الخمسـون ريالا السـعودية
فمشروعنا الجديد يستهدف وبكل جدية وتصميم طباعة صورة المسجد الأقصى فى حضن مدينتنا المقدسة ، لتزين جميع عملاتنا من المحيط إلى الخليج
فى العام 1952 إقترح رئيس كيان الإحتلال "بن جوريون" طباعة وجه البرت أينشتين على الورقة النقدية من فئة الخمس شيكلات ، وتم اصدارها بالفعل فى العام 1968 ربما للإشارة إلى أن العالم الفيزيائى من أتباع الديانة اليهودية ، بينما جاء الوجه الآخر لنفس العملة حاملا صورة المفاعل النووى في ما يسمى وادى سوريك. أما إصدار الأعوام ( 1985 – 1999 ) من العملات الورقية ، أو ما يعرف باسم الشيكل الجديد ، فقد احتوى مثلا على ورقة من فئة 10 شيكلات حملت جهتها الأمامية صورة رئيسة الوزراء الشهيرة "جولدا مائير" ، وعلى الجهة الخلفية منظر حشد كبير من الناس أمام كنيس يهودى فى موسكو يحتفل بوصول سفير دولتهم إلى المدينة. عملاتهم الورقية بالتحديد فى رأيى من أكثر العملات التى تحمل رسائل ناعمة ، فبعضها يحمل مقاطع ذات معنى من قصائد لشعراء يهود ، وبعضها يحمل صورا تجسد مواقف تاريخية بعينها ، والبعض الآخر يحمل صورا لمصانع ومزارع وبوابات قديمة ورسوم تجريدية وعدد لا يحصى من مشاهير اليهود ، بل وأزعم أنها الأكثر تميزاً وخصوصية على مستوى العالم..!
ونعود إلى عنوان المقال .. فلقد طبعت هذه الورقة السعودية التي تحمل صورة المسجد الأقصى لأول مرة حين طرح الإصدار الرابع من النقود الورقية في التداول في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود في 4 يناير 1984م ، وظلت من يومها بدون تغيير ، رغم أن الأمر لم يخل أبدا من بعض مرضى القلوب الذين ودوّا لو تتغير الأوضاع ، وتستبدل الخمسين السعودية بغيرها ، لكن هيهات هيهات ، فمشروعنا الجديد يستهدف وبكل جدية وتصميم طباعة صورة المسجد الأقصى فى حضن مدينتنا المقدسة ، لتزين جميع عملاتنا من المحيط إلى الخليج رغم "جرثومة الوطنـية" المزعومة التى ما فتئت تنهش فى جسد الأمة ، فى الوقت الذى نتفهم فيه خصوصية كل دولة ، ونحترم تفرّد ثقافتها وتراثها وظروفها ، فالعوامل المجمعة ستفرض نفسها طال الأمر أو قصر ، فمساحة المشترك تغلب ولا شك مساحة الإختلاف أو التفرد ، وحتى فى أسوأ الظروف ، فيمكن وضع إطار زمني للمشروع يمتد مثلا إلى عشرين سنة ، تعود بعدها ورقة النقد الخمسينية الخاصة بكل دولة إلى سابق عهدها ، ولكن ليس قبل أن تدرك الشعوب أهمية ملف الأقصى وبيت المقدس للأمن القومى العربى ، وضرورة التوعية بهذا الملف الأخطر والأكثر حساسية ، فتداول مئات الملايين من أبناء الشعوب العربية العملة الورقية الخمسينية وعليها صورة الأقصى ، يرسل رسالة إلى عقلها الباطن بثبات حقها المشروع ، ويرسل رسالة إلى الإحتلال بتحديه ولفظه والإستهانة به ، فالوعى هو سلاح الردع الأهم الذى يعمل له ألف حساب ، صورة الأقصى ترسل رسالة حضارية إلى العالم كله تتسم بالتعقل والرقى والفعالية ، وتقدم دليلاً على وحدة الأمة وتجانسها ، بعيدا عن العنف والتشنج واستنزاف الطاقات. وبناء عليه ، نعكف حاليا على دفع مجموعة عمل متخصصة للتفاهم مع جامعة الدول العربية ، وتقديم طلب رسمى لأمانتها العامة بتوجيه الدول الأعضاء لإصدار عملة الأقصى الخمسينية الجديدة ، ويا له من موقف كبير يصنع التاريخ ويغير مساره .. موقف نبيل يجمع الشمل ويردع العدوان..!
إن مؤسسات إستهلاكية فى دول عديدة توافق على طباعة إعلانات لصالح دور الأيتام على عبوات مشترياتها ، ليصل نداء التبرع إلى ملايين البشر ويدخل ملايين البيوت ، بل ومن الطريف أن يقوم البعض بترويج البضائع والخدمات ، أو الإعلان عن ميلاد الأطفال الجدد بالكتابة على العملات الورقية بشكل يشوه مظهرها ، رغم أن عملات الدول تمثل رمزاً لسيادتها ، وتعكس حضارتها ، ومن ثم تتبارى فى تجميلها وإتقانها ، لتبرز من خلالها قيمة حضارية أو إنسانية سامية. وعليه .. فمشروعنا يستهدف إرسال رسالة حضارية غير مسبوقة ، رسالة صامتة وناعمة ، نقول فيها للعالم أننا نحن العرب على قلب رجل واحد ، لا ننسى مقدساتنا ولا نفّرط فيها ، ونتمسك بها حتى ولو بمجرد رسمها على عملاتنا الورقية ، ولقد تم تدشين المشروع بتشكيل فريق عمل من المتطوعين الشباب ، سيتولى التواصل مع مؤسسات النقد العربية ويطرح عليها المبادرة ، ويشرح أهميتها وأبعادها الحضارية.
إن الثقل السياسى والإستراتيجى الذى تقدمه مراكز دعم واتخاذ القرار لقضية ما ، إنما يأخذ بعين الإعتبار قضايا متعددة بالغة التعقيد ويتم وفق حسابات متداخلة ، وهى تعمل على صياغة مواقفها وتسويقها إستنادا إلى شرعية القضية وأهميتها وخطورتها ، وليس إلى مواقف غير محسوبة وغير موضوعية. ومن هنا .. فالأمل الذى يحدونا هو أن يتحول مركزنا إلى قاطرة للأمة تشدها إلى الأمام ، ومسئولا عن إحتفاظ قضية الأقصى بحيويتها وزخمها ومكانتها فى طليعة إهتماماتها ، نسعى لنجعل منه معهدا علميا بارزا ، ، ونعززه بتسهيلات إستثنائية ونقيم هيكله على بنية تحتية سليمة ، ليصبح عامل حفز لمجمل الحركة القومية المعنية بالصراع مع الدويلة اللقيطة ، ونسعى فى الإجمال وبكل وضوح إلى تكوين مجال إسلامى متجانس قائم على مؤسسات ذات طابع إحترافى ، من خلال حشد أفضل الباحثين والمستشارين والخبراء ، لإدارة وتنسيق جهود الدفاع القانونى عن المقدسات بمنهجية و مهنية وعلى بصيرة ، ويمكن للمتابع أن يلاحظ أن لغة خطابنا تتناسب تماما مع الإطروحات والأهداف والأطر التى تعمل من خلالها هيئات رائدة مثل جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامى ، ونفخر بأننا نعمل منذ سنوات طويلة محاطين بالآف المخلصين ، الذين تتسع لهم صدورنا ، نسمع منهم ، وننصح لهم ونتشاور معهم ، ونسابق الزمن لنستخرج من بينهم جيلاً من الباحثين المتخصصين فى الشئون المقدسية ، وما نفتأ نرسلها دعوة مفتوحة إلى كل من يقرأ هذه السطور ، لينضم إلينا ، فلقد آن الأوان لكى تتحول الآمال إلى أفعال ، وأن تترجم النيات إلى برامج وآليات ، فغياب الوعى العربى هو الأكسجين الذى يتنفسه الإحتلال ، وهو ما يزيده شراسة ووقاحة ، مزحزحا إياه عن درجة الإرهاب ، ومنحدرا به وبكل جدارة إلى الدرك الأسفل من الفاشية.
وما أعرفه شخصيا ، أننا سنظل نصمم المبادرات ، وسنظل نسهر وننصب حتى نراها تتحقق على أرض الواقع ، ورغم خيبة الأمل فى الأنظمة ، فعندنا كل الأمل فى الشعوب التى يمكنها الضغط على هذه الأنظمة ، من خلال حملات سلمية طموحة ، تطالب بطباعة صور المسجد الأقصى على عملة بلادها من فئة الخمسين ، مثل هكذا خطوة لن تكون سهلة ، غير أنها إن تحققت ، ستكون تذكارا وعهدا صامتا تتداوله وتتبادله ملايين الأيدى بشكل يومى ، وحتى هذا الحين ، سنظل كما عهدنا كل من يعرفنا .. لا نشكو ولا نشجب ولا نستنكر ، فلدينا أمل ورؤية وخطة ، نفتح كل يوم أفقا جديدا لخدمة أمتنا وتأمين مستقبلها ، ونؤسس لمشروع يغيظ الإحتلال ويقّرب يوم النصر ، ألا إن نصر الله قريب.
أيمن خليل العسقلانى
الأمين العام ــ مركز بحوث المسجد الأقصى
- التصنيف: