انتشار العلمانية في ديار المسلمين :المقال الثالث
فضلا عن الضغط الذي تتعرض له الحكومات الإسلامية لإفساح المجال واسعا أمام طلائع العلمانيين، بل وتشغيلهم بحكم ما يحملون من شهادات أوربية – يجب أن تكون محل الاهتمام والتقدير
ولا يزال اليهود أداة تخذيل وإغواء لكل الأمم – وخصوصا الأمة الإسلامية – التي تمثل عدوهم اللدود الأبدي، ذلك العدو الذي تآمروا عليه منذ بزوغ فجره إلى اليوم، ولكن {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: 64]، وما تمجيدهم للعلمانية ولأقطابها وذمهم للإسلام ولتعاليمه إلا جزءا من عداوتهم له، وجزءا من مخططاتهم للقضاء عليه. ولن يتم الله لهم ذلك إن شاء الله إلى الأبد {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف:8].
ومن الأسباب لانتشار العلمانية أيضا هذه البعثات لأبناء المسلمين التي تُرسل إلى الغرب للدراسة – إلا من رحم الله منهم – ذلك أن الطالب يذهب باعتباره تلميذا مستفيدا لا مناظرا مدافعا، فيشبع من هناك بما قد أعد له وفق مخطط محكم، وحينما يتم دراسته ويرجع إلى بلده الإسلامي لاشك أنه يرجع بغير الفكر الذي ذهب به، إذ لابد وأن يتأثر ولو باتجاه واحد على الأقل أو شبهة لا يستطيع دفعها عن نفسه مهما حاول التماسك والتوفيق بيد الله تعالى.
بل إن كثيرا من الذين ذهبوا للدراسة في الدول الكافرة العلمانية يرجعون بقلوب غير التي ذهبوا بها معهم فيتمنون لو أن مجتمعهم الإسلامي يتحول في لحظة إلى صورة طبق الأصل عن تلك المجتمعات الكافرة التي ألفوها وأُشربوا حبها، وقد صرَّح كثير منهم بإعجابه بالحضارة الأوربية، واعتقدوا أن لا مخرج للمسلمين إلى السعادة وامتلاك القوة إلا بتقليد الغرب في كل صغيرة وكبيرة، كالطهطاوي وأحمد خان، وعلي عبد الرزاق، وطه حسين.
فرجع كثير من طلاب العلم من المسلمين الذي ذهبوا إلى الدول الأوربية للدراسة وهم متضلعون من تعاليم العلمانية ومقتنعون بها، وإذا رجع الفكر إلى تاريخ المسلمين الأوائل فإن صاحبه يشعر بالحزن والأسى، لأن ماضي المسلمين كان هو النور المشرق، وكان العلم وأهله وكتبه كلها عند المسلمين وفي جامعاتهم، في الوقت الذي كانت فيه أوربا في حمئة الجهل، فانقلب الحال رأسا على عقب حينما زهد كثير من المسلمين عن تعاليم دينهم ورغبوا في الحضارة الغربية وزخرفها، فأصبح بعض المسلمين ينظر إلى العلوم الغربية بنفس الإكبار الذي كان ينظر به الغرب إلى العلوم الإسلامية.
ومن الأسباب أيضا استغلال العلمانيون قيام النعرات الجاهلية من قومية ووطنية ودعوى نبذ التخلف، وما إلى ذلك، وقد استجاب لهم الكثير، البعض بحسن نية، والأكثرون بخبث نية وتخطيط بارع للكيد للإسلام والمسلمين.
وما إن سرت نخوة الجاهلية في عروق القوميين والوطنيين والتقدميين إلا وسرى معها التعالي والرجوع إلى الأمجاد الجاهلية المزعومة التي كانت العلمانية تصفق لها وتصف أهلها بشتى نعوت المدائح والعبقريات الفذة.
كما أن أولئك الثائرون قد أتوا على الأخضر واليابس ورأوا أن بناء مجدهم يتطلب إقصاء تعاليم الدين والسير خلف ركب الحضارة الأوربية الذي تولد من قيام العلمانية الجديدة والسير في طرقاتها حذو القذة بالقذة.
ومنها الترابط بين العلمانيين في الغرب وأتباعهم في ديار المسلمين، ومساندة بعضهم بعضا وإمدادهم بأسباب القوة التي تمكنهم من اعتلاء المناصب في بلدانهم بعد أن باعوا ضمائرهم وأصبحوا عملاء لهم، فضلا عن الضغط الذي تتعرض له الحكومات الإسلامية لإفساح المجال واسعا أمام طلائع العلمانيين، بل وتشغيلهم بحكم ما يحملون من شهادات أوربية – يجب أن تكون محل الاهتمام والتقدير لأنها صادرة عن موطن التقدم والرقي كما يصورونها في أذهان عامة المسلمين المنهزمين في أنفسهم.
وقد ظهر ذلك واضحا في معاملة هؤلاء المستغربون، فإن لهم الأولوية في الوظائف وزيادة الرواتب، كما نسمع من أخبارهم.
وإذا أبى إلا التحدث بالإنجليزية فهو نور على نور ودلالة على تقدمه ومعرفته، ولقد نشر هؤلاء مبادئ العلمانية الشريرة بكل وسيلة وكان لهم أكبر الأثر في الدعاية للعلمانية ومبادئها بين عامة المسلمين، وقد ظهر ذلك التأثير في سلوك العالم الإسلامي في المظاهر الآتية في الصفحة التالية
- التصنيف:
- المصدر: