مراتب تمحيص المؤمن من ذنوبه (2-2)

منذ 2019-04-23

عن أبي الدرداء رضي الله عنه  قال: «اعْبُدُوا اللَّهَ كَأَنَّكُمْ تَرَوْنَهُ، وَعُدُّوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْمَوْتَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ قَلِيلًا يُغْنِيكُمْ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ يُلْهِيكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْبِرَّ لَا يَبْلَى، وَأَنَّ الْإِثْمَ لَا يُنْسَى» أهـ (مصنف ابن أبي شيبة 34580).

 

   إننا نرى كثيرا من الناس يغالط نفسه ويقول: ها أنا عملت ذنوبا، ولم أرى لها تأثيرا عليّ وعلى حياتي، وما علم المسكين أن الذنب لا ينساه الله -عز وجل- وسيرى أثره ولو بعد حين في الدنيا أو في قبره أو في محشره أو أنه مستدرج، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه  قال: «اعْبُدُوا اللَّهَ كَأَنَّكُمْ تَرَوْنَهُ، وَعُدُّوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْمَوْتَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ قَلِيلًا يُغْنِيكُمْ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ يُلْهِيكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْبِرَّ لَا يَبْلَى، وَأَنَّ الْإِثْمَ لَا يُنْسَى» أهـ (مصنف ابن أبي شيبة 34580).

   ومن ناحية أخرى ليس كل من أذنب عاقبه الله -عز وجل-في الدنيا، إذ لو فعل ذلك سبحانه وتعالى لأهلك من في الأرض جميعا. ألم تسمعوا قول الله -عز وجل- {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً}  [ فاطر : 45 ].

   فينبغي أن نعلم سنن الله -عز وجل- في عباده، فقد يكون هذا العبد مستدرج، وماذا نعني بمستدرج؟

   الاستدراج: سنة ربانية يجهلها أو يغفل عنها كثير من الناس، فإذا رأيت نفسك ترفل في نعم الله وأنت مقيم في معصية الله فاعلم أنك مستدرج. فقد روى عُقْبَةُ بْن عَامِرٍ رضي الله عنه  أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  قَالَ: ( «إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ، ثُمَّ تَلا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}   [رواه الإمام أحمد] .

   إن بعض الناس قد يعمل معصية أو يقصّر في عمل فيقول طالما أنه لم تأتني مصيبة أو رؤيا في المنام؛ فهذا يدل على رضا الله عني أو تغاضيه عن جرمي، ومنهم من يقول: لو كنت قد ارتكبت جرما عظيما يغضب الله -عز وجل- لرأيت على سبيل المثال من ينهاني أو ينبهني إلى ذلك ولو في المنام أو لأصابني الله تعالى بالمصائب ونحو ذلك، وقد يستدل هذا الجاهل بحديث ضعيف غير صحيح روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أنه قال: (إذا أراد الله بعبد خيرا عاتبه في منامه) فهذا أولا حديث غير صحيح فلا يستدل به، كما ينبغي أن تعلم بأنك لست بنبي أو ولي حتى يعاملك الله بما أردت أو تمنيت، إذ قد تكون مستدرجا -عياذا بالله- بذنبك، أو أن عقوبة ذنبك لا زالت مدخرة لك إلى حينٍ، في الدنيا أو في البرزخ أو في الموقف.

   لذلك إذا وقعت في معصية فبادر إلى التوبة منها وعمل الحسنات الكثيرات قال تعالى {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ}

  فإن لم تفعل فإن ذلك الذنب سيلاحقك لا محالة إما في الدنيا أو في القبر أو في أرض المحشر، إلا أن يعفو الله عنك.

    وتفكر في كثير من السلف الذين وقعوا في بعض المعاصي كيف كفروا عنها بكثرة العتق والصيام والصدقة والاستغفار خوفا أن يلاحقهم ذلك الذنب في قبورهم أو آخرتهم.

   انظر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه  في صلح الحديبية عندما عارض رسول الله صلى الله عليه وسلم  الرأي، فقد غضب رضي الله عنه  عندما أحس بأن الصلح الذي عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم  مع قريش فيه إجحاف وعدم إنصاف للمسلمين وتنازل عن حقوقهم، فجاء إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه  قائلا له : أليس برسول الله ؟ قال : بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال : بلى قال : أوليسوا بالمشركين ؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه  : يا عمر الزم غرزه فإني أشهد أنه رسول الله .متفق عليه .  فكّفر عن مقولته تلك بالشيء الكثير، حيث قال رضي الله عنه : ما زلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت يومئذ أهـ (السيرة النبوية).

  وتأمل -يا عبد الله- إلى فعل عائشة -رضي الله عنها- عندما حلفت ألا تكلم ابن أختها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه  فتوسط بعض الصحابة وأكثروا عليها التذكير والتحريج فقالت "إِنِّي نَذَرْتُ، وَالنَّذْرُ شَدِيدٌ، فَلَمْ يَزَالاَ بِهَا حَتَّى كَلَّمَتْ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَأَعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً، وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَتَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا خِمَارَهَا" رواه البخاري.

فبادر إلى التوبة من الذنوب قبل الممات لئلا تذوق عاقبتها، فإن للذنوب عواقب في الدنيا وفي البرزخ وفي أرض المحشر.

  جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتب للمؤلف :

  1. كيف تطيل عمرك الإنتاجي ؟
  2. كيف ترفع درجتك في الجنة ؟
  3. كيف تحظى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم  ؟
  4. كيف تنجو من كرب الصراط ؟
  5. أمنيات الموتى .
  6. كيف تملك قصورا في الجنة ؟
  7. أعمال ثوابها كقيام الليل .
  8. كيف تثقل ميزانك ؟
  9. كيف تفتح أبواب السماء ؟
  10. كيف تجعل الخلق يدعون لك ؟
  11. كيف تنجو من عذاب القبر؟
  12. ذنوب قولية وفعلية تكفرها الصدقة.
  13. أعمال أكثر منها النبي صلى الله عليه وسلم .
  14. كيف تسابق إلى الخيرات؟
  • 1
  • 0
  • 6,589

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً