مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ * أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ * أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ * أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ
{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} :
هل عند المعاندين المستكبرين عن أوامر الله المشوهين لدينه وأوليائه من خزائن رحمة الله من شيء فيحق لهم المنع والعطاء والأمر والنهي؟؟؟ بل هم والله فقراء محاويج لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً فضلا عن غيرهم.
هل لهؤلاء سلطان على السماء فاستمعوا لأوامر الله وعلموا المحفوظ من الغيب فكذبوا الرسالة والرسول وابتغوا غير منهج الله وصراطه ؟؟؟ فأين دليلهم وما هو سلطانهم؟؟
هم عباد فقراء وهو وحده الغني , وحده من يهب الذرية التي يتكبر بها بعض الخلق وهو من يهب الرزق والكل محتاج إليه مثقل بالحاجة والطلب, لا يملك أحدهم أن يرفع يداً إلا بأمر الله فأي كيد لله وأوليائه يملكون, هم فقط مغرورون بمهلة الله للعصاة والطغاة , غافلون عن أخذ الله الشديد بعد انتهاء المهلة.
سبحان الله وتعالى وتقدس وتنزه عن كل معبود سواه سواء كان هذا المعبود ذاتاً أو هوى أو وثناً أو مالاً أو جاهاً أو منصباً أو جمالاً أو زينة أو عقلاً , لا إله إلا الله ولا معبود سواه ولا نعبد إلا هو سبحانه.
قال تعالى:
{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ * أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ * أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ * أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الطور 37-43]
قال السعدي في تفسيره:
{ {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ } } أي: أعند هؤلاء المكذبين خزائن رحمة ربك، فيعطون من يشاءون ويمنعون من يريدون؟ أي: فلذلك حجروا على الله أن يعطي النبوة عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، وكأنهم الوكلاء المفوضون على خزائن رحمة الله، وهم أحقر وأذل من ذلك، فليس في أيديهم لأنفسهم نفع ولا ضر، ولا موت ولا حياة ولا نشور.
{ { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} }
{ {أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ } } أي: المتسلطون على خلق الله وملكه، بالقهر والغلبة؟
ليس الأمر كذلك، بل هم العاجزون الفقراء
{ {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} } أي: ألهم اطلاع على الغيب، واستماع له بين الملأ الأعلى، فيخبرون عن أمور لا يعلمها غيرهم؟
{ {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ} } المدعي لذلك { {بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} } وأنى له ذلك؟
والله تعالى عالم الغيب والشهادة، فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول يخبره بما أراد من علمه.
وإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل وأعلمهم وإمامهم، وهو المخبر بما أخبر به، من توحيد الله، ووعده، ووعيده، وغير ذلك من أخباره الصادقة، والمكذبون هم أهل الجهل والضلال والغي والعناد، فأي المخبرين أحق بقبول خبره؟ خصوصا والرسول صلى الله عليه وسلم قد أقام من الأدلة والبراهين على ما أخبر به، ما يوجب أن يكون خبره عين اليقين وأكمل الصدق، وهم لم يقيموا على ما ادعوه شبهة، فضلا عن إقامة حجة.
وقوله: { {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ} } كما زعمتم { {وَلَكُمُ الْبَنُونَ} } فتجمعون بين المحذورين؟ جعلكم له الولد، واختياركم له أنقص الصنفين؟ فهل بعد هذا التنقص لرب العالمين غاية أو دونه نهاية؟
{ {أَمْ تَسْأَلُهُمْ} } يا أيها الرسول { { أَجْرًا } } على تبليغ الرسالة، { {فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} } ليس الأمر كذلك، بل أنت الحريص على تعليمهم، تبرعا من غير شيء، بل تبذل لهم الأموال الجزيلة، على قبول رسالتك، والاستجابة لأمركو دعوتك، وتعطي المؤلفة قلوبهم ليتمكن العلم والإيمان من قلوبهم.
{ {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} } ما كانوا يعلمونه من الغيوب، فيكونون قد اطلعوا على ما لم يطلع عليه رسول الله، فعارضوه وعاندوه بما عندهم من علم الغيب؟ وقد علم أنهم الأمة الأمية، الجهال الضالون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي عنده من العلم أعظم من غيره، وأنبأه الله من علم الغيب على ما لم يطلع عليه أحدا من الخلق، وهذا كله إلزام لهم بالطرق العقلية والنقلية على فساد قولهم، وتصوير بطلانه بأحسن الطرق وأوضحها وأسلمها من الاعتراض.
وقوله: { {أَمْ يُرِيدُونَ} } بقدحهم فيك وفيما جئتهم به { {كَيْدًا } } يبطلون به دينك، ويفسدون به أمرك؟
{ {فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} } أي: كيدهم في نحورهم، ومضرته عائدة إليهم، وقد فعل الله ذلك -ولله الحمد- فلم يبق الكفار من مقدورهم من المكر شيئا إلا فعلوه، فنصر الله نبيه ودينه عليهم وخذلهم وانتصر منهم.
{ {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ} } أي: ألهم إله يدعى ويرجى نفعه، ويخاف من ضره، غير الله تعالى؟ { { سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } } فليس له شريك في الملك، ولا شريك في الوحدانية والعبادة، وهذا هو المقصود من الكلام الذي سيق لأجله، وهو بطلان عبادة ما سوى الله وبيان فسادها بتلك الأدلة القاطعة، وأن ما عليه المشركون هو الباطل، وأن الذي ينبغي أن يعبد ويصلى له ويسجد ويخلص له دعاء العبادة ودعاء المسألة، هو الله المألوه المعبود، كامل الأسماء والصفات، كثير النعوت الحسنة، والأفعال الجميلة، ذو الجلال والإكرام، والعز الذي لا يرام، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الكبير الحميد المجيد.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: