الإسلاميون والمحك الصعب
لقد اتضح بشكل قاطع أن العلمانيين لا يريدون أي وجود للإسلاميين في تركيبة الحكم القادمة مهما كانت التنازلات المقدمة، وعدم التنبه لهذه القضية سيؤدي لطمس ملامح التيار الإسلامي وتسلط العلمانيين واكتسابهم أرض ليست لهم فهم منبوذون في الشارع...
مؤتمر حول التيار الإسلامي
عاش الإسلاميون تحت ضغوط شديدة في عدد كبير من الدول العربية وكان
همهم إيصال دعوتهم للناس بأي طريقة حتى لو لم تكن هي الأمثل، وفي ظل
هذه الأوضاع الاستثنائية تعددت الأطروحات التي وضعتها التيارات
الإسلامية المختلفة للتعامل مع الواقع وكان من بين هذه الأطروحات
التعاون مع بعض الاتجاهات العلمانية والتنازل عن بعض الالتزامات
الشرعية بحجة الضرورة، كما تعددت الاجتهادات بشأن تحديد الأولويات وما
هو الأنسب لكل مرحلة, ومع الزلزال الذي هز الوطن العربي وسقوط بعض
الأنظمة وقرب انهيار البعض الآخر بدأت الحركات الإسلامية تعيد صياغة
أفكارها وتحالفاتها والنظر فيما ينبغي التركيز عليه في هذه الفترة
الحرجة من عمر الأمة العربية والتي تتشكل فيها ملامح الحكم لسنوات
طويلة قادمة، إلا أن المدقق يرى حالة من التخبط في تحرك بعض الاتجاهات
كما يرى البعض الآخر وقد سقط ضحية العمل وفق ردود الأفعال وانتظار
المبادرات من الآخرين ليرد عليها دون أن يبلور فكره الخاص للتعايش مع
المرحلة الجديدة.
الأعجب أن هناك اتجاهات ما زالت تقع أسيرة للماضي وما زالت تركز
عملها على انتقاد التيارات الإسلامية الأخرى دون النظر لأهمية التعاون
والتعاضد واليقظة لمخططات التيارات العلمانية التي بدأت في شحذ
أسلحتها وتجنيب خلافاتها للوقوف أمام وصول الإسلاميين للحكم أو حتى
التأثير فيه, فهل يعقل أن يتوافق اليمين واليسار على ما بينهما من
خلافات جذرية ويفشل في ذلك الإسلاميون الذين يرفعون نفس الراية
ويعتمدون نفس المرجعية؟ العجيب أيضًا أن البعض حمدًا لله على زوال
الأنظمة المستبدة واكتفى بزيادة نشاطه الدعوي المعتاد دون النظر في
المستقبل وما يمكن أن يسفر عنه من وصول أنظمة أكثر شراسة ضد
الإسلاميين، الاتجاهات السلفية على سبيل المثال لا زالت لم تحسم
خيارها بشأن شكل المشاركة السياسية وأهدافها وكيفية الاستفادة منها,
كما أنها لم تتمكن حتى الآن من توحيد صفوفها بحيث تستطيع التأثير
السياسي على نتائج المرحلة القادمة وتكون طرفًا قويًّا في المعادلة,
في نفس الوقت وجودها في الشارع بعيدًا عن المساجد التي تعتبر مراكز
عملها, ما زال ضعيفًا ولا يمكن لتيار سياسي أن يخوض غمار العمل دون
التحام بالجماهير على تنوعها وتقديم خدمات محسوسة لها وهذا لن يتأتى
إلا من خلال أنشطة اجتماعية قوية والتركيز على المشاكل اليومية
للمواطن ومساعدته في حلها، ولعل تجربة حزب العدالة في تركيا تبين مدى
أهمية هذا النوع من العمل في الانتشار الشعبي وتأثيره في القناعة
السياسية للجماهير والتي تكفل مشاركة في معادلة الحكم حتى لا يتم
البطش بهم عند أول استقرار تشهده البلاد تحت سلطة جديدة كما حدث
سابقًا مرارًا.
على الجهة الأخرى نجد أن جماعة الإخوان تتفاعل جيدًا على نطاق
الالتحام الجماهيري كما هو ديدينها، كما أنها منظمة بشكل جيد مما يكفل
لها نجاح سياسي سوف تستحقه ولكن لا زالت تتخبط في قضية الثوابت
والمتغيرات في تعاملها مع قضايا منهجية حيوية مثل قضية حكم الأقباط
والمرأة والتحالف مع العلمانيين وكيفية ضبط ذلك بميزان الشارع حتى لا
تحدث تنازلات شرعية قد تكون مبررة - من وجهة نظرهم - تحت ضغط سابق أما
الآن فعندهم حرية كبيرة في التحرك والتحالف مع الاتجاهات الإسلامية
الأخرى والتخلي عن النظرة الاستعلائية التي منعت من توحيد صفوف
الإسلاميين في كثير من القضايا الحيوية.
لقد اتضح بشكل قاطع أن العلمانيين لا يريدون أي وجود للإسلاميين في
تركيبة الحكم القادمة مهما كانت التنازلات المقدمة، وعدم التنبه لهذه
القضية سيؤدي لطمس ملامح التيار الإسلامي وتسلط العلمانيين واكتسابهم
أرض ليست لهم فهم منبوذون في الشارع ويعوضون ذلك بالإعلام الذي ينفق
عليه رجال أعمال أقباط ومنتفعون يلعبون لحساب مصالحهم.
إن التحالف مع العلمانيين يحتاج إلى تريث ودراسة شرعية وواقعية فهم
اليوم يشعرون بالضعف ويبدون بعض المرونة ولكن لو تمكنوا من الضحية
فسيرجعون لعهدهم وسيتحالفون مع أي حاكم مستبد لإبعاد الإسلاميين
تمامًا.
17/7/1432 هـ
- التصنيف: