عارُ بشار وعارُ الصهاينةِ واحدٌ
لا أدري لماذا لا يتعظ الطغاة بالنهايات المخزية لسابقيهم؟ لماذا يظنون أن حكم الله تعالى عليهم وعقابه لهم سيكون مخففاً عما مر به سابقوهم؟ لا أرى سبباً لذلك إلا حب الغرور وتضخم الأنا لديهم، وكأن الواحد منهم في ظنه أنه الرجل الذي لا يُقهر !
لا أدري لماذا لا يتعظ الطغاة بالنهايات المخزية لسابقيهم؟ لماذا
يظنون أن حكم الله تعالى عليهم وعقابه لهم سيكون مخففاً عما مر به
سابقوهم؟ لا أرى سبباً لذلك إلا حب الغرور وتضخم الأنا لديهم، وكأن
الواحد منهم في ظنه أنه الرجل الذي لا يُقهر، ولا يمكن أن يدعسه زحف
الشعوب، ولا لوم عليهم -أي الظالمين- فيما وصلوا إليه، فالشعوب هي
التي صنعتهم، حين طأطأت لهم الرؤوس سنيناً، وزرعت الأرض بتماثيلهم،
حتى صار حالهم اليوم قريب من قول القائلين: {
رَبَّنَا إِنَّا
أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا .
ربَّنا آتِهِم ضِعْفَيْن من العذابِ والعَنْهُم لَعْناً كبيراً
} [الأحزاب:67-68].
(صنع في إسرائيل) جملة كنت قد حددتها عنواناً لكتاب أسلط فيه الضوء
على بعض آثام الصهاينة، آثام تفردوا بها دون غيرهم، وكان عزمي على
تخصيص أكبر جزء من الكتاب لقضية المجازر الإسرائيلية التي تستهدف
أطفال فلسطين تحديداً، وهي قضية بالفعل تستحق أن تأخذ من وقت الكُتّاب
والشعراء والمفكرين الكثير، لشحذ الهمة وفضح المجرمين، فكم تلوثت
أياديهم بدماء أطفالنا ولا يغيب عنا أن نشوه صورتهم بالإشارة إلى أن
هذا ديدنهم وقد فضحوا أنفسهم بمجزرة (بحر البقر) في محافظة الشرقية
بمصر عام 1970م، وبدأتُ بالفعل في جمع المادة العلمية، وحصر لأسماء
عدد غير قليل من أطفال فلسطين الشهداء وحكاياتهم، وكتابة بعض
التدوينات الصغيرة لحين ترتيبها، ولكن يا ويل الظالمين، الويل لهم،
لقد أصابوا القلم بحالة ذهول في لحظة خاطفة وبسرعة البرق، فما هي إلا
نظرة عابرة على الثورة السورية، لتشاهد وترى بأم عينيك حدثاً مهيباً
من أسوأ الأحداث والمواقف التي مرت على الأمة الإسلامية بعد دخول قوات
النظام العراقي الكويت، بأيدٍ تنسب نفسها إلى الإسلام، فهناك فقط في
سوريا تقتل البراءة، بدءاً من الطفل الشهيد حمزة الخطيب، نعم حمزة،
الذي أبكانا جميعاً، ولم نكن نعلم أنه مقدمة لسلسلة طويلة من العار
والخزي الذي لحق بالنظام السوري وفضح نواياه العدوانية، لم يخبرنا أحد
بتلك النوايا حتى صار حمزة رمزاً لطيور الجنة في سوريا، ورمزاً ملهماً
للثورة السورية كمحمد بوعزيزي في تونس وخالد سعيد وسيد بلال في مصر،
فبعد (كلنا البوعزيزي) في تونس صرنا (كلنا خالد سعيد في مصر) ثم (كلنا
الشهيد الطفل حمزة علي الخطيب) في سوريا، رموز كلها أجبرت الشعوب على
طرح الخوف وراء ظهورهم، ومد أياديهم إلى السماء علَّ الضباب ينقشع،
وظلام الأمس ينمحي، شاكين إلى ربهم ظلماً دام سنيناً، سائلين الله
مطلباً واحداً، هو أعظم مطلب في تاريخ البشرية، إنه الحرية، ذلك الأمر
الذي كفله الله لكل إنسان حين كرمه يقول تعالى: {
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ
وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ
الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا
تَفْضِيلًا} [الإسراء:70] هذه هي
الحرية التي كفلها لنا الإسلام قبل منظمات حقوق الإنسان!
ما أشبه تلك الجريمة في سوريا بجرائم الصهاينة! أليس حمزة (13عاماً)
طفلاً كما الدرة (12 عاماً) طفل؟ وكأني أسمع البشر والحجر في سوريا
صارخين مستغيثين كوالد الدرة في فلسطين الذي كان يصرخ على الجنود
الإسرائيليين لوقف إطلاق النار، فيا أيها العتاة، أبشروا فقد لوثتم
أياديكم بدماء أحباب الله، ويا أسوأ طبيب عرفته البشرية، يا أعمى
البصر والبصيرة، مزيد من الدماء وامتهان البراءة وقتل الحلم الطاهر،
وإطفاء شموع الأمل، وذبح زهور الحب في المهد، فلعلها صورة جديدة -لم
نعهدها- من صور بر الأطباء بقسمهم، بدلاً من أن تمسح أثر الدم وتسد
الجرح نراك تفتح الجرح على مصراعيه ولا تضمده! فتضرب بذلك أعظم مثل في
الحفاظ على امتهان شرف مهنتك! وبذلك حقاً يصدق فيك وفي نظامك قول
العالم الجليل يوسف القرضاوي (رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين):
"الأنظمة المستبدة والجائرة بكماء لا تسمع، وعمياء لا تبصر، وغبية لا
تفهم، وجامدة حجرية لا تحس".
وإذ يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ
كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}
[النساء:59]، أما وقد اعترضت الرعية الآن على الوالي فهل رد النظام
السوري الأمر إلى الله ورسوله؟ من ذا الذي صفق لكم مشجعاً إياكم على
ذبح العروبة فتماديتم في غيكم؟ وهنا أود الإشارة إلى أنه منذ عدة أيام
طالعتنا الأخبار في الصحف وعلى شاشات التواصل الاجتماعي بتوثيق بالصوت
والصورة لعدد من المستوطنين الصهاينة وقد احتشدوا مرددين: "محمد قد
مات، وليلحقه العرب"، "اذبحوا العرب"، هذا حسب ما أوردته بعض الشبكات
الفلسطينية الإخبارية على (الفيس بوك)، وتداولته مواقع أخرى فيما بعد،
وكأني بهؤلاء الصهاينة وهم يهتفون كأني بهم يصفقون لنظام بشار
ولجرائمه، ولكل نظام ينهج نفس النهج في قمع الرعية، ولم لا يصفقون وهم
يرون بقعة الدماء العربية تتسع يوماً بعد يوم بأيدٍ عربية؟ فأيها
الطبيب الملوث بدماء البراءة، {
بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ
} [التكوير: 9]، ويؤسفني أن أخبرك
أنني قد بت الآن لا يساورني شكٌ في أن الجماعة الدينية اليهودية
(ناطوري كارتا) التي ترفض الصهاينة، وتعارض وجود دولة إسرائيل أرحم
منك، على الأقل لما تظهره من عداء لإسرائيل، وما تقوم به أحياناً من
احتجاجات اعتراضاً على ما يحدث للفلسطينيين.
وهذه رسالة إلى النظام السوري وكل الأنظمة الفاسدة، يا من تلوثت
أياديكم بدماء الشرفاء يا من صممتم آذانكم عن سماع النداء، أنسيتم كيف
صرخ أولكم صرخة المهزوم قائلاً: "فهمتكم.. فهمتكم"؟ ألم يسقط ثانيكم
بعد أن تخلت عنه الأيادي الغربية التي كان يتودد لها ونسي أنهم لا
يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، فكانوا أول من عاداه بعد أن علموا أنه
ورقة فقدت شعبيتها وأدركوا عجزهم عن حمايته أو الوقوف كالسد أمام
أصوات الجماهير، وقد انضم لصفوفها أفراد الجيش منذ مطلعها؟ ألم يراهن
ثالثكم على الوقت إذ ظن أن الحرية تموت بمرور الزمن، وأن المطالبين
بها يملون من انتظار بزوغ شمسها فما كان منه إلا أن طرح على كلماته
ثوب التكبر الذي يرتديه قائلاً: "فاتكم القطار" حتى جاءه تصرف القدر
مثبتاً له أن قطار الحرية -حين يطالب به صاحب الحق- قادر على دعس من
يتعرض له محاولاً إيقافه، حتماً سيأتي يومكم وتعلنونها متخاذلين:
(فهمتكم)؟ فخذوا من أرواح الشباب ما شئتم، فلن تستطيعوا إغلاق أفواه
نادت بالحق وطالبت بإقرار العدل، إنه حق سماوي كفله الله للبشر بأمر
قرآني، فاتقوا الله في الرعية.
- التصنيف: