الوقائية نهج إسلامي

منذ 2019-02-20

«سلوا الله العفو والعافية، فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية» رواه ابن ماجة(3849)

حميد بن خيبش

جزء من متاعب الحركة الإسلامية مرتبط بتجاهل مبدأ الوقاية، و الاكتفاء بالتصدي للمشكل بعد بروزه وتناميه. بالمقابل، أولى النص القرآني أهمية بالغة للنواحي الوقائية، وحرص الهدي النبوي في مواقف شتى على تدريب الجماعة المسلمة على مبدأ الاستباقية، وأخذ الحيطة و الحذر، والمبادرة الذاتية التي تقلل من أثر الفعل المباغت وحجم الأضرار.

على امتداد سبعة فصول من كتابه (التربية الوقائية في الإسلام) يسلط فتحي يكَن الضوء على مبدأ تربوي وحركي تناولته نصوص الكتاب والسنة، ونبهت إلى خطورته في بناء الفرد و الجماعة. يتعلق الأمر بمبدأ الوقاية، والتحذير المسبق لمواطن التعثر ومكامن الخلل قبل مواجهتها. حيث يجد الناظر في كتاب الله تعالى آيات عديدة تولي الوقاية أهمية كبرى، إن على صعيد البناء الجسدي أو البناء الحركي.

نص القرآن الكريم على الوقاية الإيمانية بأن جعل طمأنينة القلب ثمرة المعرفة بالله، وبلزومها يتحرر العبد من المخاوف، ودواعي القلق والهم. يقول تعالى " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله،ألا بذكر الله تطمئن القلوب" سورة الرعد-28.

وأضفى على الشعائر التعبدية بعدا وقائيا بحيث يثمر أداؤها حماية للنفس من الوقوع في المعاصي و الزلات، فالصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر، و الزكاة تطهر النفوس وتزكيها، و الصوم جُنة، إلى غير ذلك من المقاصد التي تؤكد النهج الوقائي وتَدعمه. بل إن الأحاديث الشريفة أثبتت قيمة العافية كما نستشف ذلك من حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه: " «سلوا الله العفو والعافية، فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية» ." [رواه ابن ماجة(3849)] .

أما في الجانب التشريعي فيبدو المنهج الإسلامي متفردا ومتقدما على سائر المناهج البشرية، بفرضه أحكاما زجرية تطهر المجتمع من الموبقات، وتتدرج في استئصال الآفات دون عسف أو إكراه.

وعلى مستوى البناء الحركي يؤكد المؤلف بأن النهج العلاجي الذي تبنته الحركة الإسلامية أفقدها مناعتها الذاتية والمكتسبة حين دخلت المعترك قبل استكمال مقومات الصمود: " إن الحركة- أية حركة- عندما تتخطى حجمها، ولاتلتزم حدها، وتعلن من الطروحات ما يفوق طاقتهاوقدرتها، تكون قد فقدت المناعة، وسقطت في دوامة الاستنزاف". في حين أن الوقائية كفيلة بالتقليل من نسبة الخلل إلى حدوده الدنيا، وتضمن سلامة البنية على مستوى الفرد و الجماعة.

وضعٌ مفارق آخر يثيره المؤلف، ويتعلق بإخفاق مناهج التربية في الساحة الإسلامية لأسباب تتصل في معظمها بغياب مبدأ الوقاية. فالعملية التربوية يباشرها العاملون في حقل الدعوة عموما وسط بيئة منحرفة تعجل بإجهاضها، كما أن تراكمية الأسلوب، وافتقاده لنظرية تؤطره يؤدي إلى إضعاف آلية تحويل المفاهيم إلى واقع معاش. ثم هناك الحاجة إلى التخلية قبل الترقية لإعادة بناء الشخصية وفق أوليات شرعية.

بالعودة إلى النهج القرآني يتبين أن عملية التكون الوقائي تعتمد بداية على الإيمان بالله، وتقوية جانب العقيدة. يليها الانتقال إلى مرحلة الإيحاء النفسي بتوظيف القصص القرآني. ومن الأمثلة التي يسوقها المؤلف لتأكيد فعالية هذا النهج تلك الخطوات المتدرجة لاستئصال آفة اللواط  من خلال الاستدعاء المتكرر لخبر قوم لوط عليه السلام، ثم النقلة النفسية والزمنية التي حررت الجماعة المسلمة الأولى من معاقرة الخمر إلى إهراقها في الطرقات. وتأتي المعالجة كمرحلة ثالثة لسد أية ذريعة لارتكاب الخطأ مجددا.

وانطلاقا من دراسة حركات إسلامية سابقة، يحدد المؤلف قائمة الثغرات التي أدت إلى انشقاق أو انهيار البناء التنظيمي. وهي في مجملها إفراز طبيعي لتجاهل مبدأ الوقائية.

أولى الثغرات تتمثل في جماهيرية العمل،عن طريق نقل الإسلام من الحالة التنظيمية إلى الحالة الشعبية، مما يؤثر على استكمال البنية التنظيمية وأجهزتها العاملة.

ثانيا يشكل الاهتمام بالكم عبئا على الحركة الإسلامية لارتباطه في الغالب بمتاع الحياة الدنيا، بينما تستدعي الوقائية اهتماما بالنوعية التي تضمن أسباب النجاح.

ثالثا تؤثر العلانية المفرطة، وتبني سياسة العمل في نقطة الضوء إلى كشف وتعرية ساحة العمل الإسلامي.الأمر الذي يعد مخالفة واضحة للنهج النبوي في حثه على التورية والكتمان في مناسبات ومواقف عدة.

أضف إلى ذلك انعدام الوعي السياسي، و العجز عن تحويل الشعار إلى مضمون وعمل يومي، ثم السعي لاختصار الزمن مما يفتح المجال للأخطاء والزلات.

من الشرك إلى البخل وسوء الظن، وصولا إلى الآفات الجنسية وعوامل الفرقة و الاختلاف، تتعدد النماذج القرآنية والتوجيهات النبوية التي تؤكد حيوية النهج الوقائي في التحصين وإكساب المناعة، وأخذ المبادرة لتجنب السقوط في أسر الانحرافات السلوكية، أو الظواهر المرضية. وحري بكل دعوة حية أن تنهج سبيل الوقاية ودرء الأخطار لتحرير العمل الإسلامي من عبء تضميد الجِراح !

حميد بن خيبش

كاتب إسلامي

  • 1
  • 0
  • 3,023

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً