جامعة الأم
تبقى الأم كالجامعة في مرافقها، والحديقة في أفنانها، والمياه في ريّها وأندائها...!
• حينما تبزغ منائر السعادة في موضع محدد، أو جهة معينة، أو حديث خاص، فإننا لا نتردد في الوصول إليه، والمسارعة، وبذل الغالي والنفيس من أجله..!
• وبالفعل يجدها كثيرون جهة والديه، و(حق الأم) أمتن وأعظم،( {حملته أمه وهنا على وهن} ) [سورة لقمان] . وهو ما ينتابه على الدوام... يستطعم موائد السعادة في السلام عليها، وفِي سواليفها وحكاويها، وفِي قهوتها وتمراتها...!
• قال بعضهم: ( ليس في العالم وسادة أنعم من حضن الأم ). تفيض نعومة ورحمة، وتشع إحسانا وحنانا...!
• إنه شيء يعجز عنه الوصف..! وكيف إذا طبخت واستطعمت من يديها، فلا تحدّثني عن مطاعم فاخرة، أو مجالس فائقة، أو موائد شهية ...! فالطيب كل الطيب في الأمهاتِ...!
• كل ما ضاق خاطري، أو تغيرت نفسي، ذهبت للحديث معها، وأشاورها أحيانا، واستنشدها الأقارب، ومشكلات الناس، وما صنع آل فلان،،،،! فتفيدك، وتضحكك على طريقة الكبار في لطف التندر، وانسيابية القصص....
• وحين لا تجد جامعة تضمك، ولا مرافق تحتويك، ولا بشر توآنسك، فهلم لجامعة الوالدة، وعش عبقها، واسكن في مرافئها، واهنأ بأندائها...!
• فعلا إنها جنة، تشع طيبا، ومسكا وكافورا وعنبرا، وهي جامعة من حيث جمع أروع الخصال، تثبت وتشجع وتؤازر...!
• تجمع روائع الإحسان، ولذائذ المعروف..، فلا يغب عن خاطرك نفعها كما انتفعت بها، والتأدب معها قولا وفعلا( {فلا تقل لهما أفٍّ } ) [سورة الإسراء] . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ( كن مع الوالدين كالعبد المذنب الذليل للسيد الفظ الغليظ ).
• تغلق كل المجالس، وتسكر المطاعم، وتغيب جوالات الأصدقاء، ويسافر الأحباب، ويبقى بيتها مثوى، ومستقرا لنا ومتاعا إلى حين...!
• هي جامعة من الحب والحنان، والشهامة والمعروف، ولذائذ الطعام.،!
• وعندها يكتب القلم، وينقدح الفكر ، وقد كتبت مقالات عاليات في كنفها وجنبات غرفتها،..! استطعم السعادة، وأعيش جامعة الراحة والمعرفة، وأستذكر طرائف القصص والأخبار ..!
• تذكّرك بصباها، وقديم حياتها، وطرائق الناس التالدة،،،! لا يمل كلامها ...
• هي جنة مزركشة الألوان، وجامعة مشكّلة الأزهار مختلفات.، تختلف لونا وحسنا، وتختلف هدوء وجمالا، وتختلف طعاما ونكهة...،!
• فيا لله ما أسعدَ ، من أبواه حوله، ينتابهما من حين لآخر، ويتعاهدهما برا ومعروفا وإلفاً مؤانسا...! وفِي حديث ( أصحاب الصخرة) ، كان بر الوالدين من أسباب نجاتهم وسعادتهم..!
• ساعة تقضيها معها من أطيب الساعات،،،! وبرغم الزواج والإنجاب تبقى للوالدة لذةٌ ولذات، وسرور وسعادات، وطيب ومُفرحات، وبهجة ومكرمات...!
• تخالطك السعادة، وتكسوك المودة، وتشعر بالاعتزاز الباذج، واللذة الإيمانية والراحة النفسية الكاملة، وصدق الحديث( «فالزمها فإن الجنة تحت رجليها » ) كما عند النسائي، واشتهر ( الجنة تحت أقدام الأمهات )....ولا يصح بهذا اللفظ ويغني عنه السابق...!
• أحادثها وأكتب، وتتكلم وأسمع، وتضحك وأقيد، في حميمية رائعة لا تكاد توجد لنا مع زملائنا، وهذا إن دل ، فإنما يدل على طيبتها وسعة صدرها..
• وسعتنا بصدرها وحنانها، وبيتها وبرها،... نضخُّ فيه كل مشكلة، وننزل بها كل نائبة، فتوجه وتعين، وتساعد وتقضي...!
• بيتها لي مرفأ للسعادة، ومنتدى للتأليف، ومأوى للإجادة، نلقى فيه الكتب والمحاسن والمتاع والطيب النفيس...!
• ليست متعلمة ولكنها مثقفة، وقد حاولت في مدارس محو الأمية، ولكنها لم تستكمل، وقصرنا في تعليمها،،! ولكنها أدمنت (إذاعة القرآن الكريم)، وتفقهت بشكل عجيب حتى إنها لتراجعني في مسائل كثيرة ، وترد وتناقش..! وتعلّمنا منها (إذاعة لندن)، وكانت تلتزمها ايّام أزمة الخليج، فتحلل وتفيد وتستفيد....
• ولا زالت مع كبر السن، تتردد على برامج القرآن، والقنوات الإخبارية وتوافيك بالجديد، وتسوق لك الحوادث والوقائع...!
• ولا تخلو مجالسها من المطعومات الشعبية، والنكهات اللذيذة، التي تستدام مع مرور الأيام، ونطلبها متى شئنا..!
• وإذا أكثرنا زيارتها صاحت مازحة: زوجناكم ولا زلتم حلالين عندنا..! وإذا أبطأنا عنها أسبوعا استنكرت وقالت المثل العامي المشهور :( قلبي على ولدي وقلب ولدي على الحجر )...!
• تعلمت منها هذه الأمثال وأشباهها ولَم أكن أصغي لها كثيرا، ولكنها رسخت عندنا ضرورة الاهتمام بالحياة الاجتماعية والموروثات الشعبية، والشغل المطبخي، وتحدثك بالدعوات والمناسبات أولا بأول ، فهي سجل ثقافي مشحون بالفوائد وقد قال ابراهام لنكولن ( أعظم كتاب قرأته أمي )...
• ولا تكاد تراها عابسة غليظة، بل دائماً مبتسمة منشرحة، تترفع عن مشكلاتها لتسعدنا، وتقدم القهوة الزاكية، والشاي اللذيذ المحكور، والذي تعجب من صناعته....!
• معطاءة لفظا ومعنى، تجود ولا تبخل، وتمنح ولا تطلب، مروءتها فاقت أخلاقنا، وغرقت كل حسناتنا في بحر المروءة والشهامة المملوك لها...!
• كان يكفينا ونحن صغار فتواها في سلامة الخبز المكدس، بلا ثلاجات، فإذا أباحت استطبناه، ونوقظها ليلا لقدح ماء داف، منزوع الصفاء والبرودة...! فتسقينا فإذا هو أطيب كأس وأصفاه....!
• يا رب أعنا على حسن صحبتها ومودتها، كما الحديث النبوي ( أمك ثم أمك ثم أمك، ثم أبوك ) كلمات جسّدت عظم حقها، وموفور فضلها، ولا يُنتسى الأب ودوره ومحاسن ما قدم..!
• ولكن الأم تبقى جوهرة الحياة، ونجمة الصفاء، وأريج المساء، والوطن الأول والأخير، ومركز الراحة النفسية وكما قال بعض الشعراء وأظنه درويش : السلام على أمي، أول الأوطان، وآخر المنافي...!
• والأم وطن الأوطان، وسر الإحسان، وموضع المحبة والاطمئنان...!
• وإذا تضيق مدائنٌ وحدائقٌ/ فاهرعْ لمنهل دوحة التحنانِ
• تلق الجمال مطيّباً ومزخرفاً/في ذلك المخزون والعنوانِ...!
• فيا أيها اللاهثون وراء والديهم،والمترددون على حبهم وأنسهم، زوروهم بهدية وبر، وتحف ومعروف، وبزاد وإحسان، فإن وقعها عليهم لشديد، ويعزز الانتماء لهم، والاحتفاء بكينونتهم الاجتماعية والعاطفية ، والله الموفق....
• ومضة/ تبقى الأم كالجامعة في مرافقها، والحديقة في أفنانها، والمياه في ريّها وأندائها...!
- التصنيف: