ظلومًا جهولا
كلما زادت وفرة النعمة وكلما زاد احتياجه إليها وقلت قدرته على الصبر على غيابها وكلما زادت شفافيتها وقلت كثافتها وقل ظهورها ... كلما شعر بوجودها الإنسان أقل ونساها أكثر!
إن من أجَلِّ النعم في حياتنا هي الطعام، والماء، والهواء، والفضاء! نعم الفضاء فهوي يحوي كل ما سبق!
وهذا الترتيب الذي سقت به هذه النعم الجليلة هو الترتيب من الأقل وفرة إلى الأكثر وفرة
الطعام --> الماء --> الهواء --> الفضاء!
الطعام ... الأقل وفرة ضمن احتياجات الإنسان المادية؟ ... أقل ما يحتاجه الإنسان من احتياجاته الأساسية وأكثر ما يمكنه الصبر على غيابه؟ أقل احتياجاته الأساسية شفافية وأكثرها كثافة وأكثرها ظهورًا؟
===> يشعر بنعمة وجوده ويخشى من فقدانه معظم الناس!
الماء ... أكثر وفرة من الطعام؟! ... يحتاجه الإنسان أكثر من الطعام ويصبر على غيابه أقل من صبره على غياب الطعام؟! أكثر شفافية وأقل كثافة وأقل ظهورًا من الطعام؟!
===> يشعر بنعمة وجوده ويخشى من فقدانه عدد أقل ممن يشعرون بنعمة الطعام ويخشون من فقدانه!!
الهواء ... أكثر وفرة من الماء؟!! ... يحتاجه الإنسان أكثر من الماء ويصبر على غيابه أقل من صبره على غياب الماء؟!! أكثر شفافية وأقل كثافة وأقل ظهورًا من الماء ؟!!
===> يشعر بنعمة وجوده ويخشى من فقدانه عدد أقل ممن يشعرون بنعمة الماء ويخشون من فقدانه!!!
الفضاء (ما يسع المادة) ... الأكثر وفرة؟!!! ... يحتاجه الإنسان أكثر من كل ما سبق ولا يصبر على غيابه أبدًا؟!!! الأكثر شفافية والأقل كثافة والأقل ظهورًا من كل ما سبق؟!!!
===> يكاد لا يشعر بنعمة وجوده ولا يخشى من فقدانه أحد!!!!
وهكذا ...
وأيضًا
لولا وجود الفضاء لما وُجِد الهواء
لولا وجود الهواء (أكسجينه) لما وُجِد الماء
لولا وجود الماء لما وُجِد الطعام
وهكذا
تأمل ...
كلما قلت وفرة النعمة وكلما قل احتياجه إليها وكبرت قدرته على الصبر على غيابها وكلما قلت شفافيتها وزادت كثافتها وزاد ظهورها ... كلما شعر بوجودها الإنسان أكثر وتذكرها أكثر!
و
كلما زادت وفرة النعمة وكلما زاد احتياجه إليها وقلت قدرته على الصبر على غيابها وكلما زادت شفافيتها وقلت كثافتها وقل ظهورها ... كلما شعر بوجودها الإنسان أقل ونساها أكثر!
أرأيت كيف يقدر الإنسان الأقل أهمية وينسى الأكبر أهمية؟!!
كم أنت ظلوم جهول جحود أيها الإنسان ...
الله تعالى ليس كمثله شئ, وهو واجب الوجود, لا يعتمد وجوده على شئ وكل الأشياء يعتمد وجودها عليه, وهو تعالى مصدر كل نعمة, ولولاه لما وُجد الكون بأسره ولا الحياة ولا نحن !!!
أعرفت لماذا يجحد بالله معظم الناس؟! بدءا من الجحود بوجوده إلى الجحود بعظمته إلى الجحود بدينه الصحيح إلى الجحود بنعمه؟!
لأنه تعالى هو الكبير المتعال، الظاهر الذي من عِظَم ظهوره - من خلال نعمه حولنا - نساه أكثر الناس ...
قال تعالى:
{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} ﴿يوسف: ١٠٣﴾
وقال أيضا:
{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} ﴿الأنعام: ١١٦﴾
.
اللهم اجعلنا من الشكورين، ونعوذ بك أن نكون ممن يجحد بك ويجحد بنعمك الجليلة، فأنت الظاهر بنعمك، الباطن بذاتك.. أنت من منحتنا نعمتي العقل والروح لنخترق بهما حجب الوجود المادي، فتظهر لنا بعقولنا من خلال التفكر في خلقك، وبأرواحنا من خلال الخضوع والخشوع لعظمتك..
أحمد كمال قاسم
- التصنيف: