مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم

منذ 2018-11-17

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا

{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} :

في وصف بديع للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعه يبرز لنا المولى سبحانه صفة البراء من المشركين وبغض الكفر والشرك وأهله والاستعلان بذلك والاستعلاء بالإيمان , ثم تليها صفة الرحمة بالمؤمنين ومحبة الخير لهم وتبادل المودة والأخوة .

ومن علاماتهم علامات ظاهرة وأولها هذا النور الذي يظهر على وجه المؤمن من أثر سجوده , وهذه صفة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه في التوراة , وأما صفتهم في الإنجيل فزرع يتكاثر وينبت ويشتد نبات صغاره حتى يشتد عود الكبير والصغير قيؤازر بعضه بعضاً ويتعاون الجميع على البر والتقوى ونشر دين الله والعمل من أجله في لوحة إيمانية متكاملة من الجد والعمل والأخلاق والتراحم وسلامة المعتقد تعجب كل من يراها , وهكذا كانت الصورة وهكذا سادت الأمة كل العالم حتى تنحت عنها عقيدتها وشريعتها فتوارت وتراجعت لما تخلت عن ميزتها الكبرى والوحيدة وهي منهج السماء.

أهل الإيمان والتراحم والعمل الصالح هم الموعودون بالمغفرة والأجر العظيم.

قال تعالى : { {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } } [الفتح 29]

قال السعدي في تفسيره:

يخبر تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المهاجرين والأنصار، أنهم بأكمل الصفات، وأجل الأحوال، وأنهم { {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ } } أي: جادون ومجتهدون في عداوتهم، وساعون في ذلك بغاية جهدهم، فلم يروا منهم إلا الغلظة والشدة، فلذلك ذل أعداؤهم لهم، وانكسروا، وقهرهم المسلمون، { {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } } أي: متحابون متراحمون متعاطفون، كالجسد الواحد، يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، هذه معاملتهم مع الخلق، وأما معاملتهم مع الخالق فإنك { {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا } } أي: وصفهم كثرة الصلاة، التي أجل أركانها الركوع والسجود.

{ {يَبْتَغُونَ} } بتلك العبادة { {فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا } } أي: هذا مقصودهم بلوغ رضا ربهم، والوصول إلى ثوابه.

{ {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} } أي: قد أثرت العبادة -من كثرتها وحسنها- في وجوههم، حتى استنارت، لما استنارت بالصلاة بواطنهم، استنارت بالجلال ظواهرهم.

{ {ذَلِكَ} } المذكور { {مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} } أي: هذا وصفهم الذي وصفهم الله به، مذكور بالتوراة هكذا.

وأما مثلهم في الإنجيل، فإنهم موصوفون بوصف آخر، وأنهم في كمالهم وتعاونهم { {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ} } أي: أخرج فراخه، فوازرته فراخه في الشباب والاستواء.

{ {فَاسْتَغْلَظَ} } ذلك الزرع أي: قوي وغلظ { {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} } جمع ساق، { {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} } من كماله واستوائه، وحسنه واعتداله، كذلك الصحابة رضي الله عنهم، هم كالزرع في نفعهم للخلق واحتياج الناس إليهم، فقوة إيمانهم وأعمالهم بمنزلة قوة عروق الزرع وسوقه، وكون الصغير والمتأخر إسلامه، قد لحق الكبير السابق ووازره وعاونه على ما هو عليه، من إقامة دين الله والدعوة إليه، كالزرع الذي أخرج شطأه، فآزره فاستغلظ، ولهذا قال: { { لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ } } حين يرون اجتماعهم وشدتهم على دينهم، وحين يتصادمون هم وهم في معارك النزال، ومعامع القتال.

{ {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} } فالصحابة رضي الله عنهم، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، قد جمع الله لهم بين المغفرة، التي من لوازمها وقاية شرور الدنيا والآخرة، والأجر العظيم في الدنيا والآخرة.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 32
  • 5
  • 184,256
المقال السابق
لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق
المقال التالي
يا أبها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً