دلالات إيمانية فى أعظم رحلة كونية:المقال الأول
المسجدان العظيمان : بدأت رحلة الإسراء من مسجد ، وانتهت إلى مسجد ، بدأت من أول مسجد بنى فى الأرض وهو المسجد الحرام بمكة المكرمة ، وانتهت إلى ثانى مسجد وضع فى الأرض وهوالمسجد الأقصى بالقدس فى فلسطين
{بسم الله الرحمن الرحيم}
كمال عبد المنعم محمد خليل
لا يختلف اثنان على عظمة رحلة الإسراء والمعراج ، التى خص الله تعالى بها نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، حيث رأى ما رأى من آيات الله البينات ، التى قصها علينا بعد عودته من هذه الرحلة ، كى نزداد إيمانا بالله تعالى ، ونستفيد دروسا عملية فى حياتنا لتنفعنا دنيا وأخرى ، فلابد إذن من التوقف طويلا أمام هذه الرحلة ، لا لنسرد أحداثها ، ولا لنغوص فى تفاصيل وجدل عقيم ، إنما لنقوِم بها حياتنا ، ولنثبت بها قلوبنا على الحق ، ولنستجلب الأمل مهما اشتد الألم .
توقيت الرحلة : إن توقيت هذه الرحلة لم يكن مصادفة ولا عبثا إنما هو تقدير الحكيم العليم ، فلم تأت هذه الرحلة فى بداية الدعوة ، ولم تأت فى خاتمتها ، وإنما نستطيع القول إنها جاءت فى منتصف الرسالة المحمدية ، فعلى أرجح أقوال كتاب السيرة النبوية ، كانت رحلة الإسراء والمعراج بعد أحد عشر عاما أو أثنى عشر عاما من بعثة النبى صلى الله عليه وسلم ، لتناسب هذه الفترة وظروفها وأحداثها ، ولتناسب الحالة النفسية التى كان عليها النبى صلى الله عليه وسلم ، فكأن هذه الرحلة جاءت بمثابة البشرى من الله تعالى لنبيه وللمؤمنين أن هذه الدعوة ستبلغ الآفاق وستخرج من نطاق التضييق عليها فى مكة إلى العالم شرقا وغربا ، شمالا وجنوبا ، ولقد عانى النبى صلى الله عليه وسلم ما عانى هو وأصحابه ، وتحملوا العذاب والأذى النفسى والجسدى من أقوامهم ومن الأقربين منهم ، واشتد البلاء بوفاة عمه أبى طالب ، الذى كان ظهيرا له ونصيرا ، يمنع عنه الأذى ويغضب إذا مسه أحد بسوء ، وما تجرأ المشركون عليه بأصناف الإساءات إلا بعد وفاة أبى طالب ، وازدادت المرارة بموت زوجه خديجة ، التى واسته ، ووقفت بجواره تناصره ، فكان المصاب جللا والفاجعة أليمة ، وسط كل هذه الأحداث وتلك الظروف القاسية ، جاءت البشرى بترحيب السماء وأهلها بعروج النبى صلى الله عليه وسلم إليها ، ووصوله إلى سدرة المنتهى ، و أيقن المؤمنون أن النصر مع الصبر ، وأن الله مع الحق ، وأن مع العسر يسرا .
المسجدان العظيمان : بدأت رحلة الإسراء من مسجد ، وانتهت إلى مسجد ، بدأت من أول مسجد بنى فى الأرض وهو المسجد الحرام بمكة المكرمة ، وانتهت إلى ثانى مسجد وضع فى الأرض وهوالمسجد الأقصى بالقدس فى فلسطين ، وفيه دلالة عظيمة إلى أهمية المساجد فى حياة المسلمين ، وقد خص الله تعالى هذين المسجدين ومعهما المسجد النبوى بخصائص لاتوجد فى غيرهم ، فأجر الصلاة فى هذه المساجد الثلاثة يتضاعف عن أجر الصلاة فى غيرهم ، روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ : قال صلى الله عليه وسلم: " «صَلاَةٌ فِى مَسْجِدِى هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلاَةٌ فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ» " , وروى الحاكم وصححه ووافقه الذهبى والطبرانى والهيثمى عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: «تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه ( يعنى المسجد الأقصى ) ، ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مِثْل شطن فرسه (الحبل) من الأرض حيث يَرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعًا» " ، وفى قوله تعالى :" {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } " { الإسراء : 1 } إشارة إلى امتداد الدعوة المحمدية لتشمل بيت المقدس والمسجد الأقصى الذى يدعى اليهود ملكيته ، فلا حق لهم فيه تاريخيا وعقيديا ، مهما أصدروا بشأنه من قرارات ، ومهما ارتكبوا فيه من جرائم ، وفى ذهاب الرسول صلى الله عليه وسلم إليه والصلاة فيه إماما بالأنبياء دلالة على وحدة الهدف الذى من أجله أرسل الله تعالى الأنبياء جميعا ، فبيت المقدس مهبط الرسالات ، وأرض النبوات ، والتاريخ ينبئنا أن العرب اليبوسيين أول من سكنوا القدس قبل ما يقرب من خمسة آلاف عام ، فهل يغير التاريخ قرار ؟ ، أو يزوره جرة قلم ؟؟ .
التصديق المطلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم :كل ما أخبر به النبى صلى الله عليه وسلم لايحتمل الخطأ ، ولا يخضع للتجربة ، لأنه لاينطق عن الهوى ، ولا يقول إلا حقا ، ولقد ضرب الصديق أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ أروع المثل فى تصديقه للنبى صلى الله عليه وسلم ، حين أنكر عليه المشركون إخباره لهم بأنه أسرى به ، فذهبوا سراعا ليخبروا أبا بكر ، وكلهم أمل فى زرع الشك فى قلبه من ناحية صاحبه ، ليتخلى عن نصرته وتأييده ، إلا أن رده جاء قاصمة الظهر لهم حين قال : " إن كان قال ذلك فقد صدق " ، فألقمهم حجرا .
ورغم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم برهن لهم على صدقه فى خبر الإسراء ، بالعير التى مر عليها لبنى فلان بوادى كذا ، فند لهم بعير فدلهم عليه ، وأنها سوف تصل مكة فى يوم كذا ، وبوصفه لبيت المقدس وصفا دقيقا ، إلا أنهم كذبوه واتهموه بالسحر تارة ، وبالجنون تارة أخرى، روى البخارى ومسلم عَنْ جَابِر بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْش، قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَجَلاَ الله لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَاأَنْظُرُإِلَيْهِ» ". وهذه
معجزةاخرى تضاف إلى معجزاته صلى الله عليه وسلم فهذا درس للمشككين فى خبره وفى حديثه أن يكفوا عن هذا العبث ، لأنه لايتكلم إلا بالحق والصدق .
وللمقال بقية
- التصنيف: