتَمَسَّكُونَ بِطَهَارَةٍ وَلا يَتَرَفَّعُونَ عَن جَنَابَةٍ، وَيُصَلُّونَ صَلاةً تَختَلِفُ في عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَلا تَشتَمِلُ عَلَى سُجُودٍ وَإِنْ كَانَ فِيهَا نَوعٌ مِن رُكُوعٍ أَحيَانًا، وَلا يُصَلُّونَ الجُمُعَةَ وَلَيسَ لَهُم مَسَاجِدُ عَامَّةٌ، بَل يُصَلُّونَ في بُيُوتِهِم صَلاةً مَصحُوبَةً بِتِلاوَةِ الخُرَافَاتِ، وَلا يَعتَرِفُونَ بِالزَّكَاةِ الشَّرعِيَّةِ، وَإِنَّمَا يَدفَعُونَ ضَرِيبَةً إِلى مَشَايِخِهِم زَاعِمِينَ بِأَنَّ مِقدَارَهَا خُمسُ مَا يَملِكُونَ، وَالصِّيَامُ لَدَيهِم هُوَ الامتِنَاعُ عَن مُعَاشَرَةِ النِّسَاءِ طِيلَةَ شَهرِ رَمَضَانَ، وَلا يَعتَرِفُونَ بِالحَجِّ، بَلْ يَعُدُّونَهُ كُفرًا وَعِبَادَةَ أَصنَامٍ.


ـ وَقَد سُئِلَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ عَنِ ‏الدُّرزِيَّةِ وَ‏النُّصَيرِيَّةِ‏‏:مَاحُكمُهُم‏؟ ‏فَأَجَابَ‏- رحمه الله- : ‏ هَؤُلاءِ ‏‏الدُّرزِيَّةُ‏ وَ‏النُصَيرِيَّةُ‏ كُفَّارٌ بِاتِّفَاقِ المُسلِمِينَ، لا يَحِلُّ أَكلُ ذَبَائِحِهِم وَلا نِكَاحُ نِسَائِهِم، بَلْ وَلا يُقَرُّونَ بِالجِزيَةِ؛ فَإِنَّهُم مُرتَدُّونَ عَن دِينِ الإِسلامِ، لَيسُوا مُسلِمِينَ وَلا يَهُودًا وَلا نَصَارَى، لا يُقِرُّونَ بِوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الخَمسِ، وَلا وُجُوبِ صَومِ رَمَضَانَ، وَلا وُجُوبِ الحَجِّ، وَلا تَحرِيمِ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنَ المَيتَةِ وَالخَمرِ وَغَيرِهِمَا،وَإِن أَظهَرُوا الشَّهَادَتَينِ مَعَ هَذِهِ العَقَائِدِ، فَهُم كُفَّارٌ بِاتِّفَاقِ المُسلِمِينَ.

ـ وَقَالَ- رحمه الله-:هَؤُلاءِ القَومُ المُسَمَّونَ بِالنُصَيرِيَّةِ هُم وَسَائِرُ أَصنَافِ القَرَامِطَةِ البَاطِنِيَّةِ أَكفَرُ مِن اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، بَل وَأَكفَرُ مِن كَثِيرٍ مِنَ المُشرِكِينَ، وَضَرَرُهُم عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم - أَعظَمُ مِن ضَرَرِ الكُفَّارِ المُحَارِبِينَ، مِثلِ كُفَّارِ التَّتَارِ وَالفِرِنجِ وَغَيرِهِم، فَإِنَّ هَؤُلاءِ يَتَظَاهَرُونَ عِندَ جُهَّالِ المُسلِمِينَ بِالتَّشَيُّعِ وَمُوَالاةِ أَهلِ البَيتِ، وَهُم في الحَقِيقَةِ لا يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِرَسُولِهِ وَلا بِكِتَابِهِ، وَلا بِأَمرٍ وَلا نَهيٍ، وَلا ثَوَابٍ وَلا عِقَابٍ، وَلا جَنَّةٍ وَلا نَارٍ، وَلا بِأَحَدٍ مِنَ المُرسَلِينَ قَبلَ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- وَلا بِمِلَّةٍ مِنَ المِلَلِ السَّالِفَةِ، بَل يَأخُذُونَ كَلامَ اللهِ وَرَسُولِهِ المَعرُوفَ عِندَ عُلَمَاءِ المُسلِمِينَ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى أُمُورٍ يَفتَرُونَهَا، يَدَّعُونَ أَنَّهَا عِلمُ البَاطِنِ..." اِنتَهَى كَلامُهُ - رحمه الله -.


وَهُوَ الكَلامُ الفَصلُ الجَزلُ، الَّذِي حُصِرَت بِهِ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الخَبِيثَةُ في مَكَانٍ ضَيِّقٍ في بِلادِ الشَّامِ عِدَّةَ قُرُونٍ، لا يُمَكَّنُونَ مِنَ الوَظَائِفِ وَلا مِنَ التَّعلِيمِ، حَتَّى احتَلَّت فَرَنسَا بِلادَ الشَّامِ، فَأَخرَجَتهُم وَأَبرَزَتهُم ولَمَّعَتهُم، وَلَقَّبَتهُم بِالعَلَوِيِّينَ وَمَكَّنَتهُم مِنَ المَنَاصِبِ المُهِمَّةِ في الدَّولَةِ... هَذِهِ هِيَ النُصَيرِيَّةُ الكَافِرَةُ المُرتَدَّةُ، الَّتي سُلِّطَت عَلَى أَهلِ الشَّامِ لَمَّا زَاغُواعَنِ الحَقِّ وَاتَّبَعُوا نَاعِقَ القَومِيَّةِ، وَأَرخُوا السَّمعَ لَنَابِحِ الوَطَنِيَّةِ، وَطَأطَؤُوا الرُّؤُوسَ لِكُفرِ البَعثِيَّةِ وَسَفَاهَةِ الاشتِرَاكِيَّةِ، وَتَرَكُوا المَنهَجَ القَوِيمَ وَحَادُوا عَنِ الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ، وَلَن تَرجِعَ لَهُم عِزَّتُهُم وَلَن يَنَالُوا الفَضلَ الَّذِي جَاءَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِم إِلاَّ بِالرُّجُوعِ إِلى دِينِهِمُ الحَقِّ وَتَمَسُّكِهِم بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَنَسأَلُ اللهَ أَن يُهَيِّئَ لَهُم مِن أَمرِهِم رَشَدًا، وَأَن يَحقِنَ دِمَاءَهُم وَيَحفَظَ رِجَالَهُم وَنِسَاءَهُم.
 

المصدر: عبد الله البصري - موقع المختار الإسلامي
  • 2
  • 1
  • 9,732

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً