مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أفرأيت الذي تولى . وأعطى قليلاً وأكدى
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى * وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى * أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى * أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى
{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى * وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى}
ما أقبح هذا الذي تولى عن طاعة الله وعصاه ثم هو يدعي لنفسه الأفضلية بسبب إعطاء القليل مما في يده , وعمل القليل من الخير , يرفع به نفسه على الناس ويدعي الرفعة عند الله وهو من أكابر المجرمين, فهل اطلع أصحاب هذه الأفعال التي تكررت مراراً في تاريخ الإنسان القديم والحديث على غيب الله وأنهم الأفضل وأن لهم المكانة الرفيعة عند الله كما رفعوا هم أنفسهم فوق الناس؟؟
أم أنهم جهلوا منهج الأنبياء جميعاً والذي لا رفعة فيه لغير المتقين من عباد الله الصالحين , ولا يعلم التقوى ومحلها إلا الله فلا يرفع أحد نفسه ولا يزكيها ولا تقبل تزكية أحد إلا بوحي الله فهو سبحانه من رفع الرسل والأنبياء فوق الجميع , وهو وحده أعلم بمن اتقى , ولا يستحق أحد من عباده الرفعة إلا بعمله الصالح وتقواه وقربه من مولاه ولا يزكي أحد من العباد غير الله , كما أن أحداً لا يضعه أو ينقص منزلته عند مولاه عمل غيره وإن كان أقرب الأقربين , فكل عبد مؤاخذ بعمله , ولا يرفع ولا يخفض إلا ملك الملوك سبحانه.
قال تعالى:
قال تعالى : {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى * وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى * أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى * أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} . [النجم 33 – 39]
قال السعدي في تفسيره:
يقول تعالى: { { أَفَرَأَيْتَ} } قبح حالة من أمر بعبادة ربه وتوحيده، فتولى عن ذلك وأعرض عنه؟
فإن سمحت نفسه ببعض الشيء، القليل، فإنه لا يستمر عليه، بل يبخل ويكدى ويمنع.
فإن المعروف ليس سجية له وطبيعة بل طبعه التولي عن الطاعة، وعدم الثبوت على فعل المعروف، ومع هذا، فهو يزكي نفسه، وينزلها غير منزلتها التي أنزلها الله بها.
{ {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} } الغيب ويخبر به، أم هو متقول على الله، متجرئ على الجمع بين الإساءة والتزكية كما هو الواقع، لأنه قد علم أنه ليس عنده علم من الغيب، وأنه لو قدر أنه ادعى ذلك فالإخبارات القاطعة عن علم الغيب التي على يد النبي المعصوم، تدل على نقيض قوله، وذلك دليل على بطلانه.
{ { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ } } هذا المدعي { {بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} } أي: قام بجميع ما ابتلاه الله به، وأمره به من الشرائع وأصول الدين وفروعه، وفي تلك الصحف أحكام كثيرة من أهمها ما ذكره الله بقوله: { {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى* وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} } أي: كل عامل له عمله الحسن والسيئ، فليس له من عمل غيره وسعيهم شيء، ولا يتحمل أحد عن أحد ذنبا
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: