مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - علمه شديد القوى
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى
{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} :
وصفه ربه بالشدة والقوة والأمانة لذا كان أمين الوحي عليه السلام والمعلم المباشر لخير رسل الله محمد بن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه.
وهو من الأرواح العلوية بأفق السماء الأعلى الذي لا تصله جان ولا شياطين , أوكل الله تعالى له مهمة حفظ الوحي وتعليم محمد صلى الله عليه وسلم فكان خير أمين وكان محمد صلى الله عليه وسلم خير متعلم.
اقترب جبريل بعدما تدلى من علوه من محمد صلى الله عليه وسلم حتى صار قاب قوسين أو أدنى وبدأ وحي الله تعالى ينزل على عبده المختار صلى الله عليه وسلم ويؤكد الرسالة ويعضد الرسول صلى الله عليه وسلم ويثبت الله تعالى فؤاد عبده وحبيبه.
قال تعالى:
{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى } [النجم 5-12]
قال السعدي في تفسيره:
ثم ذكر المعلم للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو جبريل عليه السلام، أفضل الملائكة الكرام وأقواهم وأكملهم، فقال: { {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } } أي: نزل بالوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام، { { شديد القوى} } أي: شديد القوة الظاهرة والباطنة، قوي على تنفيذ ما أمره الله بتنفيذه، قوي على إيصال الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنعه من اختلاس الشياطين له، أو إدخالهم فيه ما ليس منه، وهذا من حفظ الله لوحيه، أن أرسله مع هذا الرسول القوي الأمين.
{ { ذُو مِرَّةٍ} } أي: قوة، وخلق حسن، وجمال ظاهر وباطن.
{ {فَاسْتَوَى} } جبريل عليه السلام { {وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} } أي: أفق السماء الذي هو أعلى من الأرض، فهو من الأرواح العلوية، التي لا تنالها الشياطين ولا يتمكنون من الوصول إليها.
{ {ثُمَّ دَنَا} } جبريل من النبي صلى الله عليه وسلم، لإيصال الوحي إليه. { {فَتَدَلَّى} } عليه من الأفق الأعلى { {فَكَانَ} } في قربه منه { {قَابَ قَوْسَيْنِ} } أي: قدر قوسين، والقوس معروف، { {أَوْ أَدْنَى} } أي: أقرب من القوسين، وهذا يدل على كمال المباشرة للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وأنه لا واسطة بينه وبين جبريل عليه السلام.
{ {فَأَوْحَى } } الله بواسطة جبريل عليه السلام { {إِلَى عَبْدِهِ} } محمد صلى الله عليه وسلم { { مَا أَوْحَى} } أي: الذي أوحاه إليه من الشرع العظيم، والنبأ المستقيم.
{ {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } } أي: اتفق فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم ورؤيته على الوحي الذي أوحاه الله إليه، وتواطأ عليه سمعه وقلبه وبصره، وهذا دليل على كمال الوحي الذي أوحاه الله إليه، وأنه تلقاه منه تلقيا لا شك فيه ولا شبهة ولا ريب، فلم يكذب فؤاده ما رأى بصره، ولم يشك بذلك. ويحتمل أن المراد بذلك ما رأى صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، من آيات الله العظيمة، وأنه تيقنه حقا بقلبه ورؤيته، هذا هو الصحيح في تأويل الآية الكريمة، وقيل: إن المراد بذلك رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء، وتكليمه إياه، وهذا اختيار كثير من العلماء رحمهم الله، فأثبتوا بهذا رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا، ولكن الصحيح القول الأول، وأن المراد به جبريل عليه السلام، كما يدل عليه السياق، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته الأصلية التي هو عليها مرتين، مرة في الأفق الأعلى، تحت السماء الدنيا كما تقدم، والمرة الثانية فوق السماء السابعة ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم،
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: